توقيت القاهرة المحلي 10:56:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المصائب «التي» لا تأتي فُرادى!

  مصر اليوم -

المصائب «التي» لا تأتي فُرادى

بقلم - رضوان السيد

عندما ينظر الفقيه المجتهد في استنباط الحكم في واقعةٍ تمهيداً لإصداره، لا يتأمَّل أدلة المشروعية فقط؛ بل ينظر أيضاً في المآلات أي العواقب والآثار التي تترتب على الحكم في حال صدوره. ولذلك يقترن في النظر الفقهي الأمران: مشروعية الحكم وآثاره القريبة على الأقلّ. وليس المقصود من هذه التأملية التفلسف على المقاتلين أو ادّعاء تعليمهم وتوجيههم؛ بل التشارك في الهمّ والاهتمام، لأنّ المسألة في هذا السياق لا تقتصر على مصائر هذا التنظيم أو ذاك، بل تتعلَّق بالقضية الفلسطينية كلّها، وما وراء ذلك من مصلحةٍ أو مفسدةٍ على العرب والإسلام. الأمر عند الفقيه يدور إذن بين العلة والحكمة. والعلة بل العلل وراء مغامرة «حماس» وزميلاتها حاضرةٌ ومعتبرة. فقطاع غزة محاصرٌ منذ عام 2007، وناسُهُ وهم يزيدون على الملونين يعيشون كما يقال من قلة الموت! والعنف الصهيوني المباشر والمستمر على غزة والضفة والقدس إلى تزايد، ولا أمل في انفراجٍ من أي نوعٍ رغم الحديث الكثير عن إمكانياتٍ للهُدَن المتوسطة أو الطويلة.

فمنذ انقسام عام 2007 وانفصال «حماس» بغزة جرت عدة حروبٍ بين «حماس» وإسرائيل أحدثت خراباً كبيراً وضحايا كثيرين، دون أن يستطيع أحد الطرفين أو كلاهما الزعم أنه أحدث تحولاً كبيراً، لجهة إخماد مقاومة «حماس» أو ردْعها أو انتصارها على العدوّ المحتلّ. بل تمثل «الانتصار» بعد كل وقعةٍ حربية في صمود «حماس» وبقائها. ولكي يمكن القياس وتكون المقارنة ممكنة نذكر واقعة «حزب الله» مع إسرائيل عام 2006 التي عُدّت نصراً «إلهياً». أما الواقع فهو أنّ العدوّ احتلّ ستة كيلومترات جديدة على طول الحدود أو داخلها، واحتاج الأمر إلى ثلاث سنواتٍ ليجلو العدو عنها وبشكلٍ غير كامل حتى اليوم. وفي الأسبوع الثاني أو مطلع الثالث من تلك الحرب أذكر أنّ زعيم «حزب الله» قال ما معناه في تصريحٍ علني: «لو كنتُ أعلم ما سيحصل ما قمنا بهذه العملية التي أدّت إلى حرب!».

إنّ حرب «طوفان الأقصى» لا تُقارنُ بها أيُّ حربٍ أُخرى من حروب التنظيمات المسلَّحة الجهادية أو التحريرية. فبعد حرب عام 2006 جاءت القوات الدولية لمؤازرة الجيش اللبناني على الحدود، وأنفقت الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية المليارات لإعادة الإعمار. ومنذ ذلك الحين وبدلاً من إظهار الحزب لشيء من التواضع بعد الخسائر الكبيرة له وللبنان تكبّر واستولى بالتدريج على كل شيء بالداخل اللبناني، وألغى فاعلية القوات الدولية بالجنوب كما نرى هذه الأيام.

فما أقصده أنه بعد السؤال عن العِلّة للقيام بهذه المغامرة يأتي فوراً السؤال عن الحكمة وعن العواقب والمآلات. والفقيه في أحكامه وبالنظر في الحكمة يقدّم اعتبار درء المفاسد على جلب المصالح. والسلبيات أو المفاسد كما هو معروفٌ غالبة حتى الآن وربما في المستقبل. لكنّ أنصار هذه المغامرة يشيرون إلى بعض المصالح؛ مثل التنبيه إلى القضية الفلسطينية بعد طول سُبات، وتواتُر الحديث عن حلّ الدولتين، والاستيقاظ إلى هشاشة الجيش والأمن الإسرائيلي. وهذه الهشاشة هي بين دوافع وعوامل الوحشية البادية في العمليات العسكرية الجارية في القطاع وفي الضفة، لاستعادة الهيبة والصدقية!

لكن لننظر في السلبيات التي ظهرت وستظهر تباعاً لأنّ المصائب كما قال ويليام شكسبير لا تأتي فُرادى. لدينا وقائع مقتل وإصابة عدد كبير من الفلسطينيين معظمهم نساء وأطفال، وخراب أو تضرر 60 في المائة من مباني القطاع. ثم ما هو مصير القطاع إن نجا سكانه من التهجير بسبب الرفض المصري. في الجلاء عن ستة كيلومترات بجنوب لبنان استغرق الأمر بعد النصر الإلهيّ ثلاث سنوات. ثم من الذي سيدير القطاع ويحظى برضا الأميركيين والإسرائيليين والسلطة الفلسطينية والعرب خصوصاً المصريين؟! ومن سيتكفل بإعادة الإعمار؟ ومن الذي سيعوّض الضحايا؟ بعض الحماسيين يتحدثون الآن عن حكومة وحدة وطنية مع السلطة الفلسطينية، وهذا أمر جيد، لكنه ما نجح من قبل رغم كثرة الوساطات لذلك من مصر والسعودية وقطر وتركيا! ولو تمّت التسوية بين الطرفين من قبل لعاد المشروع الوطني الفلسطيني إلى التوحد، ولاندفع العرب والعالم للضغط من أجل حلّ الدولتين، بدلاً من ضياع الحلول الممكنة على أيدي الفلسطينيين أنفسهم، واعتماد الإسرائيليين على ذلك الانقسام، بل والوقوف أحياناً إلى جانب «حماس»، لأنهم لا يريدون مشروعية محمود عباس والعودة إلى أوسلو! فهل كانت «حماس» مثلاً تتوقع أن تفكّ الحصار عن غزة بهجومها، وبذلك يتغير مسار القضية الفلسطينية؟!وعلى أي حال ولندعْ «لو»، لأنه كما جاء في الأثر فإنّ «لو» تفتح عمل الشيطان (!). نحن لا نزال في نطاق قراءة العواقب المباشرة لهذه الحرب. كل يوم يزداد الخراب والقتل، وكل يوم يقول لنا الصهاينة إنّ حربهم أبدية، وكل يوم ترجو المؤسسات الإنسانية الدولية إدخال بعض الغذاء والدواء إلى القطاع، وأخيراً كل يوم تصدر أوامر إسرائيلية للسكان المساكين بالجلاء عن هذه المنطقة إلى تلك، وهي المنطقة التي لم يأتوا إليها إلا قبل أسبوع أو نحوه وبأوامر إسرائيلية!

ولأننا بصدد الحديث عن الحكمة فلنلق نظرةً على إيران. وإيران يحكمها فقهاء وهؤلاء يتجاوزون في مصادر اجتهادهم الحكمة إلى العقل ذاته. أول من أمس قتلت إسرائيل بضاحية بيروت (مقر حزب الله) صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لـ«حركة حماس». ولا شكّ أنّ هناك عشرات المسؤولين من وعن التنظيمات المسلحة المصنوعة إيرانياً يقبعون في جوار القائد العام، وينتظرون قراراته بما في ذلك بالطبع الحوثيون وعندهم بالضاحية فضائية لطالما شنّف آذاننا من خلالها قائدهم بخطاباته الشديدة الهول. قال الإيرانيون أولاً إنهم لم يعلموا بهجوم «حماس» مسبقاً، ثم ادعى أحدهم أن «حركة حماس» ما قامت بهجومها إلا ثأراً لقاسم سليماني! وجرى الأمر نفسه مع الحوثيين في هجماتهم بالجوّ والبحر، فأنكر الإيرانيون اتهام بريطانيا لهم، ثم وجدنا المتحدث باسمهم محمد عبد السلام فليتة في طهران! إيران جرّت كل هذه الميليشيات إلى الحرب ضد إسرائيل وضد أميركا... وبالطبع ضد العرب. فهؤلاء جميعاً يتحركون من أراضٍ عربية استولوا عليها بتوجيهٍ إيراني ووجودٍ إيراني، ونحن لا نسأل هنا عن العلة، لأننا نفترض أن الإيرانيين يريدون أيضاً إزالة الاحتلال الإسرائيلي (!) نحن نسأل عن الحكمة والمعقولية ما داموا فقهاء العقل والمنطق: لماذا الحرب الآن؟ قيل: لأنهم لأنهم يريدون ابتزاز الغرب وأميركا والكسب منهم. وإذا قيل إنَّ هذا سبب غير مقنع فلنتأمل السلوك الإيراني طوال العقود الماضية، فقد كسبوا دائماً، وحتى الآن لا تريد الولايات المتحدة ممارسة ضغطٍ عسكري مباشر على الحوثيين حتى لا تزعج إيران كثيراً.

وهكذا فإنّ مقولة شكسبير بشأن تعدد المصائب وتواليها تنطبق علينا بالفعل.

لا نعلم ما سيحدث غداً وأظن أن «حركة حماس» في الموقف نفسه. والذي نعلمه جميعاً استمرار قتل الأطفال في غزة، والشباب في الضفة، وفتيان الحزب في جنوب لبنان!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المصائب «التي» لا تأتي فُرادى المصائب «التي» لا تأتي فُرادى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon