توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«طالبان» والطبيعة الدينية للإمارة الإسلامية

  مصر اليوم -

«طالبان» والطبيعة الدينية للإمارة الإسلامية

بقلم - رضوان السيد

التاريخ سلاح ذو حدين إن لم يكن أكثر، وبخاصة عندما يكون المراد فهم عقيدة دينية أو ظاهرة دينية. وفي الأيام بل الشهور الماضية، انتشرت التحليلات الجيوسياسية والجيواستراتيجية والتوقعات بشأن سياسات «طالبان» ومواقف دول المحيط والعالم منها، ولذلك لن أتعرض لها إلا بالحد الأدنى.

رغم كل ما يقال؛ فإن منطقتنا العربية ما عرفت ظواهر دينية مشابهة لـ«طالبان». فحركات «الهوية» بالمنطقة العربية نوعان: صحويات آلت إلى أن تكون تفكيراً وأحزاباً هدفها الوصول للسلطة وبعد «التمكين» إقامة «دولة إسلامية» على اختلاف التسميات والتفاصيل – والنوع الثاني: سلفيات متنوعة آلت أشدها راديكالية إلى أن تكون «جهاديات» على شواكل «القاعدة» و«داعش». ولكي يكون واضحاً ما أقصده فإن هذين النوعين ما شهدا انتشاراً في العالم العربي فقط؛ بل امتد النوعان في سائر أنحاء العالم الإسلامي وفي المهاجر، وبالطبع مع التلوينات الخاصة بكل بيئة. فـ«الجماعة الإسلامية» بباكستان (1941) متأثرة في فكرها وحركيتها بـ«الإخوان المسلمين»، ثم صارت مؤثرة فيهم. وكذلك الجهاديات والإجراميات والراديكاليات الأصغر والأكبر في إندونيسيا وآسيا الوسطى والساحل الأفريقي، تأثرت بـ«القاعدة» و«داعش» مع تلوينات البيئات الخاصة، وآلت أخيراً إلى أن تكون عصابات جريمة منظمة أو غير منظمة مثل «بوكو حرام» أو «أنصار الشريعة»، لكن بعضها لا يزال «يتشرف» بالانتساب إلى إحدى الجائحتين!
فلننصرف لـ«طالبان» وأفغانستان. الألف والنون هما للجمع في الفارسية والأوردية. فالمعنى: الطلاب أو الطلبة أو طلبة العلم (الديني). ومنذ ثمانينات القرن الماضي، لجأ الملايين من الأفغان هرباً من الحرب السوفياتية إلى باكستان ومن المناطق الحدودية معها بالذات، وصار كثيرون يرسلون أولادهم للتعلم في المدارس الدينية الباكستانية. وهذه المدارس (الدينية) نوعان: نوع تشرف عليه الدولة مباشرة، ونوع آخر مستقل لا تحبه الدولة لكنها لا تحظره. والمدارس التي كان معظم «طلبة العلم» الأفغان والباكستانيون وغيرهم يدخلونها ولا يزالون هي من النوع الأول، وإسلامها إسلام على المذهب الحنفي المنتشر بين مسلمي شبه القارة الهندية، وهو تقليدي محافظ من النوع المعروف بالديوبندي، وهو غير الإسلام الإصلاحي الذي ظهر بالهند في القرن التاسع عشر، وغير الإسلام السلفي الذي انتشر في العقود الخمسة الأخيرة في سائر أنحاء العالم الإسلامي. المحافظون المسلمون يعتبرون الإصلاحيين متغربين، ويعتبرون السلفيين مبتدعة لأنهم ضد المذاهب التقليدية السنية؛ لكنهم استقبلوهم بالترحاب عندما جاءوا للقتال معهم ضد الغزاة السوفيات. وبالطبع فإن كثيرين من شباب العلم هؤلاء انضموا إلى تنظيمات لقتال السوفيات، وتوزعوا على فِرَق «المجاهدين»؛ لكن معظم هؤلاء الأوائل كانوا من طلبة المدارس الخاصة ذات الميول السلفية أو الصحوية (الجماعة الإسلامية). وما طالت الفرحة بانسحاب السوفيات، لصراعات «المجاهدين» القاتلة على السلطة، بحيث اضطرب الأمن على حدود باكستان وبداخلها؛ ولذلك بادر الجيش الباكستاني إلى تجنيد الآلاف من شبان السلاح (وليسوا كلهم من الطلبة) وزعموا عليهم خليطاً من المشايخ المعلمين بالمدارس ومن ذوي الخبرة العسكرية من المتقاعدين الأفغان وبعض الباكستانيين، ودفعوهم إلى داخل أفغانستان (1994 - 1996)، حيث استطاعوا السيطرة في مناطق الكثرة البشتونية، ثم مناطق الأقليات الإثنية (الهزارة والطاجيك والأوزبك). وتبقى نقطتان غامضتان وقعتا في أساس سقوطهم: ضآلة خبرتهم في السياسة وإدارة السلطة والعلاقات الخارجية رغم المساعدة الباكستانية - ولماذا هذا الإصرار حتى النهاية على «استضافة» أسامة بن لادن رغم اختلاف الأهداف والمسالك؟!
لنعد إلى أساس المسائل. نعم، باكستان هي التي صنعت «طالبان». لكن «طالبان» صارت بمثابة الحركة الوطنية الأفغانية في تجلياتها ضد الغريب الديني، والغريب الوطني. فالأفغان شديدو الحساسية ضد الغريب الذي قاتلوه على مدى قرابة القرنين. والمعروف أنهم هزموا التدخلات الروسية والأخرى البريطانية. ولذلك ولأن العلماء الهنود وبسبب اكتمال الاستعمار البريطاني ما عادوا يعتبرون الهند «دار إسلام» فقد ظهرت فتاوى للهجرة إلى «دار الإسلام»! وأين كانت؟ في أفغانستان! لقد تجرأ الروس بعد طول حَذَر فتدخلوا عام 1979، فانهزموا عام 1989، ثم تدخل الأميركيون عام 2001 بحجة «القاعدة»، وها هم يخرجون بعد عشرين عاماً.
وكما سبق القول؛ فإن الطالبانيين المتشبثين بالتقاليد مع انضباطية أشد بتأثيرات حركات الهوية الإسلامية الأخرى، هم الأشبه عند السنة بالملالي الشيعة في إيران. ولدى الإيرانيين ثقافة كبرى اخترعت للدولة الدينية صيغة «ولاية الفقيه» التي تربط التقليد العريق بالتجديد الفقهي والديني. ولا كذلك الأمر مع تقليديي «طالبان» غير المبدعين. ففي العبادات والشعائر والأعراف تسود لديهم مواريث الحنفية والقبلية والعُرفية المزعجة في اهتمامها بالتفاصيل. أما فلسفة الحكم العام، فهم لا يزالون عند نظرية الخلافة، ويتصورون أنفسهم ليس أكثر من إحدى إماراتها. وستكون مشكلاتهم الرئيسية داخلية في إدارة شؤون الحكم بمختلف مؤسساته، وتعاونهم وستعاونهم باكستان في ذلك؛ لكن المؤسسات الباكستانية محدثة بدورها. وسيعاني ما يسمى المجتمع المدني كثيراً في أيامهم. وبالطبع هم لن يميلوا لـ«القاعدة» أو لـ«داعش»، لأنهم يعتبرون أنفسهم التقليد الإسلامي الصحيح. ومع أنه لا علاقة وثيقة لهم إلا بباكستان؛ فهم لن يعودوا لخوض صراع مع إيران ولا حتى مع روسيا والجمهوريات الإسلامية المجاورة. فمن تلك الأقطار غُزيت أفغانستان وهم لن يسعوا لإثارة نزاعاتٍ معها. والطرف الذي يمكن أن يستفيد من علاقة مع أفغانستان في عهد «طالبان» هو الطرف الصيني، وقد زار وفد طالباني رسمي الصين قبل شهرٍ ونصف الشهر، ولاقى ترحاباً شديداً. في فيتنام 1975، ورغم كل ما قيل ويقال، ما خسرت أميركا في الجيواستراتيجيا؛ لأن فيتنام ما صارت تابعة للصين. فإذا سيطرت «القوة الناعمة» الصينية المعاونة في أفغانستان؛ فإن ذلك يكون خسارة كبيرة للولايات المتحدة وحلفائها.
هي إذن الصيغة السنية التقليدية (في غير زمن التقليد) للدولة الدينية. وهي تناظر الصيغة الشيعية للحكم الإسلامي في إيران. وما كانت لدى الملالي خبرة كافية في شؤون الحكم عندما وصلوا إليه، لكنهم استخدموا إدارات وخبرات الدولة الإيرانية العريقة. وصحيح أنه ذهب ضحية التغيير الثوري ذاك عدة ملايين من الإيرانيين، لكنه استقر في النهاية، وإن لم يستطع أن يقيم دولة ناجحة.
أما في أفغانستان، فرغم متغيرات العقدين الماضيين، ما صارت هناك مؤسسات قوية ومتجذرة. ولذلك ستكون هناك معاناة كبيرة لدى السكان وبخاصة أن نحو الثلث من الأفغان هم من فئات محدثة. ولذلك أُقدّر أن الهجرة ستتعاظم وهي قوية ومتدفقة حتى إلى إيران المتعبة من هجرات شيعة الهزارة. قلت إنه تجاه الخارج ستكون أفغانستان الطالبانية موضوعية أو محايدة. لكن هل ستعود معارضات الأقليات الدينية والإثنية إلى البروز مثل فترة «طالبان» الأولى؟ هذا يتوقف على سلوك «طالبان» تجاه الشركاء الوطنيين وهو لم يكن ملائماً في فترتها الأولى!
نموذج «الإمارة الإسلامية» لا يُغري بالانتشار أياً يكن ضعف الدول الوطنية المجاورة. لكن هناك دولة دينية ثالثة في العالم هي الطالبانية بعد إسرائيل وإيران. ثم هي الأولى في العالم السني المعاصر!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«طالبان» والطبيعة الدينية للإمارة الإسلامية «طالبان» والطبيعة الدينية للإمارة الإسلامية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon