توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تحولات الفكر العربي... الاتجاه الفلسفي والرؤيوي!

  مصر اليوم -

تحولات الفكر العربي الاتجاه الفلسفي والرؤيوي

بقلم - رضوان السيد

في الأسبوع الماضي دعتني جهة ثقافية عُمانية (بيت الزبير) إلى «ملتقى بيت الزبير الفلسفي الأول». وهناك قابلتُ أسماء معروفة من المخضرمين في الكتابة الفلسفية، مثل الزواوي بغورة (من الجزائر ويدرّس بجامعة الكويت) وقد تحدث عن الفلسفة والعصر، ومحمد المصباحي (من المغرب واشتغل على ابن رشد) لكنه في مؤتمر مسقط تحدث عن العودة إلى الفلسفة، ومشير عون (من لبنان)، وتحدث عن إشكاليات التعددية، والسيد ولد أباه (من موريتانيا)، وتحدث في العقل الفلسفي والأزمات الراهنة للإنسان، ومحمد شوقي الزين (من الجزائر)، وتحدث عن أصل الفلسفة بين التجربة الفلسفية والتجربة الصوفية، وعبد السلام بنعبد العالي (من المغرب)، وتحدث عن الفلسفة والترجمة.
هؤلاء أساتذة معروفون ونحن نعرف كتبهم. إنما الذي فاجأني المتفلسفون من شباب عُمان وكهولهم، منهم محمد الشحي مدير «بيت الزبير»، ومنى حبراس من العاملين بالبيت، وزكريا المحرمي، وعلي الرواحي، ومحمد العجمي، وسعود الزدجالي، وبدر العبري، وكل هؤلاء بدوا عارفين بكتبنا وأفكارنا؛ وأيضاً بالتيارات الفلسفية الغربية الحديثة والمعاصرة. وليس هذا فقط؛ بل إنّ من هؤلاء من هو مهندس أو طبيب أو واعظ. ومن بين المدعوين سيدة سعودية اسمها داليا التونسي مهتمة بتعليم الفلسفة للأطفال!
وأذكر أنّ جمعية فلسفية سعودية جديدة دعتني قبل شهور لمؤتمرها الفلسفي الأول أيضاً، وأسفْتُ كثيراً لأنني ما استطعت الحضور، لجدية الموضوعات التي طُرحت، والشخصيات الكبيرة التي دُعيت من الغربين، وشاركت عن بُعد بسبب أزمة كورونا المحتدمة وقتها.
الأستاذ محمد المصباحي تحدث في المؤتمر عن العودة إلى الفلسفة. وهي عودة يشهدها العالم العربي منذ عقدين وليس أكثر. وفي أذهان الشباب أكثر من الشيوخ ارتباط الأمر بالتفكير النقدي. وفي الأذهان والوعي لدى الشباب على الأقلّ أنّ الفلسفة ظُلمت في العقود الأخيرة في البلدان الخليجية بالذات. وهي تعود إلى البرامج والاهتمامات في المدارس والجامعات وتشهد اهتماماً ملحوظاً من المسؤولين السياسيين والتربويين.
وربما تعرضت الفلسفة المدرسية (وليس التفكير النقدي!) لضغوطٍ من المحافظين بالمؤسسات التعليمية؛ لكنها ما تعرضت لشيء من ذلك في مصر والمغرب وتونس ولبنان، ومع ذلك ما عادت شهرة أي أستاذٍ في العقود الأخيرة من القرن العشرين، تقوم على تخصصه في فلسفة كانط أو هيغل أو هايدغر أو بول ريكور أو هابرماس أو تشارلز تايلور؛ بل على إنتاجه في مجال «نقد الموروث» الإسلامي، تاركاً تخصصه الأصلي وتعليم طلابه، ومحاصراً نفسه وطلابه وقرّاءه بين قطائع باشلار وفوكو!
نحن في انطلاقنا من جديد باتجاه الفلسفة والتفلسف مقلِّدون، كما كنا في منتصف القرن العشرين، عندما ازدهرت الأطروحات الفلسفية ورؤى العالم في حقبة ما بين الحربين وما بعدهما في أوروبا وأميركا.
وكما قال السيد ولد أباه في محاضرته فإنّ الفلسفة تعود في العقود الأخيرة لمعالجة أزمات الإنسانية ومشكلاتها؛ ونحن ننضمّ إلى ذلك بعد تفويت 3 عقود وأكثر. أما فيما بين الستينات والتسعينات من القرن الماضي، وفي صراعنا الموهوم مع الموروث، فما كنا نقلّد أحداً. فقد اعتقد مفكرونا الكبار، وتبعهم تلامذتهم، أنّ الموروث القديم يشكّل حوائل وعوائق دون الدخول في الحداثة. وما كان معظم سُعاة «الحداثة» من الليبراليين مثلاً الذين يتحسرون لأننا لم ننضمّ إلى الازدهار الغربي بعد الحرب الثانية؛ بل كان ذاك النقد الآيديولوجي للموروث في معظمه ذا خلفية ماركسية، وسط موجات الحرب الباردة الثقافية، مع استعانات بكليشيهات الأبستمولوجيات الفرنسية. وكنت أبتسم وأتحسّر عندما أجد شبابنا بالجامعة «يتناتشون» مغتبطين كتاب هذا الثائر على الموروث أو ذاك! وهذا في الوقت الذي كانت تتعملق فيه في الجهة المقابلة أطروحات الصحويين والجهاديين ودعاة الدولة الإسلامية الميمونة! وقد أفضت بنا الإغارة على الموروث في التسعينات إلى الاشتباك مع دُعاة صدام الحضارات والإنسان الأخير. ثم كان الانهماك المضني في الصراع دولاً ومثقفين مع الإحيائيات الجهادية القاتلة.
نعم، في العقدين الأخيرين، بدأ شبابنا وكهولنا الخروج من أسْر عقدة الموروث باتجاه الشغل الفلسفي على الرؤى الجديدة للعالم، والتصدي مع المتصدين لأزمات الإنسانية. وبالطبع ما انتهت مشكلاتنا الأصيلة والمستوردة؛ لكنّ مناهج المعالجة داخَلَها التغيير والتعديل والتطوير باعتبارنا جزءاً من العالم، ولا تختلف مشكلاتنا عن مشكلاته.
وفي مجالات تأمل الموروث بالذات، ما عادت المعالجة المأزقية ممكنة ولا واردة. فهناك اليوم عشرات الباحثين والأساتذة العرب والمسلمين بالغربين الذين يعيدون النظر جذرياً في الانطباعات الموروثة عن التاريخ الديني والفكري والثقافي العربي والإسلامي. لقد عبّر عن هذه التوجهات الجديدة الألماني توماس باور الذي كتب عن الثقافة الإسلامية الوسيطة باعتبارها «ثقافة الالتباس»، و«لماذا ما كانت في الإسلام عصورٌ وسطى»؟
بينما صدرت في العقد الأخير عدة كتب مجموعة وأعمال مؤتمرات تستهدف إعادة النظر في مجالات الدراسات الإسلامية بالجامعات. وصحيح أنّ بعضها ما يزال يُغرقُ في الاستخدام الآيديولوجي لمنهج نقد الخطاب الاستعماري، بيد أنّ الأكثرين يتجهون إلى إعادة قراءة التاريخ الثقافي استناداً لمخطوطاتٍ ووثائق ومناهج بحثٍ جديدة.
قليلاً ما أستفيد مما تعرضه وسائل الاتصال الجديدة، ومنه مفيدٌ وجادّ. وقد نبهني أحد الأصدقاء قبل أسابيع إلى محاضرة لأستاذ عربي شاب متخصص في فلسفة القانون عن جون راولز (صاحب نظرية العدالة، 1971) ونقّاده. وعندما استمعتُ إلى التسجيل سرّني - كما يسر أي كاتب - أنه ذكر مقالة لي في الموضوع من العام 2017. إنما الذي سرَّني أكثر أنّ أحد طلابي بالدكتوراه بجامعة محمد بن زايد، كان قد سمع المحاضرة كما سمعتُها، ثم تابع الأمر فاستحضر مقالتي أيضاً في الموضوع ووزّعها مع المحاضرة على زملائه. في حين سارعت طالبة في الفصل نفسه إلى البحث عن كتاب توماس باور؛ لماذا ما كانت في الإسلام عصورٌ وسطى؟ وكنتُ قد ذكرتُه، فعرضته عرضاً نقدياً في جلسة المناقشة في الفصل. هي أجيالٌ جديدة عامرة بالنشاط وتفكّر بطرائق مختلفة، وتحتاج إلى عنايتنا واهتمامنا، دونما مبالغاتٍ في التوجيه أو التحكم.
كان أسلافنا يسعون لإقامة مدرسة فلسفية عربية. والحق أنّ هناك تحولات في الكتابة الفلسفية في جامعاتنا، ليس باتجاه محاولات «النهوض الذاتي» غير المفيدة، بل باتجاه العالمية. وهذا أمرٌ واعد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحولات الفكر العربي الاتجاه الفلسفي والرؤيوي تحولات الفكر العربي الاتجاه الفلسفي والرؤيوي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon