توقيت القاهرة المحلي 11:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قمة جدة: المشهد العربي الجديد

  مصر اليوم -

قمة جدة المشهد العربي الجديد

بقلم - رضوان السيد

خلال أقلّ من أسبوع على قمة جدة للأمن والتنمية، توالت عشرات الاستطلاعات التي ركّز بعضها على الأحداث، وانصرف بعضها الآخر إلى تقدير التداعيات والآثار. وحتى قمة طهران التي جمعت رؤساء روسيا وإيران وتركيا لم تستطع صرف الأنظار عن قمة جدة التي جمعت تسع دولٍ عربية إلى الرئيس الأميركي بايدن.
ولا شكّ أنّ للحدث ووقائعه أهميته البالغة، لأنه جاء بعد قرابة التسعة عشر عاماً على الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وبعد أكثر من عشر سنواتٍ على إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن تغير الاستراتيجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط وبالأخصّ تجاه العرب. فقد صار الانسحاب الاستراتيجي الأميركي من المنطقة، التي خلّفت فيها الولايات المتحدة كلاً من بريطانيا وفرنسا، نهائياً وترتبت عليه نتائج سياسية وعسكرية. كان الأميركيون -أو هكذا حسبوا– يستخلفون علينا إسرائيل وإيران وتركيا. وما كان العرب مكسورين بسبب غزو العراق وتسليمه عملياً لإيران فقط؛ بل بالتصدع الكبير الذي أنتجته أحداث ما سُمِّي الربيع الذي نال من تماسك سائر الأنظمة بالمشرق الذي ما عاد أحدٌ يسميه عربياً. ومع أنّ الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 بدا بمثابة نتيجة تبصم على الوضع الذي أراده الأميركيون للمنطقة وفيها؛ فإنّ خروج الرئيس ترمب من الاتفاق ما أنتج تعديلاً أو تغييراً بارزاً لأنّ الانسحاب العسكري استمرّ، وسلوك الولايات المتحدة الأمني والعسكري في البر والبحر في عهده لم يتغير. وهذا الاستمرار الانسحابي والنظرة الدونية للعرب ظهرا بوضوح في حملة بايدن الانتخابية؛ بل في إصراره على أنّ ترمب أخطأ خطأً كبيراً في الخروج من الاتفاق. وهذا الانطباع صار واقعاً لدى الإيرانيين ولدى الأتراك. الإيرانيون ما بدوا مستعجلين في العودة للاتفاق ولا في ترميم العلاقات بجيرانهم العرب، والأتراك قلدوا الإيرانيين في صنع مناطق نفوذ جديدة في سوريا والعراق وشرق المتوسط وليبيا. وروسيا ما تردّدت في التدخل بسوريا، بعد أن كان المعتقد أنّ مطامحها لا تتعدى محاولات استعادة الهيبة في مناطق الاتحاد السوفياتي السابقة.
لماذا حدث ذلك كله خلال السنوات الخمس الأخيرة؟ ما قصّرت دول الخليج ولا مصر في استعادة الأوضاع إلى الاستقرار، والإسراع في انطلاقاتٍ تنموية. إنما لم تظهر مشروعاتٌ شاملة من أجل عملٍ عربي مشترك وفاعل في مسألتين: الأمن الاستراتيجي في البر والبحر، واستعادة الزمام في الدول العربية الخمس التي نال منها الاضطراب، وتوزعت سلطاتها بين جهات التدخل التي كانت أميركا قد استخلفتها أو سلّمت لها بحق أو واقع نشر النفوذ، وهي سوريا ولبنان والعراق وليبيا واليمن!
وزير الخارجية السعودي ذكّرنا في أثناء مؤتمر جدة بأنّ ولي العهد السعودي كان قد اقترح قبل خمس سنوات مبادرة عربية للأمن والدفاع. نعم، لقد ظلت الدول العربية بالمشرق وبالجملة والتفصيل تحت الهجوم من جانب دول الإقليم ومن بعض العالم الدولي. ومرة أخرى فإنّ الدول العربية الثلاث القوية بالمشرق وهي المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية ما استكانت للعدوان الإقليمي ولا للإعراض الأميركي؛ بل حاولت كلٌّ منها وهي ماضية في اندفاعاتها التنموية الهائلة أن تعدّد خياراتها بالانفتاح على الصين وروسيا والهند؛ إنما كلٌّ على حدة.
إنّ الذي أُريد المصير إليه، وهو الأمر الذي تنبهنا إليه قبل القمة وفي إعلانيها: السعودي - الأميركي، والعربي - الأميركي الشامل، أننا شهدنا ونشهد عروبة جديدة تنتظم فيها معظم دول المشرق. هو مشروع الأمن (والدفاع) والتنمية والذي تجلّى ويتجلَّى في الرؤية ذات البنود التالية:
أولاً- أنّ هناك مصيراً عربياً واحداً، وقد سمّاه الرئيس عبد الفتاح السيسي «أمناً عربياً واحداً». وجوهر المشروع الوصول إلى تقدم عربي كبير وهذه المرة بالاعتماد المتبادل ودائماً بالأمن المتحقق بالعمل معاً والتنمية المتحققة بالتكامل في مشروع التقدم هذا.
ثانياً- أنّ هناك قضايا ومشكلات عربية تتعاون الدول التسع في مقاربتها وفي مواجهتها من فلسطين إلى سوريا وليبيا ولبنان حتى العراق الحافل بالمشكلات والذي كانت لدى رئيس وزرائه الشجاعة للحضور والدخول في المشروع، وسيحصل بلده على الربط الكهربائي من طريق السعودية والكويت.
ثالثاً- أنّ الدول العربية التسع (ومن ينضم إليها) هم في الأصل حلفاء الولايات المتحدة. لكنّ أميركا (التي اعترف رئيسها بارتكاب أخطاء وخطايا) تخلّت تارةً، ودخلت طوراً فيما سُمّيت الفوضى الخلاّقة. لا تستطيع الدولة العظمى أن تكون هي ناشرة الفوضى أو تاركة الفوضى تنتشر. والعرب ورغم كل ما حصل مستعدون للتعاون مع أميركا في مشروعات التنمية والمستقبليات الهائلة. ومستعدون بل محتاجون من أجل التمكين للمشروع التنموي والإنساني الكبير إلى التعاون أيضاً في تثبيت الأمن والاستقرار وصنع الدفاعات المتقدمة مع الولايات المتحدة في البحار والبر والجو. وفي مقابل ذلك هم يتعاونون في صنع أمن الطاقة وفي عودة الوضع المالي والاقتصادي العالمي إلى الانتظام. لكنهم أو بعضهم قد فتحوا منافذ أخرى وممرات واستراتيجيات (وبعضها عسكري) وهم ليسوا مستعدين للاستغناء عنها؛ ليس من أجل التقدم فقط بل من أجل الأمن الاستراتيجي أيضاً. لا يحتاجون إلى ناتو عربي، ولا إلى شراكة تطبيعية مع إسرائيل. ومن جهة أُخرى هم لا يريدون الحرب ولذلك لا يريدون ولا يحتاجون للدخول في محاور مع الولايات المتحدة أو مع غيرها.
رابعاً- يريد العرب جميعاً منطقة آمنة خالية من أسلحة الدمار الشامل. ولذلك لا يعترضون على العودة إلى الاتفاق النووي. وهم منزعجون من مصير إيران إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، ولجوئها إلى الباليستيات والمسيّرات والميليشيات. لكنّ إيران جارة، ويريدون معها أفضل العلاقات. وسيظلون على تفاوضٍ معها. والإماراتيون يريدون إرسال سفيرٍ إليها. وشرطهم الدائم الحفاظ على السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
خامساً- العرب يدخلون الآن ويمضون في مشروعٍ تنموي كبير من أجل خير شعوبهم وخير العالم. وهم يدخلون الآن ومن أجل مصالحهم الإنسانية الكبرى في حلّ مشكلات الطاقة والأمن الغذائي العالمي، والمساعدة في تجاوز التضخم والاستثمار الكبير. لكنهم ليسوا مستعدين للدخول كل يوم في عمليات «فحص دم» من جانب أميركا أو غيرها فيما يتعلق بحقوق الإنسان أو حقوق مواطنيهم (!). فمَن عنده عينٌ واحدة لا يحمل سكيناً في وجوه الآخرين. عندنا قيمٌ وتقاليد وأعراف وسيادة ولا نقبل الحطّ عليها لأي سبب.
إنّ المهمَّ في كل ما حصل أنّ هناك مشهداً عربياً جديداً، ومشروعاً عربياً جديداً للعلاقات السليمة والصحية ليس مع أميركا فقط؛ بل مع العالم كله. زيارة الرئيس بايدن ليست ناجحة ولا فاشلة، بانتظار الاختبار والتداعيات. إنما الناجح بالتأكيد هذا التبلور البارز لمشروع النهوض العربي. ومن يرد شاهداً آخر إلى جانب بيان القمة، فلينظر إلى زيارة رئيس دولة الإمارات إلى فرنسا بعد قمة جدة مباشرة. العرب لا يريدون إخافة العالم ولا الخوف منه؛ بل يريدون جميعاً وبالكفاءة والإقدام الدخول والمشاركة في صنع أمنه وتقدمه ورحابته، وفي قمة جدة الإعلان عن ذلك.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قمة جدة المشهد العربي الجديد قمة جدة المشهد العربي الجديد



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon