توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

انتخابات المغرب وفشل الإسلام السياسي

  مصر اليوم -

انتخابات المغرب وفشل الإسلام السياسي

بقلم - رضوان السيد

نادراً ما يسقط ملاكمٌ شابٌّ قوي البنية بالضربة القاضية. لكنّ هذا هو ما حدث لحزب العدالة والتنمية، حزب الإسلام السياسي بالمملكة المغربية، في الانتخابات الأخيرة. كان خارجاً من عشر سنواتٍ من مباريات الفوز في الانتخابات العامة والجهوية. وكان أنصاره وقادته لا يزالون يتحدثون عن وجوه تفوّقهم على الأحزاب التقليدية الوطنية والليبرالية والاشتراكية، وأنهم هم المزيج المثالي للدين والوطنية والعدالة الاجتماعية. لكنّ الناخبين المغاربة وبشبه إجماع حكموا عليهم بالهزيمة والانقضاء، لأنّ تجربتهم في السلطة وإدارة الشأن العام ما كانت ناجحة، وما أَبَهَ الجمهور لعلو صوتهم باسم الإسلام!
لقد صار التقليد الديني والسياسي شتيمة عندنا في المشرق الضائع بين الثوريين والعسكريين وإسلاميي الصحوات والملالي المنتشرين فيما بين إيران وأفغانستان وباكستان.
رأى الصديق السيد ولد أباه في مقالة كاشفة، أنّ التقليد الحزبي المغربي العريق هو الذي نهض بعد انحطاط، وكسر هؤلاء النوابت الصاعدين تحت لواء الاحتجاجية الصحوية الإسلامية. والواقع أنّ التقليدية الدينية (التي أشار إليها إشارة خفيفة ورمزها أمير المؤمنين) هي التي انتصرت أيضاً وفي الأساس على الإسلامويين الجدد.
إنّ الأعرق بالمملكة المغربية من أحزاب الاستقلال والأحرار والأصالة، يتمثل في الثلاثة الدينية التقليدية المعلنة: المذهب المالكي، وتصوف الجُنيد، والأشعرية. وهي ثُلاثية أُتيح لها المجال للازدهار والتجدد، عندما لم تقع (كما في المشرق) تحت ضغوط مشكلات تجربة الدولة الوطنية، ومطامح العسكريين، والديكتاتوريات السلطوية، واستنزافات وإثارات السياسات الدولية. لقد استغلّ عتاة الصحويين والجهاديين، كل هذه الظواهر ليضعوا كل الأعباء على عاتق الدولة الوطنية المتغربة، والإسلام التقليدي المستعصي على الحداثة. أما المغرب فإنه دخل في الحداثة وفي الملكية الدستورية، وفي تجارب التعددية الحزبية، دونما غربة مع الإسلام الذي احتضنته إمارة المؤمنين (وهو احتضانٌ متبادل)، وما أعاق التقليد الديني المحتضَن الحداثة، كما لم يُعق التجربة الديمقراطية. لقد كان زعماء الحركة الوطنية الاستقلالية مع الملك محمد الخامس، هم أنفسهم زعماء التقليد الديني والتجديد الديني. ولهذين السببين: السكينة الدينية الإصلاحية، ورُشد الملكية الوطنية وكبار السياسيين، أمكن أن تكون للتجربة المغربية فرادتُها، من دون أن ينفي ذلك إمكان الإفادة من نموذجها للاحتضان والانسجام، في مواطن أُخرى في العالمين العربي والإسلامي.
إنّ مهمة الدولة الوطنية في عالمنا، وفي كل العالم هو حُسْنُ إدارة الشأن العامّ، بينما زعم صحويو وهوياتو المشرق والمغرب أنّ الدين يملك مهماتٍ سياسية لا يستطيع غيرهم إحقاقها بوصفهم حَمَلة الدين الصحيح والوطنية الحقّة! لقد نجحوا شعبياً في المشرق، وبعض بلدان العالم الإسلامي، للأسباب السالفة الذكر التي عانت منها الدول الوطنية. وقد شاء البعض في المغرب حاملين ذلك الوعي المشرقي المأزوم، تقليد الصحويات، لكنّ نجاحهم كان نسبياً ومحدوداً. وهم إنما أفادوا في ذلك من التوترات التي حدثت في تجربة الدولة الوطنية بتلك الأصقاع. وعلى الجناح المكسور لتلك التوترات تقدموا، فلما انقضت ظروف التوتر، واستقامت التجربة في عهد الملك محمد السادس، رأس المؤسسة الدينية، ورئيس الملكية الدستورية، والتعددية السياسية، انقضى زمن الصحويات، وعاد التقليد الديني العريق، والوعي البارز بالشأن العام والصالح العام إلى الانتصار. ما عاد استغلال الدين ممكناً، ولا الإثارة السياسية باسمه قابلة للنجاح.
تعرف الكثرة الكاثرة من الأمة المغربية أنّ دينها مصونٌ وعزيز، كما تعرف أنها تملك إدارة شأنها العامّ والصالح العام بالحكومات المنتخبة والتي تتغير أو تتعدّل من خلال صناديق الاقتراع في دوراتٍ متعاقبة ومنتظمة. كما يعرف الجمهور المغربي أنه يمتلك المراقبة والمحاسبة والتغيير وليس الانتخابات فقط، ولكن بالعمل المنتظم والمقنّن في سائر المؤسسات أيضاً. وبهذه الممارسة الراسخة على شتى المستويات يظل ممكناً تجاوز سلماً السياسيين المستفيدين من التوترات الدينية والإثنية والجهوية.
ما من تجربة سياسية كاملة النجاح في العالم، ولا سيرورتها مضمونة النتائج. لكنّ العاهل المغربي ما اعتقد ذلك ولا استكان إليه، بل بذل جهداً مضنياً من أجل المصالحة الوطنية في مطلع عهده، وعانى معاناة كبيرة في تحقيق الإصلاح لمدونة الأحوال الشخصية رغم اعتراضات الصحويين وأهل الجمود، وأخيراً وفي أخطر سنوات المشرق والعرب (2011) حقق تعديلاً دستورياً إصلاحياً لتمتين عُرى التعددية. وبقي بالطبع المعارضون الراديكاليون من اليمين واليسار، لكنهم شهادة للنظام المغربي وليسوا عبئاً عليه.
أتردد على المغرب منذ أربعين عاماً وأكثر. لكنني في عام 2019 شهدتُ بالمصادفة زيارة البابا فرنسِس للمملكة. لقد تابعتُ عرض الملك والمسؤولين عن التجربة المغربية للاعتدال الإسلامي، والمنشأة التعليمية والتربوية الكبيرة التي أُقيمت للكوادر الدينية التي استضافها المغرب من أفريقيا. واستمعتُ إلى خطاب الملك، وإلى الوثيقة المشتركة التي أصدرها مع البابا. وشعرتُ بالاعتزاز لهذا الامتلاء بالتسامُح والتعارف والسلام والثقة.
لقد رأى إصلاحيون كبار وبعضهم مغاربة أنّ الاختلال الحاصل في علاقات الدين بالدولة، علّتُه التقلد الديني، كما رأى آخرون أنّ ظواهر الصحويات والجهاديات علّتُها عدم تجديد الخطاب الديني. ولأنني أُتابع منذ عقود ظواهر ما صار يُعرفُ بعودة الدين، والثوران على الدول الوطنية باسم الإسلام؛ فقد أدركتُ بمتابعة تجربة «الاحتضان المتبادل» بين الدين والدولة في المغرب أنّ الدين لا يتوتر ولا يصير عُرضة للاستغلال بسبب التقليد المذهبي أو العَقدي أو التصوف؛ بل للتأزم في التجربة السياسية، والفشل في إدارة الشأن العام.
لقد صرنا شديدي الحساسية في المشرق تجاه تغولات الجهاديين والصحويين على الدول وفي المجتمعات بسبب أحداث العقود الثلاثة الأخيرة في ديارنا وعلى العالم. ولذلك رأيتُ أن أعرض نموذجاً لإمكانيات التحرر من تسييس الدين، عن طريق الانتظام في عمل الشرعية السياسية، والذي جلب سكينة في الدين، على وقْع ثقة الجمهور بتدبير الشأن الديني، كما يسمي الإخوة المغاربة سياسات إدارة الدين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتخابات المغرب وفشل الإسلام السياسي انتخابات المغرب وفشل الإسلام السياسي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon