توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التحولات الدولية والأوضاع العربية

  مصر اليوم -

التحولات الدولية والأوضاع العربية

بقلم - رضوان السيد

عدّ كثيرون منّا اجتماع وبيان قمة جدة بين الولايات المتحدة وتسع دولٍ عربية متغيراً بارزاً، ولثلاث جهات: استعادة العلاقات بين الولايات المتحدة وعرب المشرق والخليج إلى سابق عهدها في الأمن والاعتماد المتبادل، ووضع أجندة عربية للقضايا والمشكلات التي تقتضي التصدي والبحث عن حلولٍ لها، والإصرار -من جانب العرب أيضاً- على أولوية قضاياهم الوطنية والقومية وسط صراع الإمبراطوريات.
وما عاد صراع الإمبراطوريات حديثاً عن الماضي؛ بل هو حديثٌ وواقعٌ حاضر وبين معسكرين كالسابق: روسيا والصين أو الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة وأوروبا وكندا واليابان وأستراليا من جهة أخرى. وإذا كان هؤلاء أقطاباً أو قطبين فعلى الحفافي والهوامش كبارٌ وأوساطٌ يتجاذبها المحوران الكبيران، وبعضها يأمل الإفادة من هذا التأرجح بين المحورين؛ في حين يأمل البعض الآخر الانضمام إلى أحدهما بعد أن تتضح نتائج النزال!
ما رضي المعسكران بالتقاسم الذي جرى في أحقاب الحرب الثانية بين المنتصرين، فنشبت الحرب الكورية ثم الحرب الفيتنامية وحروب إسرائيل في الشرق الأوسط وحروب أخرى في البلقان. وما تغيرت المقاسمات كثيراً وقام استقرارٌ هشٌ لعقدين ونيّف (=التعايش السلمي) إلى أن اعتزمت الولايات المتحدة إسقاط «إمبراطورية الشر» في أواسط ثمانينات القرن الماضي. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، جاءت حقبة الهيمنة الأميركية التي أنجزت بعض الأمور الجيدة مثل إعادة توحيد ألمانيا، والتصدي للإرهاب. بيد أن معظم ما قامت به تحت شعار النظام العالمي الجديد، وشعار مكافحة الإرهاب، وشعار الشرق الأوسط الجديد كان سيئاً وسلبياً على الاستقرار العربي والعالمي.
إنّ ما يشهده العالم منذ عام 2008 (تاريخ تحرش بوتين بجورجيا) هو محاولاتٌ من جانب روسيا لاستعادة ما فقدته بانهيار الاتحاد السوفياتي وفي حقبة الهيمنة الأميركية. أما الصين فدافعها الأكبر تضخم حجمها وقوتها الاقتصادية والعسكرية إلى آفاقٍ غير مسبوقة. لقد استطاعت استعادة ماكاو وهونغ كونغ من دون ضجيج عسكري. وبعيدٌ أن تحسب الصين أسلوب بوتين في حروب الاستيلاء أفضل. لكنها استجابت للتحدي الأميركي الذي كان اقتصادياً أيام ترمب وصار مزدوجاً؛ اقتصادياً وعسكرياً، أيام بايدن.
ما الذي يحدث الآن إذن؟ الذي يحدث محاولات إعادة ترسيم لحدود الإمبراطوريات وهي تضم أقاليم تابعة، ومناطق نفوذ ومجالات بحرية، وحقول نفط وغاز ومعادن -ونعرف الآن أنّ المناطق الزراعية الشاسعة هي مجالات استراتيجية أيضاً!
ما تأثيرات ذلك على منطقتنا؟
عانت المنطقة العربية بالمشرق والخليج أشدَّ المعاناة في حقبة الهيمنة الأميركية (1990 - 2008) حتى الزمن الحالي. فقد عدّت الولايات المتحدة نفسها في مواجهة مع العرب بسبب احتلال صدام حسين للكويت، ثم بسبب الإرهاب (الإسلامي). ولذلك فقد استباحتها بالغزوات والعمليات السرّية وحملات مكافحة الإرهاب. ولم يغيّر من ذلك شيئاً أنّ الدول العربية الكبرى وقفت معها سواء ضد غزوة صدام كما في مكافحة الإرهاب. ولذلك وبالإضافة إلى الولايات المتحدة واستغلالاً أو مشاركةً تدخلت في الدول العربية المشرقية (واليمن) كلٌّ من إيران وتركيا وروسيا وإسرائيل، وبذرائع مختلفة. ولا يزال الأمر مستمراً على النحو نفسه هذه الأيام.
روسيا جاءت بجيوشها عام 2015 إلى سوريا للدفاع عن نظام الأسد. وفي مواجهة ذلك تخلت الولايات المتحدة عن سوريا، واكتفت بالدفاع عسكرياً عن الجيب الكردي في الشمال. وتركيا تدخلت في سوريا والعراق بحجة الدفاع عن أمنها القومي في مواجهة حزب العمال الكردستاني (التركي) الذي تقول إنه موجودٌ في البلدين. ولها قواعد عسكرية في شمال العراق، أما في سوريا فيحتل جيشها في شمال شرقي سوريا مناطق شاسعة، ويريد إردوغان توسيعها؛ إضافة إلى وجود عسكري وأمني لتركيا في طرابلس وغرب ليبيا... أما إيران فقد صنعت ميليشيات شيعية نشرتها في العراق وسوريا ولبنان، ودعمت ميليشيا الحوثيين في اليمن. ولا يتردد الإيرانيون في الإعلان عن سيطرتهم على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. ومن سنوات طويلة تُواليها ميليشيات «سُنية» في غزة. وحجج طهران متعددة؛ فتارةً هي تدافع عن مزارات آل البيت، وطوراً هي تدافع عن نظام الأسد، وهي أخيراً تقف من خلال ميليشياتها ضد إسرائيل.
وفي الأيام الأخيرة كان هناك حدثان: تقاذفٌ متبادلٌ بين حركة «الجهاد الإسلامي» الإيرانية الهوى في غزة، والجيش الإسرائيلي. افتخرت إيران بأنها هي المحرِّكة، وافتخر الإسرائيليون بأنهم أوقعوا حركة «الجهاد» في الفخ بالاستدراج! أما الحدث الآخر فهو خطاب زعيم «حزب الله» بلبنان بمناسبة عاشوراء والذي نصّب فيه نفسه مدافعاً عن حقوق لبنان في الغاز البحري، وقال إنه سيقطع اليد التي تمتد لاغتصاب الحقوق. لكنه لم يكتفِ بذلك بل ذكر ضرورة تحرير الشيعة بالبحرين، ودعم حوثيي اليمن في حربهم على التدخل العربي!
ولا ننسى بالطبع -وخلال حقبة الهيمنة الأميركية بالذات- الانحياز الأميركي الكامل لإسرائيل بعد أن كانت وسيطاً، فقد وافقت أميركا على ضم الجولان المحتل، وعلى توحيد القدس عاصمةً لإسرائيل. وقال بايدن إنه سيغيّر من سياسات ترمب تجاه السلطة الفلسطينية، لكنه تراجع تماماً عن كل وعوده حتى عندما قابل أبو مازن في بيت لحم وليس في رام الله!
لا يبدو أنّ الانقسام العالمي الجديد سيكون مفيداً للعرب في المشرق والخليج. فالأتراك يزيدون من تحركاتهم للإفادة من حاجة الروس والأميركان إليهم في الحرب الناشبة. وما أثر العرب حتى الآن عليهم رغم تحسُّن العلاقات التركية مع الإمارات والسعودية. أما الإيرانيون فيأملون أن يصبح «الأمر الواقع» الذي أنجزوه في رئاسات بوش الابن وأوباما مشروعاً دولياً وبخاصة أنّ الأميركيين والأوروبيين مهتمون بالاتفاق النووي، وبالغاز والبترول الإيراني، وبتهدئة الجموح الإيراني في المنطقة. ومن التجارب مع أميركا تعرف إيران أنها تصل إلى ما تريد بالإصرار. وصحيح أنّ العلاقات العربية - التركية صارت أفضل بخلاف الأمر مع إيران. لكنّ العرب قالوا في قمة جدة إنهم سيتابعون توصُّلَهم مع إيران وإن لم يجلب ذلك نتيجة حتى الآن. والمطالب العربية من إيران لا تقتصر على كفّ هجمات إيران وميليشياتها على بحار الدول العربية وبرّها؛ بل ترغب -حسب أجندة قمة جدة- في تحرير لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة من قبضة الميليشيات الإيرانية إضافة إلى الميليشيات الإيرانية الهوى.
هناك إرادة عربية متجددة لتحرير الدول العربية المتصدعة من التغول الإيراني والتركي. لكنّ المطامع والمطامح الإيرانية والتركية والإسرائيلية لا تزال عارمة، وتأمل الاستفادة من الانقسام العالمي في تثبيت الأمر الواقع. كنا نتحدث عن الجبارين، وفي خضمّ إعادة تكوين إمبراطوريات من نوعٍ جديد، يكون علينا أن نتحدث عن الجبابرة!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التحولات الدولية والأوضاع العربية التحولات الدولية والأوضاع العربية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon