توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روي متحدة والعلاقات العربية ــ الإيرانية

  مصر اليوم -

روي متحدة والعلاقات العربية ــ الإيرانية

بقلم: رضوان السيد

تُوفي صديقي روي متحدة أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة «هارفرد» قبل أسبوعين، فانطوى بذلك نقاشٌ دار بيننا على مدى أربعين عاماً ليس في الأكاديميا والتاريخ والدراسات المشتركة وحسب؛ بل بالدرجة الأولى في العلاقات الإيرانية - العربية قديماً وحديثاً، والهوية الوطنية والقومية، وعِلَل ومقاصد التشابك والاشتباك بين الأمتين أو الثقافتين. وروي من أصل إيراني، لأبٍ بهائي وأم نيويوركية من أصل يهودي. وشأن الأميركيين في التعدد كان متحدة تعددياً ليس في الدين والإثنية، بل وفي الميل الهوياتي واللغوي والعمق الإنساني. بدأ دراساته العلمية بخلاف إرادة والده في الدراسات الإسلامية بين «هارفرد» و«كمبردج» و«برنستون»، ومنذ أكثر من ثلاثين عاماً صار أستاذاً للتاريخ الإسلامي بجامعة «هارفرد». كانت أعماله الأولى عن البويهيين، في القرنين الرابع والخامس للهجرة، حين تمايز الاثني عشرية فقهاً وسياسةً عن الإسماعيلية وعن السنة. لكنه اشتهر شهرةً واسعةً بعد صدور عمله عام 1986 عن نهوض رجال الدين الإيرانيين ووصولهم للسلطة بإيران عام 1979 في الثورة المعروفة، وعنوان الكتاب: «بُردة النبي، الدين والسياسة في إيران». ما بدأت علاقتنا بترجمتي للكتاب إلى العربية (2004) بل بالنقاش منذ عام 1985 عن عِلَل سوء العلاقة بين الإيرانيين والعرب خلال استقطابات الحرب العراقية - الإيرانية (1980-1988). وكما في مقدمته للترجمة العربية لكتابه ما كان متحدة مقتنعاً بالأسباب القومية أو إشكاليات الجوار للاشتباك الشهير.

في نظر متحدة، قومية الشاه ما كانت خطِرة على الجوار حقاً. بيد أنّ خطأه كان اصطدامه برجال الدين من دون داعٍ بعد وفاة الفقيه حسين بروجردي عام 1961. أما النهوض الديني الإيراني فلا يختلف كثيراً عن النهوض الديني في العالم السني، والفرق أنه في إيران كانت المؤسسة هي التي تحرّكت؛ في حين أضعفت الحداثة والعسكريون المؤسسة السنية في العالم العربي وباكستان وإندونيسيا، فحصل النهوض الديني من جانب الحركات الدينية المعارِضة للمؤسسة وللسلطات القومية. وكنت أُسمّي الظاهرة: «إحيائية» Revivalist، تشبيهاً بالاحتجاجيات البروتستانتية، لكنّ روي متحدة كان يرى أن «التقليد» رغم الهجمات عليه من جهات عدة كان لا يزال قوياً وبخاصةٍ في النهوض الديني الإيراني. وكان اعتقاده أنّ النزعة التوسعية ذات البعد التبشيري في الثورة الدينية ستتجه نحو آسيا الوسطى والقوقاز وأفغانستان وباكستان وفيها جميعاً أقليات شيعية قوية. إنما في عهد الخميني كان هناك اتجاه لادعاء الزعامة الدينية العامة في العالم الإسلامي، وشجّعت الحرب العراقية هذا الاندفاع باتجاه العراق الشيعي الأكثرية، ليكون سهماً منطلقاً باتجاه العالم العربي. وعندما لاحظت أنّ الانشقاقات في الإسلام السني لم تلتقِ مع إيران الثورية، جادل في أن اللقاء سيحصل آجِلاً، وبخاصة أنّ إيران رغم الحرب ترفع الراية الفلسطينية لدواعٍ دينية. وقد نبهني مراراً إلى ما ذكره في «بردة النبي» عن عواطف رجال الدين الشبان في الخمسينات والستينات تجاه ثورة الجزائر والثورة الفلسطينية. وأنّ تلامذة الخميني بتوجيهٍ منه كانوا يترجمون أدبيات «الإخوان» إلى الفارسية في الستينات، رغم أن جمال عبد الناصر عدو «الإخوان» كان يدعم ثوران رجال الدين ضد الشاه.

بعد نهاية الحرب العراقية - الإيرانية عام 1988، تصاعدت آمال روي متحدة في عودةٍ تدريجية للعلاقات السلمية العربية - الإيرانية، بسبب سوء سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، وليس بسبب إسرائيل فقط، بل ولفترة الهيمنة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. وقد وصل اعتقاده إلى حالة اليقين في عهد الرئيس محمد خاتمي. ورغم جمود علاقاته بإيران الثورية، فقد بذل جهداً مع الأساتذة الإيرانيين في الولايات المتحدة، كي لا تدعم إيران الغزو الأميركي للعراق. وعبّر عن الأمل نفسه في الندوة التي أقامها «المجلس الأعلى للثقافة بمصر» احتفاءً بصدور ترجمتي لكتابه: «بردة النبي» عام 2004. ليلتها قال له الدكتور جابر عصفور الأمين العام لـ«المجلس الأعلى للثقافة»: لكنّ ذلك حصل، والمعارضون العراقيون القادمون من إيران وسوريا وبريطانيا وأميركا يحكمون في العراق الآن، وإيران من ورائهم مع الأميركيين الغزاة، عندها قال روي على ما أذكر: لسوء الحظ والتقدير يبدو أنهم بذلك ينتقمون لحرب صدّام عليهم في الثمانينات! وما تضاءل أمله رغم كل ما حصل خلال عقدٍ ونصف العقد، ولذلك لامني على ما ورد في كتابي: «العرب والإيرانيون وعلاقات الزمن الحاضر» (2014، 2017) بوصفها وقائع عارضة لا يصح عدّها ظواهر باقية. وعندما التقى السعوديون والإيرانيون في الصين واتفقوا على استعادة العلاقات الدبلوماسية كتب إليّ روي من على فراش المرض والشيخوخة: ألم أقل لك منذ عام 2004 إنه لن يبقى إلاّ الصحيح، فكيف يتآلف الأتراك والإيرانيون ولا يتآلف الإيرانيون والعرب؟!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روي متحدة والعلاقات العربية ــ الإيرانية روي متحدة والعلاقات العربية ــ الإيرانية



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon