توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هيمنة «الغرب» التي لا مخرج منها!

  مصر اليوم -

هيمنة «الغرب» التي لا مخرج منها

بقلم - رضوان السيد

من زمان (1992) دخل أستاذنا الراحل حسن حنفي على إشكالياتنا مع الغرب عندما أصدر كتابه «الاستغراب» في مقابلة كتاب إدوارد سعيد الشهير «الاستشراق» (1978) وكنا نمزح معه عندما يكون مزاجه حسناً فنقول له: «لقد أردتَ بكتابك الضخم منافسة إدوارد سعيد لكنك لم تنجح!»، والحق أنّ حسن حنفي يمكن اعتباره متخصصاً في الفكر الغربي، فقد بدأ حياته الفكرية في الستينات بترجمة كتاب سبينوزا في الدين والسياسة مع دراسةٍ ضافيةٍ أفدنا منها جميعاً متخصصين وغير متخصصين في الفلسفة الغربية وفي علاقات الدين بالدولة. وما دعا إليه حنفي تحقق جزءٌ كبيرٌ منه؛ إذ بيننا اليوم عشرات المتخصصين في الفكر الغربي وفي الفلسفة الغربية وفي السياسات الغربية. والداعي إلى إثارة موضوع الغرب والعلاقة به من جديد الحملات الهائلة المعاصرة من جانب المثقفين والسياسيين والإعلاميين العرب على سياسات الغرب وأصوله الفكرية والتي بلغت الذروة في الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة، والتي مضت إلى ما هو أبعد من السياسيات إلى الفكريات والحضاريات كما سبق قوله. وعلّة ذلك موقف الغرب من سياسيين ومفكرين من الحرب، وليس الموقف السياسي وحسب، بل والموقف الفكري الذي يتجاوز القضية الفلسطينية إلى العرب والإسلام.

لقد دفعني ذلك، وبخاصةٍ أنني خضتُ مع الخائفين إلى إعادة قراءة كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد. والطريف أنني قرأت خاتمةً للكتاب كتبها إدوارد سعيد (1994) ينكر فيها الانطباع السائد أنه كان معادياً للغرب وهو لم يكن كذلك ولم يفكر فيه عندما وضع كتابه (1975-1976)! في كثير من الأحيان يستقلُّ النصُّ عن كاتبه وأطروحة «موت المؤلّف» صارت شهيرةً في الأدبيات الفرنسية. وبهذا المعنى، فإنّ استظهار إدوارد سعيد المتأخر (ونحن نأخذه مأخذ الجد) ليس دقيقاً على الأقلّ من حيث التأثير. فبعد كتابات النقد ما بعد الاستعماري، والتي بدأت قبل إدوارد سعيد (لدى طلال أسد مثلاً)، تطورت دراسات التابع (subaltern) وليس لدى العرب، بل لدى الهنود وفي أميركا اللاتينية. وهي تمضي أبعد من سعيد بكثير ولنتأمل كتابي وائل حلاّق الأخيرين: «الدولة المستحيلة»، و«قصور الاستشراق».

لا يستطيع مثقفو الشعوب التي كانت مستعمَرة نسيان ذلك الزمان القاتم، زمان السيل الذي لا يمكن دفعه (حسب خير الدين التونسي)، أو زمان الإصابة بالغرب (حسب الكاتب الإيراني: جلال آل أحمد). بيد أنّ الأمر لم يقتصر على ذلك الزمان؛ فحضارة الغرب هي التي صنعت نظام العالم، ونظام العيش فيه حتى اليوم. إدوارد سعيد يقول في خاتمة كتابه المتأخرة: إنّ ثقافة الاستشراق لا تزال سائدة وإن تغيرت صِيغُها وأشكالُها ووسائلها، مع ملاحظة أنّ القوة لا تزال تلعب دوراً رئيسياً فيها، وللقوة أيضاً أشكالٌ ووسائل وأدواتٌ لا تتناهى.

ما حاول أحدٌ الخروج على الشروط الفكرية والثقافية للغرب المهيمن (حسب تشارلز تايلور) غير المهاتما غاندي. وقد نجح في سياسة اللاعنف بالخروج من الاستعمار البريطاني. لكنّ الهند انقسمت، والهنود والصينيون وأُمم أخرى عديدة، يحاولون منذ عقود منافسة التفوق الغربي بتفوقٍ مُماثل، ولا يفكرون جدياً في الخروج على نظام العالم (الغربي) ولا الخروج على نظام العيش الذي صنعه وعاش وعيَّشنا في جوانبه ومفترقاته. فهناك مجالان للمقاربة أو المجاولة: جانب النظام العام للعالم في ظواهره ومظاهره - وجانب الثقافة وطرائق التفكير. والجانب الثاني هذا هو الذي لا يزال المفكرون الثائرون يجربون الخاطرات والمشروعات التغييرية في نطاقه وسياقاته. وقد أمكن بهذه المحاولات المستمرة منذ خمسة عقودٍ إنجاز عالمٍ نقدي من معالمه مدرسة فرنكفورت، وكتابات إدوارد سعيد، والإمبراطورية لنيغري وهارت وكتابات تشومسكي، وكل دعاة المذهب الإنساني.

ولماذا نطوف بعيداً؟ فقد قرأت قبل شهورٍ للناقد والمفكر السعودي سعد البازعي صاحب «معالم الحداثة» كتابه الآخر «المكوِّن اليهودي في الحضارة الغربية». ومن دون مضيّ في التفاصيل، فإنّ البازعي ذكر مجموعةً من المفكرين والفلاسفة والعلماء اليهود الذين أسهموا في صنع الحضارة الغربية الحديثة وبخاصةٍ منذ القرن السابع عشر وحتى زمنٍ قريب. وهكذا، فقد ساعدوهم في إنجاز مشروعهم الصهيوني للدولة، وقد اعتبروا ذلك المشروع دائماً إنجازاً لهم بالمعنيين الفكري والعملي. فالرئيس الأميركي بايدن ليس أول زعيمٍ غربي يعتبر نفسه صهيونياً، بل أحسَّ بهذا الإحساس مئاتٌ غيره منذ القرن التاسع عشر. بل هناك من يزعم أنّ نابليون بونابرت في مطلع القرن التاسع عشر كان يريد أيضاً إقامة دولةٍ يهوديةٍ أو لليهود في فلسطين. فالدولة اليهودية في فلسطين هي جزءٌ من التفوق الغربي والإنجاز الغربي. وبالطبع هناك مفكرون يهود اليوم يعتبرون أنّ المشروع الصهيوني أضاع روحه (لا أدري ماذا كانت روحه قبل الفساد!) مثل ساحاق وفنكلشتاين وتشومسكي، بل ويطالب جدعون ليفي الولايات المتحدة بالتدخل لإنقاذ إسرائيل التي أضاعت روحها بالحروب العنيفة والمستمرة على الفلسطينيين والعرب!

فهل تكون قضيتنا مع إسرائيل جزءاً من قضيتنا وقضية العالم الإنساني مع الغرب المهيمن؟

ما كان هارت (شريك نيغري في كتاب الإمبراطورية) يعتبر ذلك صحيحاً. وهو يرى أنّ التفرقة العنصرية في روديسيا وجنوب أفريقيا كانت وطأتها أعظم وأفدح على الغرب بشقه الأوروبي على الأقلّ. لكنّ الغرب عندما وجد أنّ نظام التفرقة العنصرية ما عاد احتماله ممكناً، فإنه تخلّى عنه، رغم إصرار تشرشل هو وآخرين على إمكان استمراره. ولذلك؛ فإنّ الغرب المهيمن إذا شعر بأنّ العبء الإسرائيلي ما عاد احتماله ممكناً فإنه من أجل هيمنته بالذات سيتخلّى عنه. إسرائيل تتحول إلى كيانٍ ديني يعلو فيه صوت المتعصبين العنيفين، ولا أحد يستطيع تحمل أهوال الحروب الدينية سواء أكانت في ميانمار أو إسرائيل. لننظر كيف قاتل الجميع ضد «داعش» التنظيم الديني العنيف. مشكلة إسرائيل المستعصية ليست مشكلة الغرب وحده، بل هي مشكلة العرب أيضاً الذين برزت لديهم الحركات الأصولية والأصالية. مشكلة إسرائيل تنتمي إلى زمن الاستعمار الذي يجب أن يزول، والذي يؤخر زواله ظهور أنظمةٍ وتنظيمات مماثلة في الشرق الأوسط. وعندما نعتبر التحدي الإسرائيلي جزءاً من تحدي شباب العالم للحضارة الغربية، فإنّ ذلك يزيد من عمر الدولة العبرية؛ لأنّ الغرب ليس موشكاً على الزوال!

كان الكاتب اللبناني الراحل جوزف سماحة (مثل فنكلشتاين اليوم) يعتبر أنه لا حلَّ للمشكلة الإسرائيلية إلاّ الحلّ العربي(!).

ولنعُد إلى مشكلة العرب والعالم المتعَب مع الغرب. منذ الحرب الأولى، وعزّ الاستعمار الأوروبي، ما عادت أوروبا تستطيع الدفاع عن نفسها إلاّ بالجيوش الأميركية. وبعد قرابة القرن تجد أوروبا نفسها تحت وطأة الخوف من روسيا. أما الأميركيون فهم منقسمون، ولا ينبغي التقليل من شأن التيار الانعزالي في قلب أميركا. لكن لو فرضنا أنّ أميركا لسببٍ أو لآخر ما أمكن لها الدفاع عن الغرب الأوروبي الواقع في أصل حضارة العالم الحديث، فهل يعني ذلك أنّ هناك عالماً حضارياً جديداً على وشك التحول إلى بديل؟ أم أنّ الذي سوف يسود هو فوضى الحروب والسلاح والنوويات؟ فالذي ينبغي الخشية منه هو الكلام الكثير الذي يردده الاستراتيجيون الأميركيون وغيرهم عن: عالم ما بعد أميركا!

يتحدث المؤرخون عن الدورات الحضارية، ويتحدث استراتيجيون عن موجة العولمة الثالثة، لكن هل سيتغير نظام العالم أو تتغير حضارته لو أن الصين هي التي سوف تمسك بالزمام؟ لا أحد يريد «الإصابة» بالصين بعد «الإصابة بالغرب»!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هيمنة «الغرب» التي لا مخرج منها هيمنة «الغرب» التي لا مخرج منها



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon