توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يوم التأسيس والانتصار للدولة الوطنية

  مصر اليوم -

يوم التأسيس والانتصار للدولة الوطنية

بقلم - رضوان السيد

منذ القرن الحادي عشر الهجري - السابع عشر الميلادي، برزت الحاجة في نجد واليمامة على الخصوص إلى السلطة الواحدة من أجل أمن المجتمع وكفايته وإقداره على تنظيم معاشه ومعيشته. فقد توزعت الأمور في صورة قرى وبلدات متناحرة، واضطربت طرق التجارة البعيدة والبينية، وشاع التغالب على السطوة القريبة. وهذا هو الهدف الذي نهض به وإليه الأمير والإمام محمد بن سعود، متخذاً من بلدة الدرعية مستقراً ومنطلقاً في عشرينات القرن الثامن عشر الميلادي. إنّ هذا الوازع للدفع والدفاع، بتعبير ابن خلدون، آثر المؤسِّس أن يستعين على إحقاقه بوازع الدين (الذي يقول بحرمات الدم والعرض والمال) عندما استقبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب واحتضن دعوته الإصلاحية. وبالنظر إلى تلك النضالات الملحمية من أجل الاستيعاب والوحدة، بدا لدى المؤرخين المحليين كأنما الأمر هو أمر الدعوة للتوحيد في مواجهة «الشرك». بينما الواقع أنه كان وظلَّ عملاً سياسياً كبيراً، وقد استعان عليه المؤسس كما سبق القول بالوازع الديني، وإلاّ فالشيخ الإصلاحي ما رشّح نفسه لإمرة دينية أو سياسية؛ بل أعان على إحقاق المشروع السياسي لمحمد بن سعود جاعلاً الشرْك قريناً للتشرذم والتجزئة والخروج على طاعة الدولة الجديدة. وهناك أمرٌ آخر قليلاً ما جرى تأكيده أو إبرازه، وهو وعي الجماعة الاجتماعية المدينية والقَبَلية بالحاجة إلى الدولة، والانتصار لها وتأييدها، ولو لم يكن الأمر كذلك لما بقيت الدولة وتجددت بعد الغزو المصري - العثماني. تأسست الدولة السعودية الأولى في عشرينات القرن الثامن عشر، وتجددت في عشرينات القرن التاسع عشر. وهي في الزمانين الأول والثاني تمددت واستوعبت خارج نجدٍ واليمامة لأنّ الغالبية وقفت إلى جانبها بمقتضى الحاجة للأمن والأمان والحياة الطبيعية، وبالطبع فإنّ ذلك هو مقتضى الدين، أولم يكن «الإيلاف» الذي أنعم الله عز وجلّ به على مكة من خلال قريش في القرن السادس الميلادي إطعاماً من جوعٍ وأماناً من خوف؟! لقد بلغ من إعظام العرب القدامى لإنجاز قريش أنْ سمَّوهم: آل الله وقرابينه؛ الناشرين للسلم والكفاية. وهو الأمر الذي قام به آل سعود في قلب الجزيرة وأطرافها طوال ثلاثة قرون. وقد توالت على الإمرة والإمامة منهم خمسة أجيالٍ أو ستة. تظهر شخصية كارزماتية منهم فيلتفّ حولها الجيل الذي عرف عن أسلافهم حفظهم لمصالح الجماعة ومنعتها فيزيلون المتغلبين ويحفظون الولاء والانتماء، ويحققون الكفاية والشوكة.
ما كان مصطلح السلطة الوطنية ولا مفهومها معروفاً في الشرق ولا في الغرب. كانت هناك الإمبراطوريات، وفي المشرق العثمانيون والمتمردون عليهم بين حينٍ وآخر. وما كان السعوديون أباطرة ولا سُعاة لإمبراطورية؛ بل هي دولة الكفاية والشوكة التي تهدف لتحقيق الأمن والأمان والسلام للجزيرة، والتي تسعى دائماً لحماية الحرمين وخدمتهما وتأمين سُبُل الوصول إليهما. وهذا يعني أنه كانت لديهم دائماً رسالة، هي في لغة الزمان رسالة الإسلام، وهذا ما كان يعنيه الدين للناس. فمنذ الدولة السعودية الأولى تتحدث تقارير الرحّالة الأجانب، والقناصل في المحيط عن الأمن والعدل في الديار السعودية، وشدة التمسك بالدين.
ولنصل إلى عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وسيطرته عام 1902 على الرياض آتياً من الكويت. في الظاهر ما كان عنده، شأن أسلافه، غير ثلاثة أهداف: إقامة السلطة الواحدة من جديد - ونشر الأمن والعدل اللذين اضطربا عندما تراجعت سلطة الدولة السعودية الثانية - والعودة إلى الحرمين. وهو يكاد يكون الوحيد بين المسيطرين في أعقاب الحرب العالمية الأولى، والذي ما قَبِلَ عروض الخلافة بعد أن ألغاها في تركيا مصطفى كمال. ما بقي أحدٌ من الهاشميين ومن ملوك مصر ومن سادة العراق، ومن جهاتٍ في الهند والجزر الإندونيسية وبلاد ما وراء النهر إلاّ وطمع فيها. أما الملك عبد العزيز، وبالبصر والبصيرة، فقد أدرك أنّ الخلافة ومواريثها مضت وانقضت، ولا بد من الإصغاء لنداء المستجد والجديد. عبد العزيز آل سعود وقبل أن يظهر البترول وبعد ظهوره فهو – إلى جانب ميراث أسلافه - إنما في فهمٍ للتطورات الحديثة، رمى بالفعل إلى إقامة سلطة وطنية ودولة وطنية بمقاييس القرن العشرين. وقد لقي مقاومة داخلية شديدة ليس بسبب الرجعية الدينية فقط؛ بل لأنّ وجاهات الداخل وسياسات الخارج والمحيط ما كانت تريد دولة عربية قوية ومستقلة ومتقدمة بالفعل.
الدولة السعودية الثالثة التي أسسها الإمام ثم الملك عبد العزيز آل سعود (المملكة من سنة 1932) دخلت على نظام الدولة الوطنية الحديثة من أوسع أبوابه. ولذلك وبالإضافة إلى وقوف شعبها معها؛ أمكن لها التجذر في العالم الحديث. وقد تابع ملوك الدولة من أبناء الملك عبد العزيز إكمال هذا البناء المؤسسي بالداخل والخارج على تفاوت؛ إلى أن كان عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وثورته، ومن مفرداتها البارزة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ونهضويته التنموية والتغييرية، وسواء باتجاهاتها الكبرى بالداخل، أو في ترتيبات العلائق الاستراتيجية مع الخارج. هناك تكبير هائلٌ لحجم الاقتصاد. وهناك اندفاعٌ كبير في الخروج من الإدمان على اقتصاد النفط الريعي. وقبل ذلك وبعده هناك الإطلاق المنقطع النظير لطاقات الشباب لصنع الجديد والمتقدم. ولولا خشية المبالغة والتجاوز لقلت إنها الدولة السعودية الوطنية الرابعة!
إطلاق موجة يوم التأسيس، والتصنيف التاريخي للدول السعودية الثلاث خلال ثلاثمائة عام، المقصود به إطلاق وعي جديدٍ أو الكشف عنه للعراقة الواثقة من جهة، والنهضة الجديدة الشاسعة الآفاق من جهة أخرى.
إنها موجاتٌ تجديدية وإبداعية تقدم وعوداً رائعة للحاضر والمستقبل. فهنيئاً للمملكة في تذكارها ليوم التأسيس قبل ثلاثة قرون. وهنيئاً لها بالعهد الحاضر، عهد الإنجاز لمستقبلٍ زاهر في الزمن والمكان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم التأسيس والانتصار للدولة الوطنية يوم التأسيس والانتصار للدولة الوطنية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon