توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان والاستعصاء على التغيير!

  مصر اليوم -

لبنان والاستعصاء على التغيير

رضوان السيد
بقلم: رضوان السيد

للمرة السادسة وأكثر يجتمع مجلس النواب في لبنان لانتخاب رئيسٍ للجمهورية من دون أن يتمكن من ذلك! والسبب المعلن أنّ أحداً من المرشحين (المعلنين أيضاً!) ما استطاع جمع ثلثي أعضاء المجلس على تأييده لتولّي المنصب السامي. أما الواقع فهو الإصرار من جانب «حزب الله» على تكرار التجربة العونية. إذ عندما انتهت مدة الرئيس الأسبق ميشال سليمان عام 2014 استمرّ الحزب في تعطيل التجربة الانتخابية لمدة عامين ونصف العام حتى أُرغم خصوم الجنرال ميشال عون مرشح الحزب الأوحد على التسليم له فصار رئيساً عام 2016. في البداية سلّم له خصمه المسيحي الرئيسي سمير جعجع، ثم خصمه السني سعد الحريري. ورغم متغيراتٍ كثيرة حصلت منذ ذلك الحين؛ فإنّ الحزب صار أسير تجربة «النجاح» تلك، وهو يسعى الآن بعد انقضاء مدة السنوات الست لعون على فرض حليفه الآخر سليمان فرنجية أو من يشبهه في الرئاسة. في المشهد الداخلي هناك ثلاث عقبات أمام الحزب وحليفه: أنّ الحزب وحلفاءه ما عادوا يملكون أكثرية في مجلس النواب بعد انتخابات العام 2021، وأنّ جبران باسيل صهر الجنرال المنقضي الولاية لا يسلِّم للحزب ومرشحه الجديد القديم. والعقبة الثالثة، أنّ أكثرية النواب المسيحيين مصممون حتى الآن على رفض دعم فرنجية أو باسيل على حدٍ سواء، وأنّ نحو الخمسين منهم يرشحون النائب ميشال معوض (وهو من بلدة زغرتا بشمال لبنان مثل فرنجية) للرئاسة.
لا أحد من خصوم الحزب من السياسيين يصدّق أنه لا يستطيع إخضاع باسيل (الذي يمتلك كتلة بالمجلس تبلغ نحو الثلث من النواب المسيحيين البالغ عدد مجموعهم 64) لإرادته. ثم إنّ المرشح سليمان فرنجية ليس بالغ الجاذبية والإغراء للقوى الجديدة بمجلس النواب وخارجه؛ وإن لم يكن حاداً وشرساً مثل الجنرال عون. إنما الذي يزيد من التنفير من الحزب وحلفائه التجربة السيئة والمسيئة للجنرال عون في عهده المأساوي. لكن في الوقت نفسه، فإنّ الأجواء المعارضة للحزب وحلفائه لا تملك من التماسك والإصرار ما امتلكه الحزب ولا يزال؛ وهذا علاوة على أنّ الأحجام تكاد تكون متساوية حتى الآن. وهذا كله ولا نزال نحسب الحسابات الداخلية البحتة، وهي كلها تعطي الحزب وحلفاءه رجحاناً ظاهراً بغضّ النظر عن أعداد النواب.
وإذا تجاوزنا الأوضاع الداخلية مؤقتاً، تحسب الجهات الدولية للحزب أنه حقّق أخيراً - بالتوافق مع الإدارة الأميركية ووساطتها - ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، لتمكين لبنان من البحث عن الغاز والبترول في مياهه الإقليمية شأن ما فعله وأنجزه جيرانه. وهكذا أثبت - بعد العداء الطويل مع أميركا وإسرائيل - أنه يستطيع أن يكون واقعياً وبراغماتياً؛ بل وأن يضمن الاستقرار على الحدود وبالداخل. فهل يتغاضى الأميركيون والفرنسيون ذوو النفوذ المتزايد أخيراً عن إزعاجات الحزب وسلاحه وعلاقاته بإيران وبالنظام السوري، بسبب ميزات القوة والإنجاز التي يمتلكها، وبسبب أزمة الطاقة المتفاقمة والتي تجعل من سِلَع الطاقة المتحققة والمأمولة ضرورة قصوى يجري التغاضي من أجلها عن كل الاعتبارات الأُخرى؟!
في السنوات الأخيرة، وتحت وطأة الانهيارات الهائلة في كل شيء بلبنان ومن حوله، شجع الأميركيون والفرنسيون والعرب الطموحات الداخلية للتغيير من خلال الانتخابات ومن خلال وسائل الدعم الأخرى للقوى الشابة والتغييرية. وقد بدت نتائج ذلك في أوساط المسيحيين أكثر من الطوائف الأخرى وبخاصة السنّة. والآن، ومع ازدياد التأزم والانقسام في الأوساط الدولية والإقليمية بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، والتحالفات القديمة/ الجديدة بين إيران وروسيا، والتباعد المتزايد بين الغرب وإيران؛ فأي الاعتبارات تتقدم، أو كيف يؤثر ذلك على الأوضاع في لبنان، أو إلى ماذا يميل الغربيون: هل تتقدم اعتبارات أزمة الطاقة فيتركون لبنان لإيران كما فعلوا أيام أوباما، أو يحاولون استخلاص لبنان وبخاصة أنّ استخراج الطاقة وتصديرها سيظلُّ بأيدي الشركات الغربية على أي حال؟! الفرنسيون يزعمون لأنفسهم علاقات خاصة بالحزب وإلى حدٍ ما بإيران؛ ولا يختلف الأميركيون عن ذلك بداعي الحرص على الاستقرار وعلى الطاقة معاً. والمعروف أنّ الأميركيين والفرنسيين يمتلكون نفوذاً لدى المسيحيين بقواهم التقليدية والجديدة. فإذا اتفقوا مع الحزب فيستطيعون التأثير على المسيحيين وعلى السنّة!
هناك إذن إذا نظرنا للمحيط والخارج اعتبارات متضاربة. ومن سنوات يؤكد الغربيون والعرب على إرادة إنقاذ لبنان وتقديم المساعدات له إذا تحققت فيه إدارة معقولة للدولة، وتحققت بعض الإصلاحات الضرورية التي تؤهله للحصول على دعم صندوق النقد الدولي، والجهات الدولية والعربية. ومنذ ثلاث سنوات وحتى الآن ما استطاع لبنان السير باتجاه شيءٍ من ذلك وهو يزداد غرقاً في المشكلات المتفاقمة. وحتى الثروات البحرية التي جرى الاتفاق حولها كما سبق القول، تحتاج إلى أوضاع طبيعية في الرئاسة والحكومة، وهما الأمران الممتنعان حتى الآن. فهل يوضع ذلك كلُّه بأيدي حزب مسلَّح ومرتبط بإيران بشاهدٍ واحدٍ وأوحد وهو الموافقة على ترسيم الحدود البحرية؟ وماذا لو ازدادت علاقات الغرب بإيران سوءاً، فما هي الضمانة لعدم استخدام لبنان من جديد، كما يحصل حتى الآن في سوريا والعراق واليمن، والحزب موجود (حتى الآن أيضاً) في كل هذه الساحات؟!
وللمرة الثانية أو الثالثة وسط هذه الاعتبارات المتضاربة أو المتناقضة: هل يمكن عزل لبنان أو تصغير مشكلته بحيث يتحيد عن الصراعات الإقليمية؟ قد يكون هذا ممكناً لولا وجود الحزب المسلَّح الذي لا يملك سلاحه فقط، ولا يملك نفوذه فقط في كل المؤسسات والمرافق؛ بل ويملك أيضاً تأييد السواد الأعظم من الطائفة الشيعية، وأعدادها أكثر من ثلاثين في المائة من الشعب اللبناني، وهو مربوطٌ برباطٍ وثيقٍ مع إيران ومشكلاتها الإقليمية والدولية.
عندما جرى ترسيم الحدود مع إسرائيل قال خصوم الحزب: ما عادت هناك حاجة لتكويم السلاح! والطريف أنّ آموس هوكستاين، الوسيط الأميركي في مسألة الحدود البحرية، سارع للقول: ما انحلّت كل المشكلات بين الحزب وإسرائيل! ثم علينا ألا ننسى أنّ الحزب موجود بقوة في سوريا بسلاحه ومقاتليه. وإسرائيل لا تسمح للحزب وإيران بتركيز السلاح والقواعد في سوريا؛ فسلاح الحزب بلبنان باقٍ على الأقلّ من أجل الوضع الإيراني في سوريا وإلى أجل غير مسمى.
فلننظر أخيراً من جديد في الوضع اللبناني الذي قلنا في عنوان المقال إنه عصي على التغيير. الرئيس اللبناني مسيحي. لكنه رهينة بيد الحزب الشيعي، ولا يختلف كثيرا عنه رئيس الحكومة السني! وقد قال نصر الله أخيراً إنه يريد رئيساً مثل عون تظل «المقاومة» معه آمنة من الغدر والخيانة. ثم إنّ ما لم يقله إنه وعد بالرئاسة سليمان فرنجية بعد عون! هذا هو فهم الحزب لمصالحه، بغضّ النظر عن توجهات الرأي العام اللبناني والمسيحي! فهل الوضع عصي على التغيير؟ هو كذلك بالفعل. لأنه إذا سلّم الغربيون للحزب من أجل الطاقة والسلام مع إسرائيل فسيبقى متحكماً مثل الآن وأكثر. وإذا ظلوا مع التغييريين كما كانوا يقولون فلا رئيس ولا استقرار ولا خروج من مآزق الانهيار!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان والاستعصاء على التغيير لبنان والاستعصاء على التغيير



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon