توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاستعصاء على التغيير بالانتخابات!

  مصر اليوم -

الاستعصاء على التغيير بالانتخابات

رضوان السيد
بقلم- رضوان السيد

في معظم الأنظمة السياسية في العالم؛ تشكّل الانتخابات النيابية والرئاسية آلية سلمية للمشاركة الشعبية في السلطة في البلدان والدول المستقرة، كما أنها في ظروف التأزم تصبح مَخرجاً من الأزمات باتجاه التغيير السلمي واستعادة الاستقرار. بيد أنّ هذا الأمر لا ينطبق على واقع معظم الدول العربية وبخاصة دول الاضطراب أو عدم الاستقرار. والشاهد الحاضر على ذلك الانتخابات في ليبيا التي صار مؤكَّداً أنها لن تجري في موعدها. والطريف أنّ معارضي إجرائها أو دعاة تأجيلها هم أولئك الذين كان ينبغي أن يكونوا دُعاة الإجراء العاجل: المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة! أمّا مجلس النواب الممدِّد لنفسه فهو منقسم الذهن والتصرف بين الإجراء وعدمه. وبخاصة أنّ رئيسه مرشَّح هو نفسه لمنصب الرئاسة ولغيره إذا تعذر!

كل بلدان الاضطراب أو الثوران العربي، تظل ثائرة أو مضطربة ومع أنّ الجميع يقولون بالانتخابات مَخرجاً؛ فهي إما تؤجَّل، وإذا جرت فإنّ غير الفائزين فيها يُنكرون نتائجها ويعدّونها مزوَّرة وهذا الذي حدث في العراق، أما في سوريا فإنّ الانتخابات بشقيها الرئاسي والنيابي تشكّل شاهداً على استعصاء التغيير واستمرار التأزم. وحتى في تونس، وهي البلد الثوري الوحيد الذي انتظمت فيه الانتخابات، قرر رئيسه فجأة إيقاف النظام السياسي وانتهاج مسارٍ جديدٍ ما اتضحت خطواته تماماً بعد عدة أشهرٍ!
باستثناء مصر التي ما دخلت عليها القرارات الدولية ولله الحمد؛ فإنّ الدوليين على العموم -ومن خلال مجلس الأمن والممثلين للأمين العام للأمم المتحدة- هم الذين حددوا المسارات أو ساروا فيها، سواء استطاعوا ذلك أم لم يستطيعوا. ولكي يصبح ذلك ممكناً فإنهم عملوا على إحداث «توافق» سياسي تقاسُمي بين الأطراف السائدة بعد الثورات أو الاضطرابات. ومن خلال التوافق أو ما يشبهه اصطنعوا مفوضية للانتخابات لتكون أداة محايدة في الإجراء، ويجري الاحتكام إلى المحكمة الدستورية في حالات الاختلاف. بيد أن الأطراف المسيطرة بالعراق أو قوى الأمر الواقع، سيطرت أيضاً على مفوضية الانتخابات، وفازت فوزاً ساحقاً في انتخابات عام 2018، وما طال الأمر من بعد حتى ثار جمهور الشباب على قوى السيطرة وحكومة عادل عبد المهدي الضعيفة. وبعد أشهرٍ من الاضطراب العنيف بالشارع وسقوط مئات القتلى سلّم المسيطرون بتشكيل حكومة محايدة وإجراء انتخابات مبكرة، وجرت بالفعل وبإشراف مفوضية الانتخابات، فسقطت كل الأحزاب الفائزة أو أبرزها عام 2018. ومع أنّ الثوار لم يفوزوا، بل فاز حزب مقتدى الصدر (وهو في الأصل من القوى الحاكمة)؛ فإنّ معظم الآخرين في المشهد عدّوا الانتخابات مزوَّرة، وتظاهروا بصخبٍ ولا يزالون، رغم إطباق كل المراقبين على جدية الانتخابات ونتائجها!
إنّ الفرق بين العراق وليبيا؛ أنّ المسيطرين في ليبيا -رغم انقسامهم بين شرقٍ وغرب وجنوب- استطاعوا إيقاف العملية قبل إجراء الانتخابات، وقد بادروا إلى ذلك في الغرب الليبي. وعلى أي حال فإنّ صعوبة المسألة تبينت عندما ترشح لمنصب الرئاسة زهاء سبع وتسعين شخصية، بينهم كل الموجودين في المشهد تقريباً، بل وإلى حضورٍ مفاجئٍ مجددٍ كثيرين منهم سيف الإسلام القذافي، وهو ابن أبيه بالفعل. وهكذا فقد تجرأوا أكثر من قوى الأمر الواقع بالعراق، ودعوا إلى تأجيل الانتخابات، وحجتهم في ذلك مثل حجة العراقيين: المفوضية العامة للانتخابات التي اتهموها بالانحياز أو التزوير وقبل أن تجري العملية الانتخابية!
إنّ عدم القبول بالانتخابات أو بنتائجها هي ظاهرة متكررة ودائمة من قوى الأمر الواقع أو القوى المسيطرة إن لم تكن مسيطرة من البداية وإلى النهاية مثلما يحدث في سوريا والجزائر. والذي يدعو إلى التشاؤم أنّ هذا الأمر يتمدد ولا ينكمش.
ومن مظاهر التمدد تنكراً للانتخابات الأزمة اللبنانية المتطاولة. فقد ثار اللبنانيون متأخرين، أي عام 2019 وليس عام 2011، لكنّ ثورتهم العارمة ما كانت لها نتائج ثورة العراقيين؛ إذ لم يستطيعوا الإرغام على انتخابات مبكرّة. بيد أنّ كل الثائرين وضعوا آمالهم في الانتخابات من أجل التغيير. وأعانهم في ذلك الدوليون وفي طليعتهم الأميركان والفرنسيون، والآن الأمين العام للأمم المتحدة. والواقع أنّ قانون الانتخابات الذي أُجريت على أساسه عام 2018 لا يسمح بتغيير ملحوظٍ وبخاصة في المناطق الطائفية شبه الصافية، وبسبب وجود السلاح بيد «حزب الله».
ولذلك وإن أُجريت الانتخابات فإنّ الشبان التغييريين لن تحقق الانتخابات آمالهم. ولبنان مثل العراق وتونس والسودان من حيث السوء الشديد في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وبخلاف تلك البلدان فإنّ هذا الأمر جديد على لبنان، ولذلك فإنّ العواقب أو المآلات وخيمة، لأنّ الانتخابات لن تغيّر إلى الأفضل، ما دام المسلحون الحاكمون باقين في المشهد. وهكذا فستزداد موجات الهجرة ومساعيها وهي متفاقمة حالياً.
بعد الثورة على البشير وانهيار حكمه قبل عامين، لأنّ الجيش (وربما باتفاقٍ بين كبار ضباطه) ما ظلَّ واقفاً معه. وبتدخلٍ دولي وأفريقي وعربي جرى اصطناع آلية للاشتراك بين العسكريين والمدنيين خلال المرحلة الانتقالية التي تبلغ نهايتها بعد عام. ولأنّ مشكلات السودان بعد ثلاثين عاماً من الحكم العسكري كبيرة وكثيرة؛ فإنّ الطرفين المدني والعسكري نفد صبرهما، فبادر العسكريون إلى التخلي عن الشراكة وإقالة الحكومة المدنية ووضع الأعضاء في الاعتقال أو الإقامة الجبرية! لكنّ الانتقال بالجديد ما صمد أكثر من شهر بسبب الضغوط الدولية ووقف المساعدات للحكومة والناس.
وهكذا عاد حمدوك إلى رئاسة الحكومة، باتفاق، لم يرضَ عنه المدنيون. والأمر الآن لا يقتصر على المشكلات اليومية للتشارك؛ بل هل تنتهي المرحلة الانتقالية بانتخابات بالفعل؟
ليست هناك آلية سلمية للتغيير في بلدان الاضطراب غير الانتخابات إنما مَنْ يُقنع المسيطرين بالذهاب إذا خذلتهم صناديق الاقتراع؟ هذه هي المشكلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستعصاء على التغيير بالانتخابات الاستعصاء على التغيير بالانتخابات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon