توقيت القاهرة المحلي 22:22:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فوق سطحٍ من الصفيح الساخنفوق سطحٍ من الصفيح الساخن

  مصر اليوم -

فوق سطحٍ من الصفيح الساخنفوق سطحٍ من الصفيح الساخن

بقلم - رضوان السيد

العنوان مأخوذ بالطبع من عنوان مسرحية للكاتب الأميركي تنيسي ويليامز: «قطة فوق سطحٍ من الصفيح الساخن». والصفيح الساخن هو الذي تقبع عليه مرغمةً عدة شعوبٍ عربيةٍ لا تتمكن حتى من القفز من سخونته والتهابه. والذين يضعون الشعوب في النار المشتعلة هم فرقاء داخليون في الأعم الأغلب، يقتلون ويُقتلون ويتقاتلون دونما تراجعٍ أو ترددٍ أو إصغاء للوساطات ولاستغاثات الهَلكى في الصراع من حولهم من نساءٍ وأطفال وشيوخ!

سأُوجز حديثاً غريباً دار بيني وبين أحد المتضامنين مع «تيار المقاومة» في لبنان. كنت أتحسر على الشبان الذين يموتون كل يومٍ في الجنوب بحجة التضامن مع غزة ومساعدة «حماس» ضد الإسرائيليين. قلت إنّ موت هؤلاء الشبان لا يفيد «حماس» في شيء، ثم إنّ تبادل إطلاق النار خطير لعدة جهات فقد أفضى إلى قتل مئات الشبان، وهجّر أكثر من مائة ألف، وخرّب ألوف المساكن. وهناك احتمال أن يتطور التبادل إلى حربٍ شاملةٍ تهدّد العمران والإنسان في كل لبنان- وإلى هذا وذاك وذلك ليس من حق الحزب ومسلحيه توريط لبنان وشعبه في حربٍ ما استُشيروا فيها وتهدد دولتهم ووطنهم وهي ليست حرباً دفاعية، بل هي داخلة في الاستراتيجية الإيرانية! وما كان الرجل مسروراً بهذا الاعتراض الذي سماه «معلقة» لكنه قال إنه لن يجيب إلّا على الجزء الأول منه وهو التحسر على موت الشبان. قال: لا داعي للتحسر فهؤلاء ينتمون إلى جماعة عقائدية، وقد نُشّئوا على ذلك وتربّوا ودُفعوا للتدريب والاحتراف، وهم يعرفون أنهم يمكن أن يكونوا وقوداً في حربٍ عاجلاً أم آجلاً. هم جميعاً في كنف الحزب بمخصصاتهم الشهرية وزواجاتهم وتعلّمهم، و«عقد» العمل القائم يشارك فيه أهاليهم وأقاربهم. فالتزامهم أعمق من التزام «الفدائيين» لأنه، نوعاً ما، عقلاني وليس عاطفياً وهو معروف العواقب، ولذلك ليس من حق أُسَرِهم التحسُّر عليهم لأنهم جميعاً كانوا يعرفون منذ البداية، وهم مقتنعون بهذا المصير الذي يعتبرونه ماجداً بغضّ النظر عن الألم المضني للفقدان وقطع تلك الأغصان الغضة في مطلع العمر!

لقد اعتدنا في الزمنين الأولين القومي والإسلامي أن يكون العزاء بأمل التحرير وأنه في جوهره دفاعي عن الوطن والمواطنين، وله معانٍ دينية وقومية وشخصية. وكان الذين يقومون به عسكراً محترفين. ثم قيل إنّ الجيوش ما عادت تنفع ووقع واجب تحرير فلسطين على الفدائيين فنشأت وازدهرت خلال ثلاثة عقودٍ تنظيمات ضخمة قومية وإسلامية، وصارت الصراعات مزدوجة في ما بينها من جهة، وضد العدو من جهةٍ ثانية. قال لي حزبيٌ فلسطيني بارز وكنت أمزح معه أن التحرير صار احترافاً ليست له مدة محددة أو أفق واضح، وميزته أنه لا يكلّف من المصاريف ما تكلّفه الدولة فقد تمضي سنوات من دون قتال! قال: أنت واهم لأن المصاريف لا تقل في زمن السلم إنما يقل عدد القتلى فقط. فرواتب المتفرغين مدفوعة، والإنفاق على عائلات الشهداء، واستمرار التعليم والتدريب، وشراء الأسلحة وتجديدها... إلخ. إنما الأهمّ الأهمّ كما قال أنك لا بد يوماً ما أن تعود للقتال أو تفقد التماسك والدعم والتأييد، ويتوقف العدوّ عن احترامك! وقلت: لكنكم دخلتم في عدة حروب مع العدو وخرجتم خاسرين ولا يُنتظر أن تربحوا في حربٍ جديدة. فقال: هذا قَدَرُنا ولا يتصور جيلنا - كما الجيل السابق - القيام بحلِّ التنظيم بداعي الفشل، فأنت محقٌّ وإن كنتَ ساخراً لجهة الاحتراف فالثورة حرفةٌ في هذا الزمان وما عادت مرحلةً للانتقال إلى الدولة!

بعد الثوران القومي الذي خمد عندما تولت أمره الدول، انفجر الثوران الإسلامي وأصوله عجيبة بالفعل، فقد صنعه الأميركيون لقتال السوفيات بأفغانستان. ثم تفرع فروعاً لا حصر لها، وجمع مغامرين ونصّابين وباحثين عن بطولات وتجار مخدرات، وصارت الأصوليات الإسلامية أو باسم الإسلام قناعاً صالحاً لكلّ جرائم القتل وشواذ الخطابات والتصرفات. لقد انتشروا في جميع الأنحاء، وقاموا بعمليات إرهابية في كل العالم وعلى الخصوص الغارة على أميركا عام 2001. بيد أنّ عملياتهم الكبرى ظهرت آثارها الأكبر في سوريا والعراق. ورمزاها الكبيران: «القاعدة» و«داعش». وقد تسببا بقتل عشرات الألوف وتهجير الملايين، وتشويه وجه الإسلام، وصارا عباءةً لكلّ ناعقٍ باسمٍ أو من دون اسم ومن الشرق الأوسط إلى الساحل الإفريقي.

أما الفصل الرابع المستمر من فصول الميليشيات المسلَّحة الملقية بأثقالها على الدول العربية وشعوبها، فهي تلك التي ظهرت مع حركات التغيير التي بدأت عام 2011. لقد استطاعت الدول القوية إخماد حركات الغوغاء هذه. أما الإدارات الضعيفة فقد خلدت فيها الميليشيات وهي مجموعات من المرتزقة تتبدل شعاراتهم بين القومي والوطني والإسلامي وتكويناتهم قيادات وكوادر رئيسية ثم آلاف من الأتباع. ويعتمد البعض على الدعم الخارجي، أما البعض الآخر فيعيش على النهب الداخلي. وهؤلاء منتشرون في سوريا وليبيا والعراق والسودان، وهم إما يتقاسمون السلطة مع إدارة الدولة الموجودة أو يعملون عسكراً عندها أو يصارعونها لأخذ السلطة منها أو من جيوشها.

هناك أربعة أنواعٍ إذن من الميليشيات التي تنتشر في عددٍ من البلاد العربية وهي: الميليشيات الإيرانية، والميليشيات الإسلامية العنيفة، وميليشيات القضية الفلسطينية، وميليشيات الانقسامات الداخلية (= المرتزقة).

أيها الأشد ضرراً؟

كلها شديدة الضرر، لأنها تنازع الدول وجيوشها على السلطة، وتنشر الفوضى والخراب. فحتى في فلسطين هناك التنظيمات التي انقسمت عن السلطة الفلسطينية، فأضعفت إلى حدٍ بعيد قدرات الفلسطينيين على الصمود تحت الاحتلال! وقد كان يمكن القول إنّ ميليشيات الانقسام الداخلي يمكن بالتفاوض الحدّ من سيطرتها. لكنّ ما جرى ويجري في ليبيا والسودان يثبت أنّ الأمر من الصعوبة بمكان.

من يتحمل المسؤولية الكبرى عن الوضع الحالي؟

في البدء كانت المسؤولية على إدارات الدول القديمة أو الجديدة. أما الآن وقد صارت كل الميليشيات حتى المحلي منها مدعومةً أيضاً من دولٍ خارجية؛ فهو سطحٌ من الصفيح الساخن يحرق كل الوقت ولا ملاذ منه ولا مهرب!

لكلٍّ من دول المعاناة اليوم تاريخ عريق في التحرير والنهوض والحضارة والعمران. وحتى الفلسطينيون اللاجئون في لبنان كانت مدارسنا في الخمسينات والستينات تعتمد عليهم في تدريس الرياضيات والإنجليزية. وهذا إلى شواهد العمارة والجامعات والمستشفيات وصناعة الجديد والمتقدم في شتى المناحي. كل هذه الجهود التنويرية تزيلها الميليشيات (الوطنية) بالنار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فوق سطحٍ من الصفيح الساخنفوق سطحٍ من الصفيح الساخن فوق سطحٍ من الصفيح الساخنفوق سطحٍ من الصفيح الساخن



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon