توقيت القاهرة المحلي 11:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التنوير في أوروبا والمشرق

  مصر اليوم -

التنوير في أوروبا والمشرق

بقلم - رضوان السيد

كنت قبل أيام أقرأ بالمصادفة رسالة إيمانويل كانط «ما التنوير». وأبرز ما فيها التركيز على حرية العقل الإنساني باعتباره المرجع الأول والأخير وإسقاط كل سلطة من خارجه سواء أكانت دينية أم سواها، بما يمكن التعبير عنه بزوال سحر العالم أو انكساره. وبعد كانط صار التأليف في التنوير ومعانيه وماهياته وشروطه تقليداً لدى الفلاسفة والمفكرين الأوروبيين. وبالطبع شاع الانقسام حوله عندما تعاظمت الفلسفة الماركسية، فصار التنوير تيارات. لكنّ الموقف السلبي من الموروث الديني على وجه الخصوص ظلّ واسع الانتشار، وانتقل إلى المشرق أيضاً.

يتبين ذلك من الاشتباك الذي جرى (1900-1902) بين مفتي مصر محمد عبده وفرح أنطون المتأثر بالتنوير الفرنسي الراديكالي، والذي يتصور حلاًّ للشرق يماثل الحلّ الغربي بالفصل بين الدين والدولة من أجل تطوير الدولة ومن أجل التقدم العلمي. محمد عبده حاول إقناعه بأن التجربة الإسلامية في مسألتي الدين والعلم والدين والدولة مختلفة تماماً عن التجربة الأوروبية، وبأنه لا ضرورة للفصل أو لعزل الدين واستجلاب عداء المتدينين. لكنّ فرح أنطون لم يقتنع.

وقد تجدد هذا النقاش في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، ودخل فيه كل المفكرين العرب البارزين تقريباً. لكنّ المنطلقات اختلفت، فقد جرى استبدال مصطلح التنوير بمصطلح أو مفهوم التقدم، والدخول في حضارة العصر وعصر العالم. ولكي يكونَ ذلك ممكناً لا بد من القطيعة مع الموروث الديني (الإسلامي).

والفكرة مستعارة من الإبستمولوجيا الفرنسية الجديدة، لدى باشلار وفوكو، أو هكذا فهم الجميعُ الأمرَ. وما حملتُ «القطيعةَ» في البداية على محمل الجد وصرتُ أكتب أنهم ربما تأثروا بحملة ماوتسي تونغ على التقاليد الصينية القديمة! ثم ظهرت المشروعات الضخمة التي لم تترك مقالاً لقائل. وهكذا نشب صراع الأصوليات بين التنويريين العلمانيين والتراثيين القدامى والجدد.

سقطت مقولة القطيعة مع الموروث في مجالنا الثقافي منذ مدة. بيد أنّ المشهد تغيَّر في أوروبا أيضاً مع ظهور الفلاسفة الجدد الذين شككوا في المقولات الرئيسية للتنوير، ومنها الموقف السلبي من الدين.

بيد أنّ المسألة الدينية والثقافية تظل في مجالنا شديدةَ التعقيد. نعم، لا بد من كتابة التاريخ الديني والثقافي من جديد. ولدينا آلاف الوثائق والمخطوطات التي تُكتشف كل عام، إضافةً إلى مخطوطات التراث العلمي شديدة الغنى والدلالة. لقد صار إدراكاً فقيراً الذهاب إلى أن التاريخ الفكري هو تاريخ الصراع بين تياري العقل والنقل. فهناك عشرات التيارات الفكرية المختلفة والمتداخلة، وهو ما دفع المستشرقَ الألماني توماس باور لتأليف كتابه الذي صار شهيراً «ثقافة الالتباس»، وكتابه الآخر «لماذا لم تكن في الإسلام عصورٌ وسطى؟».

وهكذا ينبغي الخروج من دوغمائية أنصار القطيعة، ودوغمائية التراثيين الجدد، لصالح أفقٍ أوسع لقراءة الثقافة التاريخية والحضارة. وإذا شئنا فإنّ هذه الفكرة، أي فكرة التعددية في موروثنا الثقافي والديني، هي بعينها التنوير، بدلاً من الانقفال على مفهوم المركزية الأوروبية للعقلانية والتنوير.

إنّ هذا الكلام عن المداخل المختلفة لكتابة تاريخ ثقافي تواصلي ليس جديداً.. لكنّ الجديدَ هو المضيُّ إلى التعددية والاختلاف والتأويليات في فهم التجربة الحضارية الكبرى على نهج مارشال هودجسون في كتابه العظيم «تجربة الإسلام.. الوعي والتاريخ في حضارةٍ عالمية».

وعندما نصل إلى الزمن الحديث بهذه الخلفية فلا داعي للخجل أو الكبرياء، ولكننا ثقافة تاريخية مثل سائر الثقافات الكبرى، والتي ماتت وحيت، وتراثنا يموت ويحيا ويتجدد. ولنتأمل مقولة أريك هوبسباوم: اختراع التقاليد!

*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التنوير في أوروبا والمشرق التنوير في أوروبا والمشرق



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon