توقيت القاهرة المحلي 20:27:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حفظ الدين من الأهواء والاستنزافات!

  مصر اليوم -

حفظ الدين من الأهواء والاستنزافات

بقلم - رضوان السيد

أودّ الإقرار منذ البداية بأنني فوجئتُ بالهجوم على الدكتور محمد العيسى بوصفه خطيب عرفة وإمام المصلين في جماعة الحجيج لهذا العام. وما كان ذلك لقلة خلافاتنا مع من يسمون الصحويين وجماعات الإسلام السياسي وإيرانيي الإمامة والدواعش والقاعديين. فنحن نختلف معهم منذ عقود في خمسة أمورٍ ذات شأنٍ في الدين وفي علائق المسلمين بعضهم ببعض وبالعائشين معهم وبالعالم. اختلفنا معهم بسبب العنف الساطع الذي ارتكبوه باسم الإسلام والجهاد. واختلفنا معهم وقاتلناهم مع العالم لممارستهم القتل والاستعباد والاغتيالات ونشر الطائفية والإرهاب. واختلفنا معهم على تصوراتهم للدولة، سواء دولة الولي الفقيه أو دولة المرشد. كما اختلفنا معهم بشأن دعاوى تطبيق الشريعة، وتكليف الدولة بذلك أو لا تكون شرعية. واختلفنا معهم على ممارسة الإرهاب في العالم وضد مدنييه وساعة باسم الخامنئي وساعة باسم «القاعدة» أو «داعش».
إن كل وجوه الافتراق هذه ليست سهلة، ولن تجد لها حلولاً اليوم أو غداً. إنما الذي يعزّي بشأنها أن هناك شبه إجماعٍ عليها بين المسلمين من جهة، ومع العالم. فمن الذي يقر الاغتيالات ونشر الاضطراب والطائفية، أو استعباد الناس بحجة أنهم غير مسلمين. ومن الذي يوافق أو يفهم هذا التخريب الذي تنشره إيران في عدة دولٍ عربية؟!
إنما الذي تنبهنا إليه في اجتماع أهل الأهواء هؤلاء على مهاجمة إمامة الدكتور محمد العيسى أن هؤلاء -على اختلاف منازعهم ومفاسدهم- يمضون من خلافات هي في جوهرها سياسية واستراتيجية إلى أصول الدين في الصلاة والإمامة والحج والعبادات الأُخرى. هي ثوابت الدين التي يريدون التلاعب بها وهي: وحدة العقيدة، ووحدة العبادة، والتعليم الديني، والفتوى. وهي الفرائض والواجبات التي يتولى الإمامة والتعليم فيها أهل العلم ولا يجوز الخلاف فيها لأن التلاعب بها يعني شَرذَمة في الدين. هي ليست من باب تغير الأحكام بتغير الزمان؛ بل هي ثوابت ما حسبنا أن أحداً -ربما باستثناء الإيرانيين والدواعش- يتجرأ على المساس بوحدتها، أي وحدة العقيدة ووحدة العبادة.
يقول ابن تيمية إن التشريع ثلاثة أنواع: التشريع المنزّل، والتشريع المؤوّل، والتشريع المحوّل. والتشريع المؤوّل هو الذي يمارسه الفقهاء وأهل العالم، وهم المؤتمنون على الوحدات الأربع التي ذكرناها. أما التشريع المحوّل فهو الذي يمارسه أهل الأهواء جميعاً. وهو يعني التحريف المقصود لبلوغ أهدافٍ خاصة ومنافع يُستغل الدينُ من أجل بلوغها. وقد كنا نعرف أن الإيرانيين و«الإخوان» وجماعات الإسلام السياسي إنما يعملون لأهداف الاستغلال السياسي المباشر مستخدمين الدين منذ عقود. وعندما نختلف معهم على أمرٍ فلا حرج عندهم في ادعاء الليبرالية وحقوق الإنسان وصون الحريات. وكما سبق القول فإن الجدالات لا تخمد بشأن هذه المسائل الخطيرة التي تُسيء إلى أفرادنا ودولنا في العالم.
لكننا ونحن نقوم بذلك على طول الخط ومعظم الناس معنا، كنا نعتصم بالوحدتين: وحدة العقيدة ووحدة العبادة. وها هم بشرعهم المحوّل يقولون لنا: حتى صلاتكم وحجّكم هما موضع نزاع! إن الذي يُخِل بالإجماع هو مصير جماعة من أهل الاجتهاد إلى المخالفة. وهؤلاء ليسوا من أهل العلم. ولا اعتبار للمخالفة في وحدة العقيدة ووحدة العبادة على أي حال. إن هؤلاء كما قلت ليسوا من أهل العلم، بل من غوغائيي وسائل التواصل. وهم على سطحية دعاواهم يمكن أن يضللوا جمهوراً لا يعرف بواطن هذه الدعاوى.
من ثلاثين أو أربعين سنة يدندن الإيرانيون بشأن الحج وولايته. إنما الجديد أن كل جماعات الإسلام السياسي بمن في ذلك متأخونون وسروريون وقاعديون وحماسيون وجهاديون صاروا تحت مظلة إيران. وقد كنا مع الإيرانيين ومع السروريين وكل جماعات الإسلام السياسي نتجنب الخوض في نزاعاتٍ دينية، ونواجههم في موضوعات الجدال بشكلٍ مباشر. لكنهم يزدادون جرأة ويدخلون إلى أصول الدين لسببين: الضغوط التي يتعرضون لها نتيجة فقدانهم لقواعدهم التي اعتمدوا في إيجادها على جهاتٍ إقليمية ودولية عملوا لها ضد السعودية ومصر وأبوظبي. والسبب الثاني: صيرورتهم جميعاً إلى العمل عند إيران. ومهما ابتعدت إيران ظاهراً عن الدعاية الدينية إلى الدعاية السياسية؛ فإنها لا تلبث وزعماؤها الملالي أن تحاول مصادمتنا في الثوابت الدينية.
كما سبق القول؛ لن تنتهي الخصومات السياسية والاستراتيجية. وفي تلك الخصومات كل الفئات مسؤولة. أما أهل العلم فينبغي أن تكون أولوياتهم «حفظ الدين على أصوله المستقرة وأعرافه الجامعة»، كما يقول الماوردي، وفي العقيدة والعبادة. فنحن نصلّي معاً ونحج معاً ونصوم معاً، ومهمات وحدة العقيدة والعبادة والفتوى والتعليم هي مهماتنا التي لا ينبغي أن ينال منها أهل الإمامة أو المرشدية أو الحماسية أو الجهادية.
موضوع استغلال الدين لأهدافٍ سياسية صغرى أو كبرى ليس خاصاً بالإسلام. فقد استخدم رؤساء من الحزب الجمهوري الإنجيليين الجدد في الوصول إلى السلطة. وكذلك فعل حزب مودي رئيس وزراء الهند. والإيرانيون يفعلون ذلك من زمان. وقد استهوى الداعشيون جمهوراً اعتمدوا على إثارة غرائزه من أجل الإجرام. وهذه مشكلة كبرى عندنا نحن المسلمين أن تجد في كل آنٍ دينك في أيدي هذه العصابة أو تلك. إنما لا ينبغي أن نتوقف عن الاندفاع في مسارين: مسار الإصلاح الديني ليصبح ديننا عصياً على الاستغلال -ومسار التمسك بالثوابت العقدية والتعبدية بحيث لا يستطيع أهل الأهواء الدخول في تحريفها وتفرقة الكلمة من حولها.
ما كان الدكتور محمد العيسى مقصوداً لشخصه. فهو عضو هيئة كبار العلماء، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وهو الذي أصدر مع علماء المسلمين وثيقة مكة المكرمة العظيمة عام 2019، لقد كان المقصود ولا يزال التشكيك في قيادة المملكة للعرب والمسلمين. كما كان المقصود الزعم أن لإيرانيي الهوى والسروريين والآخرين سلطة في الدين مثل سلطة كبار علماء الإسلام. ولكي نتصور سوء التقدير والتدبير لدى كل هذه الشراذم فلنتأمل أنه عندما كان الحماسيون وأضرابهم يحملون على إمامتنا وصلواتنا باسم الجهاد؛ فإن إسماعيل هنية كان يهنئ الحوثيين والسلطات في سوريا بعيد الأضحى، وهم في الحالتين لم يعيدوا معنا وإنما مع إيران!
لا ينبغي ترك الدين في أيدي أهل الأهواء مهما كلف الأمر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حفظ الدين من الأهواء والاستنزافات حفظ الدين من الأهواء والاستنزافات



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 09:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار في الديكور للحصول على غرفة معيشة مميزة في 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon