توقيت القاهرة المحلي 22:49:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العرب والعالم... الدور والمهمة

  مصر اليوم -

العرب والعالم الدور والمهمة

بقلم - رضوان السيد

كشفت حرب غزة عن فراغٍ وأزماتٍ واتجاهٍ للغرب والشرق إلى العرب بحثاً عن أفق جديدٍ لعلاقات أخرى كان قد جرى التخلّي عنها منذ نحو ثلاثة عقود:

- انتهت الحرب الباردة بانتصار الغرب. ووسط آيديولوجيا صراع الحضارات، استظهر الغرب أنه ما بقي خصمٌ للغرب غير العرب والإسلام، وزاد من تأكد هذه الاستراتيجيات هجمات «القاعدة» على الولايات المتحدة وأوروبا. وتبين اتجاه الغرب الإقصائي من حربي أفغانستان والعراق.

- وخلال العقدين التاليين جرت محاولات إقصاء العرب عن خيارات الدولة السيادية ومصائر الإسلام، بالتحالفات الموضعية مع إيران دولةً وديناً، وفحص إمكانيات الإسلام التركي، وإطلاق «الربيع العربي»، والحرب العالمية على الإرهاب الإسلامي (السني).

- ومع بلوغ المعاناة العربية مستويات الذروة، دعا الملك سلمان بن عبد العزيز الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الرياض عام 2017، حيث التقى رؤساء خمسٍ وخمسين دولة عربية وإسلامية؛ إيذاناً بانتهاء المواجهة والحرب على الإسلام، وإمكانيات الاتجاه إلى التعاون من أجل الاستقرار والتقدم.

- وإلى محاولات المبادرة الاستراتيجية مع الأميركيين والأوروبيين خاضت دول الاستقرار العربي نضالاً من أجل الإصلاح الديني ورفع راية الاعتدال الإسلامي من رسالة عمان (2004) وإلى مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز لحوار الأديان والثقافات (2007)، وإلى وثيقة الأخوة الإنسانية بين البابا وشيخ الأزهر بأبوظبي (2019)، وإعلان مكة المكرمة من جانب رابطة العالم الإسلامي عام 2019 أيضاً.

- وأظهرت حرب غزة الأخيرة فيما أظهرت أنّ الإسلامين الإيراني والتركي يتجهان للتحالف مع الإسلام السياسي (بجناحيه المقاتل والعقدي) وهو المعروف بالمواجهة والصراع مع الغرب ومعاداة النظام السياسي العربي، وابتزاز الغرب والعرب من خلال تدمير الدول بالتنظيمات المسلَّحة، وإجراء صفقات موضعية مع الشرق (الصيني والروسي) ومع الغرب في البلدان التي يسيطر عليها الإيرانيون والأتراك من خلال تنظيمات اللااستقرار التي نشروها في كل مكان.

- وإلى هذا وذاك، أظهر الأوروبيون ويُظهرون قلقاً شديداً على وحداتهم الوطنية وسط استعصاء الإسلام المهاجر في جيله الثالث على الاندماج. ومعظم هؤلاء المهاجرين - باستثناء بريطانيا - من أصول عربية.

... وجاءت الحرب المستعرة لتعيد كشف فراغاتٍ وملفاتٍ متراكمة: لجهة تجاهل القضية الفلسطينية لسنوات طويلة، ولجهة التحالف الوثيق بين إيران والتنظيمات المسلحة التي استولت إيران على قرارها، ولجهة التغييب المتعمد للعرب عن مجال المبادرات والمفاوضات. فالمشكلة التي انفجرت بإغارة «حماس» وزميلاتها على مستوطنات غلاف غزة المحتلة، ما أظهرت عمق العلاقة بين الغرب والكيان الصهيوني فقط؛ بل وأظهرت أيضاً سوء التقدير الذي خالط القرارين الأميركي والأوروبي على المدى الطويل. وقد تبين أنّ هناك فراغاً كبيراً ملأته التنظيمات الحزبية باسم الدين، ودخلت عليه دول الجوار العربي بقصد الاستغلال وصرف النفوذ، وابتزاز العرب والغرب به.

هناك اليوم رغبة أميركية وأوروبية أن يكون هناك دور عربي مؤثر ليس في القرار بشأن فلسطين وحسب، بل وبشأن الإسلام واتجاهاته والتفكير في تأثيرات الجوار في الحاضر والمستقبل. فالإسلام الأصولي يصعد في أوروبا على وقع صعود اليمين في الجمهور الأوروبي. أما في المجتمعات العربية والإسلامية، وبخاصةٍ في الدول المضطربة فيعود الإسلام السياسي (الذي يضيفون إليه وصف المقاتل!) لكسب الجمهور على وقع حرب غزة المدمّرة. وإثارة ملايين المسلمين في أوروبا من خلال وسائل الإعلام والتواصل، وبسبب جماهيرية المقاتلين تعود توجهات التشدد والانفصال والسخط في أوساطهم لتكتسب شعبية. وإذا كانت فظائع حرب غزة قد أثارت الرأي العام العالمي إلى حدودٍ بعيدةٍ، فكيف يكون الأمر لدى المسلمين في الغرب وفي العالم العربي وفي آسيا الوسطى وشرق آسيا؟!

وإذا كان الغربيون اليوم يرون للعرب دوراً ينبغي القيام به تجاه فلسطين وتجاه الإسلام؛ بعكس ما كانت إدارة بايدن تراه في بدايات عهده؛ فإنّ العرب يرون أنّ الأمر ليس دوراً يأتي ويذهب، بل هو مهمةٌ استراتيجيةٌ للإنقاذ واستعادة الزمام ورعاية المصالح في الدين والدولة. ولذلك فكما دعا الملك سلمان بن عبد العزيز للقمة العربية في الظهران من أجل القدس وفلسطين، وللقمة العربية والإسلامية بالرياض للقاء الرئيس الأميركي السابق عام 2017 لإنهاء حكاية الحرب العالمية على الإرهاب؛ كذلك سارع ولي العهد السعودي في بدايات الحرب على غزة للمبادرة بالدعوة للقمة العربية - الإسلامية بالرياض والتي جمعت سبعاً وخمسين دولة لمكافحة الحرب، والمضيّ في حلّ الدولتين تبعاً للمبادرة العربية للسلام (2002) وإنفاذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

ليس هناك أصعب من الدعوة للسلم العادل في زمن الحرب. ولا تكمن صعوبة نصرة السلم في أنّ الصهاينة يريدون الحرب الدائمة. بل ولأنّ قضيةً مثل قضية فلسطين والمسجد الأقصى تثير المشاعر والحساسيات الدينية لدى العرب والمسلمين. وقد صنعت هذه المشاعر المستثارة تنظيمات مثل «القاعدة» و«داعش» التي أساءت أول ما أساءت إلى الإسلام وخلّفت خراباً في الإنسان والعمران في ديارنا ولا تزال.

ومن المناسب الإشارة إلى مراجعاتٍ شاسعة في الأكاديميات الغربية اليوم بشأن الإسلام. فإلى جانب أو بعكس آيديولوجيا صراع الحضارات ودعاوى الأصول العنيفة للدين الإسلامي، تتوسع مذاهب أكاديمية في إعادة قراءة النصوص المقدسة للديانات الإبراهيمية بخاصة والديانات الآسيوية بعامة. انتهت في الأكاديميات تقريباً حكاية الأصول المسيحية أو اليهودية للقرآن والإسلام. والبحوث الجديدة للزمن الكلاسيكي المتأخر تقول إنّ النصوص كلّها صارت مكتوبة وقانونية بعد القرن الرابع للميلاد، وامتد الزمان للإجماع عليها إلى القرنين الخامس والسادس فالقرآن واحدٌ منها. وتريد أنجليكا نويفرت الدارسة الكبيرة للقرآن الكريم اعتباره مثل التوراة والإنجيل نصاً أوروبياً في الثقافة الغربية والتأثير.

نحن العرب معنيون اليوم كما كنا معنيين بالأمس بجلاء القتام عن وجه الإسلام الوضّاء، بحيث يكون المسلمون بالغرب الأوروبي والأميركي والعالم جزءاً أصيلاً وعريقاً في تلك المجتمعات ليسوا فصاميين ولا منعزلين. وينبغي أن نعرف أنّ ما يزيد على خمسمائة مليون مسلم يعيشون في مجتمعاتٍ غير مسلمةٍ في أكثريتها. نعم، نريد الخروج من «الغربة الغربية». والمهمة عسيرة، لكنها ليست عصيةً على الإنجاز. لا نريد أن نخاف من العالم، ولا أن نخيفه، بل نريد أن نكون جزءاً من سلامه وأمنه وتقدمه. إنها مهمةٌ عربية وإسلامية وعالمية. إنما لا أحد أَولى منا نحن العرب في القيام بها.

لقد اعتدت لسنواتٍ طويلةٍ عندما أكتب عن النهوض العربي والإصلاح الإسلامي أن أختم مقالاتي ببيت أبي العلاء المعري عن محبوبته:

فيا دارها بالخيف إنّ مزارها

قريبٌ ولكن دون ذلك أهوالٌ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العرب والعالم الدور والمهمة العرب والعالم الدور والمهمة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon