توقيت القاهرة المحلي 08:32:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان بين إرادة التغيير وإمكاناته

  مصر اليوم -

لبنان بين إرادة التغيير وإمكاناته

بقلم - رضوان السيد

ما سمعتُ كلاماً لسياسي ورجل دولة عن وضع الحكومة اللبنانية (بل الحكومات في عهد الرئيس عون بالذات) أصدق من الكلام الذي جاء في مقابلة الشيخ عبد العزيز الخوجة - سفير المملكة العربية السعودية الأسبق لدى لبنان - مع قناة «العربية» يوم السبت 13 - 11 - 2021. قال الأستاذ إنّ الحكومة اللبنانية 3 أثلاث، ثلث من «حزب الله»، وثلث (متحالف) معه، والثلث الثالث خائف منه!
ولأنّ السواد الأعظم من اللبنانيين يعرف هذه الحقيقة، التي صارت أمراً واقعاً ضاغطاً وخانقاً، فهناك «إرادة» غلّابة في التغيير، والتغيير الجذري إن أمكن.
لقد مرَّ هذا التوجه التغييري بمرحلتين؛ مرحلة الحراك الشعبي الذي اندلع في 17 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، ومرحلة «التسيُّس» الحالية بعد «كورونا» وانفجار المرفأ، التي تقول بالتغيير من خلال الانتخابات. في المرحلة الأولى التي تساوقت مع الانهيار الاقتصادي وإقفال البنوك، كانت الفئات الوسطى المشاركة في الحراك مقتنعة بشعار «كلن يعني كلن»، إنّ المظاهرات العارمة كفيلة، إذا ظلّ مداها يتوسع، واستمرت شهوراً، أن تتهاوى «المنظومة» السياسية التي رمزها رئيس الجمهورية بالاستقالة والمغادرة. وقد شجّع على هذا الاعتقاد استقالة رئيس الحكومة وقتها سعد الحريري. وما كان التسيُّس عالياً، ولذلك ما حدثت افتراقات أو تمايزات طائفية واسعة. وصحيح أنّ معظم الثائرين كانوا من المسيحيين والسنة؛ لكنّ شرائح شعبية معتبرة من الشبان الشيعة انضمت للحراك. وقد تحداها الثنائي الشيعي في الشارع بشعارات طائفية، وتكسرت موجاتها على أسوار مجلس النواب؛ لكنّ شعارها الرئيسي ظلَّ الثورة على الفساد الذي غاصت فيه كل الطبقة السياسية. ولأنّ الأزمة اقترنت بانهيار الليرة فقد نال المصرفَ المركزيَ وحاكمَه (العامل عند الطبقة السياسية) قسطٌ وافرٌ من السخط الشعبي.
لماذا تراجعت موجات الثائرين حتى اختفت من الشوارع؟ لقد أثرت في ذلك بالطبع إجراءات الإقفال ومنع التجول بسبب وباء «كورونا»، وأثّر انفجار المرفأ الذي هدّم ثلث المدينة. لكنْ أثّرت أيضاً قدرة حزب السلاح ورئيس الجمهورية على تشكيل حكومة، وأثّر اختراق الأجهزة لمدينة طرابلس التي كانت ساحاتها المسرح الرئيسي للثورة والثوار. ولأنّ الحراك الشعبي ما كانت له قيادات، ولا استطاع تشكيل قيادات تعين على الاستمرار؛ فإنّ غياب «المشروع السياسي» كان قاتلاً، وما عادت تكفي الإدانات والشتائم ضد جبران باسيل، ولا الإدانات لحاكم المصرف المركزي والرأسمالية المتوحشة التي هرّب أربابها ثرواتهم الفاحشة إلى الخارج. وإضافة إلى ذلك كلّه، تذكّر كثيرون تهديد الوالي الأُموي الحجاج بن يوسف لأهل العراق؛ لأجعلنّ لكلٍ منكم شغلاً في بدنه! لقد انشغلت الفئات الفقيرة الثائرة بالغذاء والدواء والمحروقات، وما عادت تملك رفاهية التجمع والهتاف اليومي في الشارع ضد أهل السلطة والسلطان. وتحدّى زعيم الحزب المسلَّح الجميع بأنّ محازبيه وأنصاره سيظلون يقبضون بالدولار، ولهم مصارفهم الخاصة، ومحلات غذائهم ودوائهم الخاصة!
لقد استغرق الأمر طويلاً حتى بدأ التحول باتجاه المرحلة الثانية؛ مرحلة التسيُّس التي ما وجدت على أي حال سياسة تغييرية أجدى من الانتخابات والإعداد والاستعداد لها!
خلال شهور العام 2021 تكونت عشرات المجموعات والجبهات والتحالفات في الأوساط المسيحية بالذات استعداداً للانتخابات. لكنْ، والحق يقال: ظهرت شعاراتٌ سياسية واضحة كادت تنفرد بالساحة ضد سيطرة «حزب الله» وإيران، وضد سياسات العهد العوني التي منحت الدولة للدويلة. وازداد «التحفز» المسيحي ضد الحزب بسبب تطورات التحقيق في تفجير المرفأ، فجرى اكتشاف «صلابة» في القضاء اللبناني، ما عرفها طوال 70 عاماً منذ اغتيال رئيس الوزراء رياض الصلح مطلع خمسينات القرن الماضي، رغم كل ما توالى على لبنان من أحداث عنفٍ واغتيالاتٍ سياسية. وهذا «التحفز» ذاته قابله تحفزٌ من جانب الثنائي الشيعي، فوقعت أحداث الطيونة - عين الرمانة، التي زادت إلى جانب سخافات وزير الإعلام جورج قرداحي، من عزلة لبنان وأزماته، ومن شلل حكومة نجيب ميقاتي وخططه وخريطة طريقه للإنقاذ، كما زادت من خطر الصدام الطائفي.
لا شكّ أنّ الحيويات المسيحية الزاخرة (وإن تكن انقسامية) بلورت وتُبلور إرادة أوضح للتغيير من مرحلة الثورة الأولى. لكنْ في حين كانت الحيوية السنية بارزة في مرحلة الثورة وفي المدن الثلاث والأرياف؛ فإنّ الجمود سيطر على الجمهور السني في هذه المرحلة. في حين ظلّ الثنائي الشيعي مطمئناً لسيطرته على جمهوره وسط الإحباط الشامل.
إنّ هذا العملَ المحموم من أجل الانتخابات يشكّل ظاهرة صحية، باعتبار أنه يعني سعياً سلمياً من أجل التغيير. وبكل المقاييس، فإنّ التحديات أمام التغيير من خلال مجلس جديدٍ للنواب تبقى قائمة. لقد تفاخر المسؤولون الإيرانيون بأنّ لديهم في البرلمان اللبناني الحالي 74 نائباً. وفي الانتخابات الجديدة لن يستطيعوا الوصول إلى هذا العدد بسبب الانهيار الذي نال كثيراً من شعبية حلفائهم من آل عون وتياره. لكن يبقى للثنائي الشيعي تابعوه من المسيحيين والسنة بحيث لن تقلّ أعداد المحازبين والأتباع عن الخمسين ونيّف. فتبقى لديهم سطوة لا يمكن تجاهلها، بينما ينقسم خصومهم، ويكثر في أوساطهم المستقلون وأهل المجموعات الصغيرة التي يصنعها قانون الانتخابات الفظيع!
لندع هذا وذاك. متى أَبَه «حزب الله» للكثرة أو الديمقراطية من خلال المؤسسات الدستورية؟ ما كانت عنده أكثرية في مجلس العام 2005 ومجلس العام 2009، ومع ذلك فإنه سيطر بسلاحه وبوهج السلاح على القرار في البلاد وما يزال. وقد انصبّ علينا جميعاً ماءٌ باردٌ عندما تأملْنا نتائج الانتخابات العراقية، التي جاءت بعد ثورة عارمة أيضاً، وجاءت نتائجها لغير صالح أنصار إيران بالتأكيد. لكنّ مقتدى الصدر أو غيره لن يستطيع تشكيل حكومة، والإيرانيو الهوى كما هو مُشاهَد مصرّون على منع التغيير بقوة السلاح حتى بالمسيَّرات!
كتب أستاذنا الراحل الدكتور حسن حنفي مرة مقالاً بعنوان «قريش أو الجيش!» وقريش عندنا اليوم تتمثل في ميليشيا «حزب الله». طوال السنوات الماضية كان الجنرال الرئيس أو الرئيس الجنرال يحاول إقناعنا بـ3 أمور؛ أن لبنان محتاج لسلاح الحزب لأن جيشه ضعيف، وأنه تعهد له شخصياً (وليس لنا نحن اللبنانيين) بعدم استخدام سلاحه بالداخل، وأنّ السلاح باقٍ بيد الحزب لنهاية أزمة الشرق الأوسط. وما صحَّ كلامه الأول لأنه لن تنشب حربٌ بين الجيش وإسرائيل بسبب وجود القوات الدولية. وما صحَّ تعهده الثاني لأن الحزب يستخدم سلاحه كل يوم حتى في جرود العاقورة وعيون السيمان والباروك وعين الرمانة... إلخ. أما أزمة الشرق الأوسط فلن تجد حلاً ما دام الداءان الإيراني والإسرائيلي موجودين في الشرق الأوسط البائس.
ومرة أخرى... هل يعني ذلك أنه لا أمل في التغيير باتجاه الدولة والاستقلال؟ نعم، بل يبقى هناك أمل ما دامت أكثرية الشعب اللبناني ضد الميليشيا، فلننجح في إحقاق الانتخابات، وفي إقامة جبهة وطنية للاستقلال.
ولكل ميليشيا نهاية في الشرق الأوسط وفي غيره!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان بين إرادة التغيير وإمكاناته لبنان بين إرادة التغيير وإمكاناته



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon