توقيت القاهرة المحلي 04:24:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بلَدان وحكومتان ومشكلة واحدة!

  مصر اليوم -

بلَدان وحكومتان ومشكلة واحدة

رضوان السيد
بقلم - رضوان السيد

البلدان هما العراق ولبنان. والحكومتان هما حكومة مصطفى الكاظمي بالعراق، وحكومة نجيب ميقاتي بلبنان. والمشكلة أنّ كلاً من الحكومتين هي حكومة تصريف أعمال لا تستطيع الاجتماع، وهي محدودة الصلاحيات، لا يمكنها اتخاذ قرارات كبيرة في مسائل مثل الموازنة العامة وتحويل مشروعات القوانين إلى مجلس النواب. ولدى كلٍ من الحكومتين تحديات خاصة الآن؛ حكومة الكاظمي عليها البتّ في الانقسامات والقضايا التي طرحتها مثل الانتخابات المبكرة التي يطالب بها مقتدى الصدر، وتهدئة الأجواء بعد احتلال المنطقة الخضراء ورئاسة الحكومة والاشتباكات بين ميليشيا العصائب والصدر وسقوط قتلى في بغداد والبصرة. أما حكومة ميقاتي التي لا تجتمع أيضاً فعليها أيضاً إحالة الموازنة التي أعدتها، كما تعديلات مطلوبة عليها؛ بيد أنّ الأهمّ الإعداد لخلافة رئيس الجمهورية الذي تنتهي ولايته في آخر أكتوبر (تشرين الأول) 2022. وفي حال عدم حصول انتخابات الرئيس من جانب مجلس النواب في موعدها الذي حَلَّ فإنّ مجلس الوزراء بمجموعه حسب الدستور يحلُّ محلَّ الرئيس لحين انتخاب الجديد. وهناك فقهاء دستوريون يقولون الآن إنّ الحكومة الحالية ليست مكتملة المواصفات والصلاحيات للحلول محلّ الرئيس الغائب إن حدث!

مشكلة البلدين واحدة معروفة، وهي وجود ميليشيات مسلحة فيهما تستعصي على الدولة والجيش والقوات الأمنية. «حزب الله» في لبنان المتحكم بالداخل بقوة السلاح وتتوحدُ الطائفة الشيعية من ورائه، تابع لإيران في التسليح والإمداد والتوجيه، وخاصة ما تعلق بالمصالح الاستراتيجية للدولة الإيرانية. وإذا كانت في لبنان ميليشيا واحدة رئيسية؛ ففي العراق عشرات الميليشيات المسلَّحة التي تمتلك في معظمها ولاءً لإيران.
المشكلة الرئيسية في البلدين لا تعني أنه ليست هناك مشكلات أُخرى داخلية وخارجية. فهناك أوضاع اقتصادية ومعيشية سيئة إلى سيئة جداً؛ لكن يخفّف من وقعها في العراق المداخيل البترولية العالية، ولا مخفّف في لبنان. ثم إنّ في لبنان مصالح معرقلة للسياسيين، مثل صهر رئيس الجمهورية جبران باسيل الذي يريد أن يخلفه؛ لكنه لا يملك القدرة على ذلك من دون «حزب الله»، ومن دون مساعدة فريق مسيحي قوي (القوات اللبنانية!)، و«حزب الله» يحمل أوراقه مضمومةً إلى صدره، ولا يعرف أحدٌ لمن يحسم أمره، فيصوت له نواب الشيعة الـ27 وينادي من يؤثر عليهم للتصويت من المسلمين والمسيحيين.

 وهكذا إلى جانب سطوة «حزب الله»، وسطوة الأزمة الاقتصادية الساحقة، هناك المشكلة المسيحية التاريخية؛ مَنْ يكون رئيساً للجمهورية من الطائفة المارونية، ومن يؤثر في انتخابه بالداخل والخارج، ثم السلوكات الجديدة التي صارت معتادة في حيلولة رئيس الجمهورية وصهره دون تشكيل الحكومات طوال 6 سنوات إلا إذا كانت له حصتان من الوزراء؛ حصة صهره رئيس الحزب المسيحي الأكبر، وحصة الرئيس شخصياً. والإضافة الأخرى أنه في حال خُلُوّ منصب الرئيس مؤقتاً، فهما يريدان أن تكون الحكومة الجديدة التي كلّف مجلس النواب ميقاتي بتشكيلها على شاكلة الحكومات السابقة حافلة بنفوذ الرئيس وصهره وأعوانهما، لكي يعيشا عمراً سياسياً ثانياً.

والأمر أكثر فداحةً فيما يتعلق بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. فمقتدى الصدر الذي دفع نوابه إلى الاستقالة وأطلق مظاهرات انتهت باشتباكاتٍ مسلَّحة مع ميليشيا العصائب من الإطار التنسيقي، يُصرُّ على انتخابات مبكرة. وخصومه يقولون؛ حكومة تصريف الأعمال محدودة الصلاحيات، ولا بد من حكومة جديدة مكتملة الصلاحيات لاشتراع الانتخابات مع مجلس النواب (الذي ينبغي أن يوافق على حلّ نفسه، وقد انتُخب من عدة أشهرٍ فقط!). والحكومة الجديدة إن كانت فسيكون معظمها من الإطار التنسيقي أو على الأقل حصة الشيعة كذلك. ولأنّ الطرف الشيعي الكبير منقسم، فقد ازداد نفوذ السُنة والأكراد، الذين كانوا متحالفين مع مقتدى الصدر، والآن لا يعرفون ماذا يفعلون. ويقال إنّ الصدر موافقٌ ضمناً على بقاء الكاظمي بأي صيغة؛ لكنّ خصومه لا يريدون تفويت الفرصة، واستبدال الكاظمي.

إنّ هناك ميزةً باقيةً في البلدين؛ أنّ الجيش والقوى الأمنية لم تنقسم، بخلاف ليبيا. إنما لا أحد يعرف في العراق ما هي قوة كل طرف إذا وقعت الواقعة، ومن جهةٍ أُخرى ما هي طبيعة العلاقات السرية بين الجيشين والميليشيات، التي تحول دون الاشتباك، وإلى متى. لقد حصل أحياناً أنّ الجيش أو القوى الأمنية بالعراق قبضت على مسلحين متهمين بجرائم واغتيالات، لكنْ أُطلق سراحهم بسرعة بأمرٍ من القضاء كما قيل! أما في لبنان فلم يحصل أن تدخل الجيش للقبض على مسلحين من «حزب الله» بسبب مخالفات أو جرائم. بل إن الأمر لم يصل إلى حدّ الاتهام، رغم كثرة أحداث الاغتيالات التي يظل الفاعل فيها مجهولاً.
ما فائدة هذه المطالعة المكرورة مني، ومن غيري؟

الفائدة الأولى تأكيد المؤكَّد، أي أنه لا قيام لدولةٍ، الميليشياتُ المسلحةُ فيها أقوى من أجهزة السلطة وقواها. والفائدة الثانية أنه كما في العراق ولبنان وسوريا وليبيا واليمن مسلحون تابعون للخارج، كذلك هناك سياسيون تابعون. الكبار بينهم تابعون لجهات خارجية. والصغار بينهم تابعون للميليشيات الموجودة بالداخل.

ويزيد الطين بلة أنّ معظم هؤلاء استطاعوا تجديد «شرعيتهم» بالانتخابات قبل أشهر في البلدين. هناك تلك القدسية التي يُضفيها الإعلاميون والتغييريون على الشعب والجمهور. وقد كان التغييريون في لبنان بعد ثوران العام 2019 واثقين من انتصارهم على قوى الأمر الواقع. إنما من الـ128 مقعداً ما أخذ التغييريون غير 13 مقعداً، والانقسام بينهم على قلتهم شديد. أما في العراق فتحقق تغيير كبير، لكنه ما كان كافياً لتشكيل حكومة إصلاحية، بدلاً من التوفيقيات منذ العام 2005. ثم لو تأملنا المشهد لوجدنا أنّ الذي فاز بالانتخابات هو التيار الصدري، وليس المتظاهرون عام 2019 الذين فقدوا بالاغتيال والقتل نحو الألف، وبعضهم مات في اشتباكات مع التيار الصدري!

هي بلدانٌ تدور في حلقة مفرغة إذن. ومشكلاتها مستعصية، أو لا حلول لها، لا من جانب جماهيرها الغفيرة، ولا من جانب نُخبها السياسية التابعة والمنغمسة في الفساد؛ وبالطبع ليس من جانب الميليشيات.

فلنوجّه النظر إلى جهةٍ أو جهات أُخرى؛ الجهات الدولية، والجهات العربية. في معظم بلدان الاضطراب قرارات دولية، ومبعوثون من الأمين العام للأمم المتحدة ومن الدول الكبرى، إضافةً إلى السفراء. وقد صار هؤلاء جزءاً من الطاقم السياسي الموجود، يحضرون الاجتماعات ويحاولون التوسط، وهمُّهم التهدئة وعدم اللجوء للسلاح، ومعالجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية، وهم يعودون لبلدانهم لمساعدة الناس. بيد أنه - والحق يقال - مع أزمة أوكرانيا ازداد العالم اضطراباً وتكاثرت مشكلاته، وفي المسائل التي لا انقسام حولها في مجلس الأمن، ما عادت هناك همة للإنفاذ؛ فكيف بالمشكلات التي عليها انقسام؟!

لا يبقى غير الجهات العربية، وهي الأحرص والأبقى. وهناك تعاونٌ في السودان بين العرب والأجانب في المبادرات لحلّ المشكلات. وهناك اهتمامٌ عربي بالعراق، لكنه لا يبلغ درجة الوساطة بين الأطراف. وهناك بلدٌ مثل سوريا المنكوبة التي لا يحضر فيها طرف عربي إلا إذا تعلق الأمر بالمساعدات الإنسانية. وعندما يشكو اللبنانيون أنّ العرب لا يهتمون، يردّ العرب بذكر عشرات المبادرات التي عطّلها الحزب المسلَّح أو جماعة باسيل. كل هذا معروف ومتداول. إنما لا بُدّ من مخرج، مهما كلَّف الأمر؛ إذ هي حياة نحو 100 مليون عربي على المحكّ. من الآن، بدأ الإعلام يتحدث عن تأجيل مؤتمر القمة بالجزائر لمشكلاتٍ عالقة. فحبذا لو ينعقد المؤتمر في موعده، ويكون على جدول أعماله؛ الوسطاء العرب للمشكلات العربية!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلَدان وحكومتان ومشكلة واحدة بلَدان وحكومتان ومشكلة واحدة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon