توقيت القاهرة المحلي 10:50:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حفظ الدين من الأهواء والاستنزافات!

  مصر اليوم -

حفظ الدين من الأهواء والاستنزافات

بقلم - رضوان السيد

أودّ الإقرار منذ البداية بأنني فوجئتُ بالهجوم على الدكتور محمد العيسى بوصفه خطيب عرفة وإمام المصلين في جماعة الحجيج لهذا العام. وما كان ذلك لقلة خلافاتنا مع من يسمون الصحويين وجماعات الإسلام السياسي وإيرانيي الإمامة والدواعش والقاعديين. فنحن نختلف معهم منذ عقود في خمسة أمورٍ ذات شأنٍ في الدين وفي علائق المسلمين بعضهم ببعض وبالعائشين معهم وبالعالم. اختلفنا معهم بسبب العنف الساطع الذي ارتكبوه باسم الإسلام والجهاد. واختلفنا معهم وقاتلناهم مع العالم لممارستهم القتل والاستعباد والاغتيالات ونشر الطائفية والإرهاب. واختلفنا معهم على تصوراتهم للدولة، سواء دولة الولي الفقيه أو دولة المرشد. كما اختلفنا معهم بشأن دعاوى تطبيق الشريعة، وتكليف الدولة بذلك أو لا تكون شرعية. واختلفنا معهم على ممارسة الإرهاب في العالم وضد مدنييه وساعة باسم الخامنئي وساعة باسم «القاعدة» أو «داعش».
إن كل وجوه الافتراق هذه ليست سهلة، ولن تجد لها حلولاً اليوم أو غداً. إنما الذي يعزّي بشأنها أن هناك شبه إجماعٍ عليها بين المسلمين من جهة، ومع العالم. فمن الذي يقر الاغتيالات ونشر الاضطراب والطائفية، أو استعباد الناس بحجة أنهم غير مسلمين. ومن الذي يوافق أو يفهم هذا التخريب الذي تنشره إيران في عدة دولٍ عربية؟!
إنما الذي تنبهنا إليه في اجتماع أهل الأهواء هؤلاء على مهاجمة إمامة الدكتور محمد العيسى أن هؤلاء -على اختلاف منازعهم ومفاسدهم- يمضون من خلافات هي في جوهرها سياسية واستراتيجية إلى أصول الدين في الصلاة والإمامة والحج والعبادات الأُخرى. هي ثوابت الدين التي يريدون التلاعب بها وهي: وحدة العقيدة، ووحدة العبادة، والتعليم الديني، والفتوى. وهي الفرائض والواجبات التي يتولى الإمامة والتعليم فيها أهل العلم ولا يجوز الخلاف فيها لأن التلاعب بها يعني شَرذَمة في الدين. هي ليست من باب تغير الأحكام بتغير الزمان؛ بل هي ثوابت ما حسبنا أن أحداً -ربما باستثناء الإيرانيين والدواعش- يتجرأ على المساس بوحدتها، أي وحدة العقيدة ووحدة العبادة.
يقول ابن تيمية إن التشريع ثلاثة أنواع: التشريع المنزّل، والتشريع المؤوّل، والتشريع المحوّل. والتشريع المؤوّل هو الذي يمارسه الفقهاء وأهل العالم، وهم المؤتمنون على الوحدات الأربع التي ذكرناها. أما التشريع المحوّل فهو الذي يمارسه أهل الأهواء جميعاً. وهو يعني التحريف المقصود لبلوغ أهدافٍ خاصة ومنافع يُستغل الدينُ من أجل بلوغها. وقد كنا نعرف أن الإيرانيين و«الإخوان» وجماعات الإسلام السياسي إنما يعملون لأهداف الاستغلال السياسي المباشر مستخدمين الدين منذ عقود. وعندما نختلف معهم على أمرٍ فلا حرج عندهم في ادعاء الليبرالية وحقوق الإنسان وصون الحريات. وكما سبق القول فإن الجدالات لا تخمد بشأن هذه المسائل الخطيرة التي تُسيء إلى أفرادنا ودولنا في العالم.
لكننا ونحن نقوم بذلك على طول الخط ومعظم الناس معنا، كنا نعتصم بالوحدتين: وحدة العقيدة ووحدة العبادة. وها هم بشرعهم المحوّل يقولون لنا: حتى صلاتكم وحجّكم هما موضع نزاع! إن الذي يُخِل بالإجماع هو مصير جماعة من أهل الاجتهاد إلى المخالفة. وهؤلاء ليسوا من أهل العلم. ولا اعتبار للمخالفة في وحدة العقيدة ووحدة العبادة على أي حال. إن هؤلاء كما قلت ليسوا من أهل العلم، بل من غوغائيي وسائل التواصل. وهم على سطحية دعاواهم يمكن أن يضللوا جمهوراً لا يعرف بواطن هذه الدعاوى.
من ثلاثين أو أربعين سنة يدندن الإيرانيون بشأن الحج وولايته. إنما الجديد أن كل جماعات الإسلام السياسي بمن في ذلك متأخونون وسروريون وقاعديون وحماسيون وجهاديون صاروا تحت مظلة إيران. وقد كنا مع الإيرانيين ومع السروريين وكل جماعات الإسلام السياسي نتجنب الخوض في نزاعاتٍ دينية، ونواجههم في موضوعات الجدال بشكلٍ مباشر. لكنهم يزدادون جرأة ويدخلون إلى أصول الدين لسببين: الضغوط التي يتعرضون لها نتيجة فقدانهم لقواعدهم التي اعتمدوا في إيجادها على جهاتٍ إقليمية ودولية عملوا لها ضد السعودية ومصر وأبوظبي. والسبب الثاني: صيرورتهم جميعاً إلى العمل عند إيران. ومهما ابتعدت إيران ظاهراً عن الدعاية الدينية إلى الدعاية السياسية؛ فإنها لا تلبث وزعماؤها الملالي أن تحاول مصادمتنا في الثوابت الدينية.
كما سبق القول؛ لن تنتهي الخصومات السياسية والاستراتيجية. وفي تلك الخصومات كل الفئات مسؤولة. أما أهل العلم فينبغي أن تكون أولوياتهم «حفظ الدين على أصوله المستقرة وأعرافه الجامعة»، كما يقول الماوردي، وفي العقيدة والعبادة. فنحن نصلّي معاً ونحج معاً ونصوم معاً، ومهمات وحدة العقيدة والعبادة والفتوى والتعليم هي مهماتنا التي لا ينبغي أن ينال منها أهل الإمامة أو المرشدية أو الحماسية أو الجهادية.
موضوع استغلال الدين لأهدافٍ سياسية صغرى أو كبرى ليس خاصاً بالإسلام. فقد استخدم رؤساء من الحزب الجمهوري الإنجيليين الجدد في الوصول إلى السلطة. وكذلك فعل حزب مودي رئيس وزراء الهند. والإيرانيون يفعلون ذلك من زمان. وقد استهوى الداعشيون جمهوراً اعتمدوا على إثارة غرائزه من أجل الإجرام. وهذه مشكلة كبرى عندنا نحن المسلمين أن تجد في كل آنٍ دينك في أيدي هذه العصابة أو تلك. إنما لا ينبغي أن نتوقف عن الاندفاع في مسارين: مسار الإصلاح الديني ليصبح ديننا عصياً على الاستغلال -ومسار التمسك بالثوابت العقدية والتعبدية بحيث لا يستطيع أهل الأهواء الدخول في تحريفها وتفرقة الكلمة من حولها.
ما كان الدكتور محمد العيسى مقصوداً لشخصه. فهو عضو هيئة كبار العلماء، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وهو الذي أصدر مع علماء المسلمين وثيقة مكة المكرمة العظيمة عام 2019، لقد كان المقصود ولا يزال التشكيك في قيادة المملكة للعرب والمسلمين. كما كان المقصود الزعم أن لإيرانيي الهوى والسروريين والآخرين سلطة في الدين مثل سلطة كبار علماء الإسلام. ولكي نتصور سوء التقدير والتدبير لدى كل هذه الشراذم فلنتأمل أنه عندما كان الحماسيون وأضرابهم يحملون على إمامتنا وصلواتنا باسم الجهاد؛ فإن إسماعيل هنية كان يهنئ الحوثيين والسلطات في سوريا بعيد الأضحى، وهم في الحالتين لم يعيدوا معنا وإنما مع إيران!
لا ينبغي ترك الدين في أيدي أهل الأهواء مهما كلف الأمر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حفظ الدين من الأهواء والاستنزافات حفظ الدين من الأهواء والاستنزافات



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon