توقيت القاهرة المحلي 18:59:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاضطراب العربي بين الدول والتنظيمات

  مصر اليوم -

الاضطراب العربي بين الدول والتنظيمات

بقلم: رضوان السيد

سيطر عليّ منذ بدايات حرب غزة الانطباع بأنّ إيران كانت وراء إثارة هذه الحرب في الأصل بدفع «حماس» باتجاهها. ففي الشهور الأولى من عام 2023 كثر تردد المسؤولين الإيرانيين وفلسطينيي التنظيمات على بيروت للقاء زعيم «حزب الله» الذي تحدث مراراً عن «وحدة الساحات»؛ وفي الوقت الذي كان فيه تنظيم «الجهاد» يقوم بعمليات في الضفة الغربية، ويتساءل المعلِّقون لماذا لا تشارك «حماس» فيها. لكنّ هذا الانطباع يخالفه ظاهراً إصرار إيران على أنه لم يكن لها علمٌ بذلك وهي لا تريد توسيع الحرب، في حين اتجه «حزب الله» (استناداً إلى وحدة الساحات!) لمساندة «حماس» و«الجهاد» في حربهما. ويبقى السؤال إذا كانت «حماس» تتمتع بهذه الاستقلالية المشهودة في قرار الحرب، فهل يتمتع «حزب الله» بالقدر نفسه من الاستقلالية في القرار؟

ما عاد مهماً على أي حال كيف ولماذا بدأت الحرب، وبخاصةٍ أننا نشهد مآلاتها والأهوال التي أدت إليها. فقد استغلّها نتنياهو واليمين الإسرائيلي على النحو الذي شهدناه وشهده العالم للمصير إلى تصفية كل أعداء الدولة العبرية من التنظيمات الفلسطينية إلى «حزب الله» ووصولاً إلى إيران. لكنّ العودة للموضوع من أسبابها هذا التصدع والانهيار الذي تردّى فيه بعض الكيانات العربية نتيجة التدخلات الخارجية. وهي تدخلات بدأتها الولايات المتحدة بالعراق، وتابعتها في ليبيا. ونافستها في ذلك وأفادت منها جمهورية إيران الإسلامية. وقد انفردت لهذه الجهة باصطناع أسلوب أو منهج قوامه إيجاد ميليشيات أمدتْها بالسلاح والإمكانات الأخرى، بحيث استطاع مسؤولوها الافتخار في العقد الثاني من القرن الحالي بالسيطرة على أربع عواصم عربية هي بغداد، ودمشق، وبيروت وصنعاء!

لقد صار تصدع الكيانات الوطنية العربية ظاهرةً تستدعي التساؤل المتكرر. إذ إنّ نسبة التصدع إلى التدخلات لا يُسلِّم بها الكثيرون لافتين الانتباه إلى الاهتزازات التي أحدثها «الربيع العربي» وهي في الأصل ناجمة عن مشكلاتٍ داخلية أدّت إلى التدخلات الخارجية. في حين يلفت آخرون الانتباه إلى الدور الأميركي الذي صار معروفاً في أحداث الربيع العربي بحجة نشر الديمقراطية، وهي الحجة نفسها التي استخدمها الأميركيون في غزو العراق عام 2003، إضافةً إلى أسطورة النووي العراقي. ويحاول فريقٌ ثالثٌ حلَّ اللغز لاختلاف البدايات والتفاصيل بالذهاب إلى الجمع بين الأمرين: الهشاشة الداخلية والتدخل الخارجي! ويذكرون مَثلاً على ذلك ما يحدث في السودان؛ فالاختلاف حول التغيير الداخلي بين الجيش والقوى المدنية شجع بعض الدول المجاورة للسودان على التدخل لصالح ميليشيا «الدعم السريع» من أجل تفكيك السودان والحظوة بغنائم الانقسام!

كان وضع فلسطين مختلفاً بالفعل. فقد دخل إليها - إبّان انقضاء الاستعمار - استعمار استيطاني أسهم فيه العالم كّله، وبخاصةٍ الدول الكبرى بحجة إيجاد موطن ودولة لليهود الذين عانوا معاناةً شديدةً من النازية. وعندما بدأ الفلسطينيون في منتصف ستينات القرن الماضي يحاولون إحياء قضيتهم كان الحرص شديداً على الوحدة في مشروع التحرير، وبمساعدة دول الجامعة العربية جرى إيجاد منظمة التحرير الفلسطينية لتكون جامعةً لكل فصائل النضال. وبعد قرابة الثلاثين عاماً أمكن الوصول إلى اتفاق أوسلو 1993 لاستعادة بعض الأرض وبناء الدولة الفلسطينية عليها. لكنّ الراديكاليين من العرب والفلسطينيين ظلّوا مصرّين على الدولة بين النهر (الأردن) والبحر (المتوسط). وخرجت «حماس» الإسلامية من هذه المعارضة لأوسلو لتستولي على غزة (من السلطة الفلسطينية)، ولتصبح ميليشيا مثل الميليشيات الأخرى المتكونة في لبنان وسورية والعراق... واليمن وليبيا، ولتصبح مثل معظمها في الولاء لإيران. فهل نمضي باتجاه فهمها كما فهمنا الميليشيات الأخرى في الدول العربية المتصدعة؟ هكذا فهمتها إسرائيل رغم الحروب الناشبة بينهما، فقد كانت قبل «طوفان الأقصى» (2007 - 2024) تعتبرها أَولى بالتأييد أو التسليم من أبو مازن وسلطة أوسلو الفلسطينية. وما كانت «حماس» تأبى هذا الانطباع بدليل قبولها الدعم القطري من خلال إسرائيل!

أين وصل الأمر الآن؟ صارت «حماس» ذات شعبية هائلة في فلسطين وخارجها. لكن لا إسرائيل ولا الدول العربية تريدها أن تعود للسلطة في غزة. وقد اتفقت مع السلطة بوساطة الصينيين على حكومة وحدة تكنوقراطية. وتستطيع «حماس» العودة إلى مخالفة الاتفاق كما حصل من قبل؛ لكن قد لا يكون ذلك ممكناً بعدما حدث في غزة.

عندنا إذن فرصة لا تتوافر مع ميليشيات الدول العربية الأخرى: أن يتوحد الفلسطينيون (السلطة والميليشيا) من جديد ببرنامج وطني للعمل معاً لإقامة الدولة الفلسطينية بمساعدة العرب والغرب. فهل تتجه «حماس» لإنفاذ البرنامج في عهد السنوار؟ أم يحدث ما حدث مراراً في ليبيا والسودان وسورية... والصومال: بعد الاتفاق تعود الميليشيا كما كانت؟! الرهان على الدرس الصعب ليس لـ«حماس» فقط، بل ولإيران ونصر الله. إذ بعد مرات الفشل تحسُنُ إعادة النظر للمراجعة والتفكير في البدائل في كل محور الممانعة، أو يكون عشرات الألوف من الضحايا قد ذهبوا ضياعاً ومن دون فائدة. أما الدول العربية الأخرى، وكلها لها حالات وقرارات في الأمم المتحدة، فخلاصها من الميليشيات أصعب من دخول الجَمل «في سمّ الخياط» كما جاء في القرآن الكريم!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاضطراب العربي بين الدول والتنظيمات الاضطراب العربي بين الدول والتنظيمات



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية
  مصر اليوم - نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon