توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من وقف الحرب إلى إدانة الغرب ولعنه!

  مصر اليوم -

من وقف الحرب إلى إدانة الغرب ولعنه

بقلم - رضوان السيد

استبقت مجلة «تايم» الأميركية الزيارة الخامسة لبلينكن وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة بالعنوان المثير التالي: المبعوث: وزير الخارجية أنتوني بلينكن واختبار القيادة الأميركية! ومنذ الزيارة الثالثة لبلينكن صار الهدف واضحاً: وقف الحرب وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لدى «حماس» في غزة، والدخول في حلّ الدولتين. وهناك تفاصيل مثل زيادة المساعدات للقطاع من كل نوع، وعدم تهجير الفلسطينيين والتفكير بإعادة الإعمار. وهي المطالب نفسها التي أطلقها مؤتمر القمة العربي - الإسلامي من الرياض في الأسبوع الثاني لبدء الحرب الهائلة. مجلة «تايم» تعتبر إحقاق هذه المطالب اختباراً حاسماً للقيادة الأميركية ونفوذها في الشرق الأوسط.

على أكتاف بايدن وبلينكن والتفكير الاستراتيجي الأميركي تقع أعباء ومسؤوليات حربين فاشلتين في أفغانستان والعراق، وحرب دائرة في أوكرانيا منذ سنتين ونيف، وأخطار توسع النزاع من حول غزة وبحجتها من جانب إيران وميليشياتها. وأخيراً وليس آخراً استعصاء حكومة اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو على الرغبات والمطالب الأميركية، وأهمُّها وقف الحرب وحلّ الدولتين.

إنّ التشكيك في القيادة الأميركية والدور الأميركي في الشرق الأوسط والعالم لا يعود إلى هذه الحروب بالذات، ولا يقتصر عليها. فكتاب فريد زكريا: «عالم ما بعد أميركا» يعود للعام 2004. وقد صدرت بعده عشرات الكتب والدراسات القصيرة والتي تحمل جميعها عناوين مشابهة لا تكتفي بنعي الدور الأميركي، بل تتحدث عن فشل الغرب أو هزيمته وآخرها كتاب إيمانويل تود: هزيمة الغرب أو انكساره! وأميركا في هذه التأملات الاستراتيجية هي رمزٌ للغرب أو للمعسكر الغربي في الأميركتين وأوروبا، ومن المعروف أنّ القرن العشرين صار يُسمَّى القرن الأميركي، ويقول هؤلاء الناعون إنّ القرن الحادي والعشرين ربما يُسمَّى القرن الصيني! والمسألتان المباشرتان اللتان تُساقان تبريراً لهذا النبز بالألقاب هما: دور الصين المتنامي والكبير في الاقتصاد العالمي، واضطرار أميركا دفاعاً عن المصالح الاستراتيجية لها وللغرب الذي تسيطر فيه إلى خوض الحروب المقنعة أو المباشرة والتي تكاد تخسرها جميعاً فيزداد الانقسام بداخلها، وتبدو التصدعات في صفوف حلفائها بأوروبا ومشارفة الجميع على الدخول في المصائر المجهولة أو غير المؤكدة.

ولنلاحظ أنّ الولايات المتحدة سبق أن أعلنت منذ أيام أوباما عن تحول استراتيجي باتجاه الصين وشرق آسيا في البحر والجو والبر والتوجهات الاقتصادية، معلنةً عن إمكان «الانسحاب» أو تقليص الدور في الشرق الأوسط. لكنها بالأمس (مع ظهور داعش) واليوم (مع حرب غزة والتحرشات الإيرانية) عادت لتصرح على ألسنة مسؤوليها بأنها باقية في الشرق الأوسط لحفظ الاستقرار والمصالح معاً.

ولنلاحظ أيضاً وأيضاً أنّ خطاب التشاؤم السوداوي هذا والذي يستبدل بأميركا الغرب كله قديم ويعود لحرب فيتنام، بل وأبعد من ذلك إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى وكتاب انهيار الغرب لأوزوالد شبنغلر، وظهور أو بداية أعمال مدرسة فرنكفورت النقدية والتي تحمل على الحداثة بالغرب وتشييء الإنسان، والدولة الشمولية ذات المظهر الديمقراطي. وفي الستينات والسبعينات من القرن العشرين وحرب فيتنام وثورة الطلاب عام 1968 بدأ النقد الجذري لقيم التنوير التي صنعت الحداثة الغربية والتي صارت نظاماً للعيش في العالم. وآنذاك بدأ اليساريون الجدد بنقد الخطاب الاستعماري (رمزه الاستشراق لإدوارد سعيد 1978) الذي صار تياراً كبيراً في دراسات التابع Subaltern التي لا تزال تتكاثر وتمتد باتجاه لعن الغرب وحضارته وإدانتها ونقد الدولة الحديثة وعولمتها التي تدمِّر نفسها وتدمِّر العالم!

وبحسب هذه الأدبيات المتكاثرة والعديد منها يأتي من داخل الولايات المتحدة، يجري التركيز على الاقتصاد والنمو الصيني المنافس لكنه لا يقتصر عليه، بل يشمل المسلَّمات التي قامت عليها الحضارة الغربية ونظام العيش في العالم، والذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية أفكاراً ومؤسسات.

فريد زكريا صاحب كتاب العام 2004 عن عالم ما بعد أميركا، كتب في مجلة الشؤون الخارجية الأميركية (العدد السابق: يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2024) مقالةً يطالب أميركا فيها بألا تتخلَّى عن العالم الذي صنعته! هو يعترف بالنكسات والسقطات والأخطاء، إنما ليست هناك بدائل حاضرة أو واضحة المعالم يمكن التفكير فيها، أي أنه رغم التشاؤم المسوَّغ يظلُّ من المبكر الحديث عن عالم ما بعد أميركا!

لكنّ أصحاب رؤى انهيار الحضارة بأيدي أبنائها أو أجيالها يسألون عن «الرسالة» التي تحملها أميركا ومعها الغرب كلّه ما كانت عليه وما هي الآن. فقد وضع السوسيولوجي الألماني ماكس فيبر (1864-1920) للسياسي والعالم مسارين للتفكير والعمل، الأول: مسار الرسالة التي يحملها أو المهمة التي يريد القيام بها (= أخلاق الاعتقاد أو الاقتناع) وأخلاق المسؤولية أو أخلاق العمل. وعلى مشارف نهايات القرن الأميركي ما عادت الرسالة واضحةً أو موجودة. أما أخلاق العمل أو الاحتراف فلا تزال سائدة. وبسبب غياب الرسالة (= المدينة على الجبل) أو تضاؤلها صارت السياساتُ كلُّها إجراءات همّها المصالح المباشرة؛ ولذلك ورغم التردد بسبب التكلفة الباهظة فإنّ الأميركيين يخوضون صراعات في كل مكان تحت وطأة الدفاع عن النفس، وهذا الذي يقولونه الآن في مواجهاتهم مع الميليشيات العراقية وميليشيا الحوثي. ومضياً مع نفس المنطق نفسه: منطق التقنيات والإجراءات يكتب وليام بيرنز مدير الـCIA مقالته في عدد مجلة «الشؤون الخارجية» الصادر مؤخراً: حرفة التجسس وحرفة الدولة أو سياساتها في زمان التنافس!

كنت أحضر بأبوظبي مؤتمراً احتفالياً في ذكرى مرور خمس سنوات على توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية من جانب البابا فرنسِس وشيخ الأزهر أحمد الطيب فاستغرب ديبلوماسي نمساوي اهتمامي وقال: البابا غريب في رسائله بشأن الجوار والضيافة والاحتفاء بالمهاجرين، فهو ما وجد ظرفاً أنسب لاحتضان مصائب العالم كلها إلا هذا الظرف الذي تكاد فيه أوروبا تصبح إحدى بلدان العالم الثالث لشدة الضغوط عليها من الهجرة الكاسحة. والآن تأتينا روسيا كأنما تريد تجديد القسمة التي حصلت في يالطا في الحرب العالمية الثانية!

فهل الوقائع الجارية ناجمة عن تصدع الغرب وحضارته ونظامه للعالم، أم هي ناجمةٌ وحسب عن مشكلاتٍ مؤقتة علّتها تعدد الجبهات والاختلاف على الأولويات؟ كلا الاحتمالين خطير، فإذا كان الاختلال شاملاً فمعنى ذلك سقوط أوروبا، وإذا كان الاختلال جزئياً فمعنى ذلك استمرار الاضطراب والمذابح في الشرق الأوسط!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من وقف الحرب إلى إدانة الغرب ولعنه من وقف الحرب إلى إدانة الغرب ولعنه



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon