توقيت القاهرة المحلي 17:17:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أميركا والغرب ونقائض الخير والشر!

  مصر اليوم -

أميركا والغرب ونقائض الخير والشر

بقلم: رضوان السيد

قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في حديثٍ لا سياق له: إذا امتلكت إيران السلاح النووي فسوف تدمّر إسرائيل! وهذا كلامٌ لا معنى له لافتقاره إلى أي معقولية. فإيران لن تمتلك السلاح النووي، وإذا امتلكته فلن تدمّر إسرائيل، بل ربما تسبق إسرائيل إلى ضربها، وقد اشتهر أمر ضربات إسرائيل الاستباقية في الأشهر الماضية. لكنْ لماذا يقول ترمب هذا الكلام الذي زعمتُ أنه لا سياق له لشدة عبثيته، بينما الحقيقة أن له سياقاً هو الانتخابات الرئاسية الأميركية في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. فربما أراد الرجل إثارة مخاوف الإسرائيليين ويهود أميركا ليُقبلوا على انتخابه بوصفه الأقدر على حماية إسرائيل! وفي الواقع فإنّ سياسات ترمب نفسه وقراراته في فترة رئاسته -ومنها خروجه من الاتفاق النووي المبرم أيام أوباما 2015- هي التي قادت إلى زيادة التوترات، واستعصاء إيران على الانضباط بعد تخلّي ترمب عن التزامات الولايات المتحدة تجاهها.

إنما ما الذي أدى إلى هذا التردي في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران؟ ومتى بدأ التباعد بعد ثورة عام 1979؟ هل هو احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين في سفارتهم بطهران، أم هو الموقف الأميركي في الحرب العراقية - الإيرانية، أم هو التنافس على العراق وسوريا واليمن وبحارها، أم هذه الأمور كلها معاً؟!

كل المشكلات التي أثارتها إيران في المنطقة كانت تعلّلها بالعدوانية الأميركية والحصار المفروض. لكن من جهةٍ أخرى كان معظم المحللين للسياسات الأميركية تجاه إيران طوال عقود يذهبون إلى أن الأميركيين يريدون استيعاب إيران وليس كسرها. بيد أن وقائع الأشهر العشرة الماضية أوصلت العلاقة بين الدولتين إلى حضيضٍ لم تبلغه من قبل. وإذا تأملنا هذه الوقائع نجد أن إيران هي التي تمارس انضباطاً من نوعٍ ما تجاه أميركا وإسرائيل، في حين يسارع الإسرائيليون إلى التصعيد وتدعمهم الولايات المتحدة دونما تردد. وفي حين يدلي المسؤولون الإيرانيون بتصريحاتٍ شديدة الهول لا تؤيّدها تصرفاتهم الشديدة الحذر، يضرب الإسرائيليون والأميركيون سراً وعلناً غير آبهين بردود الأفعال الإيرانية، وتصرفات الميليشيات الإيرانية المنتشرة في المنطقة!

من أين يأتي هذا الانفلات الأميركي والإسرائيلي الذي لا يحسب حساباً لإمكانيات إيران وقدراتها؟ يأتي بالطبع من الإحساس بالتفوّق بالسلاح وبالرجال، وكتائب البر والبحر والجو. لقد اعتاد العالم على الأخطاء الأميركية الكبرى وسوء التقدير المستمر والمتلاحق. والعالم معتادٌ أيضاً على الندم وشدة المحاسبة من جانب الإعلام والرأي العام بعد كل حربٍ فاشلة منذ الحرب الكورية (1950-1953) وإلى حرب فيتنام وحرب العراق وحرب أفغانستان والآن الحرب الأوكرانية وحرب غزة. لكنْ من جهةٍ أخرى فإن الأميركيين لا يبدو أنهم يتعلّمون من مآلات التصرفات الهوجاء، ربما لأنّ خسارتهم تظل نسبية، ويبقى الأبرز أنّ القوة الأميركية الساحقة تجعل الخصوم قبل الحلفاء ينسون الانتكاسات، وأنهم يعيدون الكرّة بعد الكرّة من دون تفكيرٍ كثير.

والواقع أنه بسبب ذلك تكثر التمردات على السطوة الأميركية، وتزداد السوداوية تجاه أميركا والغرب ومصائرهما. هناك اتجاه لدى الاستراتيجيين والمفكرين الكبار وبسبب سياسات القوة المتزايدة للذهاب إلى أن «القوة الناعمة» الأميركية تضاءلت أمائرها وآثارها، في حين ما عادت القوة العارية تتمكّن من إخضاع الخصوم أو إرعابهم. أميركا سيد العالم في القرن العشرين -حسب هؤلاء- ما عادت قادرةً ولا مُريدةً للمراجعة والتعقل، وصارت الحروب هي الحلّ الأسهل. وإنه ليبلُغُ من تضاؤل الهيبة الأميركية واستشراء العجز لدى الخصوم في الوقت نفسه، إقدام الروس على التهديد بالنووي عند كل مفرقٍ من مفارق الحرب على أوكرانيا!

يتحكّم الغربيون وعلى رأسهم الولايات المتحدة بنظام العيش ونظام العالم، وكأنهم على وعي أنّ تغيير نظامي السيطرة هذين غير ممكن، سواء بالنووي أو بغير النووي.

يقول أمين معلوف في كتابه العجيب «متاهة الضائعين، الغرب وخصومه»: علمني تفحصي للتاريخ أن الذين يُرسون سلوكياتهم على الكراهية المنتظمة للغرب، ينحرفون عموماً باتجاه الهمجية والتقهقر، وينتهون إلى تقليص حجمهم وأهميتهم، وإلى إنزال العقوبة بأنفسهم!

هل أميركا هي «المدينة المختارة على الجبل» أم هي التي قال عنها رئيس المكسيك الأسبق إنه من سوء حظ المكسيك أنها بعيدة عن الخالق قريبة من أميركا؟ الأحرى الذهاب إلى ما ذهب إليه الفيلسوف نيتشه في سياقٍ آخر بالطبع إنها فيما وراء الخير والشر!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا والغرب ونقائض الخير والشر أميركا والغرب ونقائض الخير والشر



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon