توقيت القاهرة المحلي 19:58:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لن يعودَ العالم كما كان!

  مصر اليوم -

لن يعودَ العالم كما كان

بقلم: رضوان السيد

هذا العنوان ليس لي، بل هو للباحثين الفرنسيين دومينيك فيدال وبرتران بادي (نوفمبر/ تشرين الثاني 2022). وإذا استكشفنا مضامين الكتاب نجد أنه لا أثر للنوستالجيا فيه. لكنّ الخبيرين الكبيرين في العلاقات الدولية، اللذين دأبا منذ عشر سنواتٍ وأكثر على إصدار كتابٍ سنويٍّ عن «أوضاع العالم»، يجدان أنّ الهيمنة الأميركية التي كانا شديدي السخط عليها، توشك أن تنقضي، من دون أن يؤدي ذلك إلى تبلور عالمٍ أكثر سلاماً أو أقلّ مشكلات. ويتحير خصوم الرئيس بوتين من الأميركيين والأوروبيين في أهدافه الحقيقية من وراء الحرب على أوكرانيا. فهم يتهمونه باختراق القانون الدولي، بـ«غزو دولةٍ مستقلة، وبتقويض قواعد نظام الأمن والتعاون في أوروبا»، الذي اتفقوا عليه منذ أواسط السبعينات من القرن الماضي. وبعدها يذهبون إلى أنه يريد استعادة الاتحاد السوفياتي! أما هو في عمليته العسكرية الخاصة فيقول إنه يقصد إلى الدفاع عن أمن روسيا التي يريد الأميركيون تدميرها، ويمشي وراءهم الأوروبيون في ذلك! ودليله على ذلك أنهم أرادوا الاستجابة لطلب «النازيين» في حكومة أوكرانيا الذين يهدفون لضم أوكرانيا لحلف الناتو أو الأطلسي فيصبح ذلك العدو على حدود روسيا! وإلى جانب المطلب الخاصّ في الدفاع عن أمن روسيا، يخاطب بوتين العالم أنه إنما يسعى لعالمٍ متعدد الأقطاب، بدلاً من عالم القطب الواحد!
وهكذا يستنتج الباحثان الفرنسيان أنّ بوتين «متواضع» فقد كان الاتحاد السوفياتي أحد ضلعي النظام الدولي الثنائي القطبية؛ وهو يقبل الآن أن يكون مثل الهند ومثل ألمانيا واليابان وبريطانيا! بيد أنّ المشكلة أنه لا يمكن تصديق روسيا الغازية، فلو كانت تسعى لنظامٍ كهذا لما احتاجت إلى الحرب، ولوافقتها على دعواها عشرات الدول التي كانت تضيق ذرْعاً بالهيمنة الأميركية وتسعى لنظامٍ عالميٍّ أكثر عدالةً وتوازناً! إنّ دول الدعوة للتعددية القطبية أصلاً منزعجة الآن من روسيا ومن الصين، لأنّ الدولتين تهددان بالحرب وتخوضانها، وليس من أجل استحداث عالم التعددية القطبية؛ بل من أجل تصحيح ما خلّفتْه الحرب العالمية الثانية من مظالم على الصين، ومن أجل استعادة «حقوق» ضاعت على روسيا عندما تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1990!
ويسلّم الأميركيون وغيرهم بمقولة الصين الواحدة، لكنهم لا يريدون أن تحصل بالقوة من خلال ضمّ تايوان الآن. بل المرغوب أن تحصل بالتدريج وسلماً كما جرى مع ماكاو وهونغ كونغ. وبعكس الماضي ما عاد الصينيون يتحدثون - كالسابق - عن الوحدة بالسلم بل يستعجلون ذلك الآن، ويُظهرون ثورانهم نتيجة إقبال الولايات المتحدة على زيادة تسليح تايوان؛ في حين يُظهر الأميركيون واليابانيون والأستراليون والكوريون الجنوبيون قلقهم من استعراضات الصين العسكرية في بحر الصين الجنوبي وحتى على الحدود مع الهند!
لكنّ الصين على ضخامتها، وضخامة قواها الاقتصادية والعسكرية وتنافسيتها الشديدة مع أميركا، كشفت قبل أيام أنها تخزّن عدة تريليونات من الدولارات الأميركية، مما يشير إلى الحجم الأُسطوري للتشابك والتشارك بين الدولتين القارتين. والصين في النهاية نائية، ومن حولها عالم أميركي قوي ومترابط؛ فيذكّرنا ذلك بكلام هنتنغتون في «صراع الحضارات» (1993، 1996) أنه رغم الضخامة والتنافس؛ فإنّ مصير الصين أن تكون - بروح الحضارة ومشتركات المصالح - جزءاً أو حليفاً لعالم الأطلسي والهادي.
بعد هذا كلّه أو باعتبار هذا كله، المفروض أن تكون روسيا أقلّ إزعاجاً لأميركا والغرب من الصين. وهي كذلك بالفعل؛ إذ لا تملك تفوقاً اقتصادياً ولا تفوقاً عسكرياً بحيث يمكن مقارنتها بالصين (!)؛ وهي غربية الروح والدين والثقافة. وأوروبا هي السوق الرئيسية لمنتجاتها. لكن المشكلة أنها في قلب أوروبا، وهي في دائرة وسط مثلث القارات الثلاث، وهي تذكّر بألمانيا التي ظلّت شديدة القلق والبحث عن «المجال الحيوي» حتى انهزمت هزيمةً ساحقةً في الحرب الثانية؛ وما كان ذلك ممكناً دون مساعدة أميركا وروسيا! وما أُتيح استثناءً بالنسبة لألمانيا، غير متاحٍ بالنسبة لروسيا؛ ليس لأنها تملك أسلحة دمارٍ شامل وحسب؛ بل ولأنّ دمار روسيا أو خفوتها هو دمارٌ أو خفوتٌ لأوروبا وآسيا معاً (!).
من الناحية الرسمية (وليس الفعلية) إذا «استعادت» الصين تايوان فلن تعود مضطرةً للتهديد بالحرب أو خوضها وهو الذي لم تفعله من قبل على أي حال! إنما ما الحلُّ مع روسيا؟ لا يظننّ أحد أنّ روسيا الاتحاد السوفياتي هي التي شاركت أميركا بالقوة في زعامة العالم. بل الروح الإمبراطوري الروسي قديم ويعود لزمن القياصرة. وقد كانت دائماً على صراع مع جيرانها، وإلاّ فلماذا الحديث عن الدب الروسي؟! لقد خاضت حروباً أو شُنّت عليها حروب من جانب العثمانيين والبريطانيين والفرنسيين والألمان، وما أمكن استيعابها في أي صيغة! وإدراكاً من الأوروبيين والأميركان لهذه الأمور تحملوا هجمة روسيا الضعيفة على جورجيا الأضعف (2008) ثم على القرم (2014). أما الصبر على القيصرية أو السوفياتية أو القومية، فيعني حروباً لا تنتهي ودماراً عالمياً. وهو دمارٌ ليس عمرانياً أو بشرياً حتى؛ بل هو دمارٌ للحضارة التي يقوم عليها نظام العالم المعاصر منذ مائة عامٍ وأكثر وقلبه أوروبا. لقد سبق للأميركيين أن تذمروا مراراً من بطء حراك القارة العجوز، وأرادوا الانسحاب منها وتركها لمصيرها. لكن هذه هي المرة الثالثة خلال قرن والتي يتدخلون فيها عسكرياً واقتصادياً لاستعادة السلام في ديار القارة العجوز! والمشكلة هذه المرة أن الحرب لا يجوز أن تنتهي بانتصارٍ أو هزيمة! انتصار روسيا يعني حروباً أخرى. وانتصار أوكرانيا يعني صدعاً روسياً مهولاً!
فلنعد إلى عنوان فيدال وبادي لكتابهما: لن يعود العالم كما كان! فقد قالا أو استعرضا في كتابهما ما سبق أن أوجزناه وبتفصيلٍ ما بعده تفصيل. يتخذ الرجلان مقياسين: مقياس استقرار الحرب الباردة بسبب التوازن، ومقياس برايتون وودز والنظام الرأسمالي العالمي. أما المقياس الأول فقد انضرب بانتهاء الحرب الباردة. وأما النظام الاقتصادي العالمي فقد ضربته العولمة وأدواتها الجديدة المذهلة. وبادي وفيدال ليسا آسِفَين على النظام المنهار؛ لكن أين البدائل وسط تزايد الحروب، والاختلال البيئي الفظيع؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لن يعودَ العالم كما كان لن يعودَ العالم كما كان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 10:53 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مدبولي يترأس اجتماع المجموعة الوزارية الاقتصادية

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 01:05 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النيابة العامة تُغلق ملف وفاة أحمد رفعت وتوضح أسباب الحادث

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الزمالك يتأهل لربع نهائي دوري مرتبط السلة علي حساب الزهور

GMT 10:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز اتجاهات الديكور التي ستكون رائجة في عام 2025

GMT 22:30 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

5 قواعد لإتيكيت الخطوبة

GMT 14:43 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

أحمد مالك وطه دسوقي يجتمعان في "ولاد الشمس" رمضان 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon