توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مسألة الغرب ومستقبل العالم

  مصر اليوم -

مسألة الغرب ومستقبل العالم

بقلم - رضوان السيد

«ما وراء الغرب» كتابٌ صدر حديثاً للكاتب الألماني شتيفان فايدنر. وهو مثل عشرات الكتب التي صدرت في السنوات القليلة الماضية، يَقرأ قراءةً تحليليةً نقديةً العالَمَ الفكريَّ الذي كوَّنه الغرب (الأوروبي في الأصل) عن نفسه ونشره في العالَم خلال ثلاثة قرون. وفي العادة، فإنّ هذا النوع من الكتب يبدأ بأطروحات ما صار يُعرف بزمن الأنوار في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
وزمن الأنوار هو الزمن الذي صيغت فيه المُثُل والقيم في المساواة والحرية والتقدم الإنساني، وهي المبادئ التي صارت نظام العالم الفكري والمعيشي، وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية كما تبدو في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1945و 1948) والمواثيق والعهود اللاحقة. ورغم أنها تعرضت لنقدٍ شديدٍ من نواحٍ عدة من جانب الفلاسفة الجدد في فرنسا وغيرها، ف
إنّ انتصار الغرب الظاهر بسقوط الاتحاد السوفييتي وسواد الولايات المتحدة زعيمة العالم الغربي بعد الحرب الباردة، ضرب أطروحات المشككين من الغربيين وغيرهم، وأعاد لتلك الأطروحات التنويرية والنيوليبرالية صدقيتَها وقدراتها على المضيّ في تشكيل العالم المعاصر، بحسب المصالح الكبرى للغرب في فترة الهيمنة الأوحدية (1990-2010).
منذ الأزمة الاقتصادية الكبرى (2008-2010) عادت من جديد الطروحات النقدية المشكِّكة، ليس في الاقتصاد فقط، بل وفي قضايا القيم الحاكمة للنظام. كلام شتيفان فايدنر يتلاقى مع تأملات «عالم ما بعد أميركا» الذي كثر الحديث عنه في دراسات الاستراتيجيين الأميركيين أنفسهم. وهؤلاء يركّزون على الصعود الصيني في الاقتصاد، وعلى ظهور أطرافٍ أخرى في المنافسة وفي الندية، مثل الهند وغيرها. وإلى ذلك تأمُّل الاضطراب في العلاقات الدولية، وتارةً بسبب الاختلالات الاقتصادية الكبيرة، وطوراً بتغيرات المناخ، وأخيراً في سلسلة الحروب الصغيرة والكبيرة، والجدال المتفاقم بشأن العدالة والسلام.
ماذا يعني هذا كله؟ من الباحثين والمراقبين مَن يركّز على تراجع الدور الأميركي في إدارة العالم، وعلى مسائل التفوق الأخلاقي التي كان الغرب بشقيه يعتبرها من المسلَّمات. هذه المسلَّمات ما عاد كثيرون يعترفون للغرب بها، ويطالبون بتعديلاتٍ جذريةٍ في مقاييس القبول والإسهام والشراكة. الصين وروسيا تطالبان بتعدديةٍ قطبية.
لكنّ البعض الآخر من النقاد يشير إلى قيم الحرية والعدالة والسلام التي ما عاد الغرب الصانع يقول بها أو يتصرف على أساسٍ منها. فايدنر، وهو ليس يسارياً، يعتبر أنّ الاختلال آتٍ من الأصول التنويرية ذاتها، ومن الاختلالات القيمية الحقيقية التي شرعنت لسياسات القوة، بحيث صارت «القوة الناعمة» الأسطورية التأثير من دون فعالية. فلو استثنينا التحرك الروسي حيال أوكرانيا، نجد أنّ معظم الحروب تشنها الولايات المتحدة أو حلفاؤها الغربيون في العقود الثلاثة الأخيرة.
وإذا لاحظنا وجود ثورانٍ ديني أو اجتماعي أو أخلاقي، نجد أنه أو أنها كانت في معظمها ردود أفعال على اندفاعات أميركا، وهي تحاول إعادة سيطرتها على العالم، الذي صار التمرد سِمةً كثيرة الظهور في العديد من أجزائه. فالاختلال شاملٌ واستخدام القوة (الأميركية) المفرطة في محاولات إخماد المزيد من الاضطراب يزيد الأمورَ تدهوراً. ماذا يقترح فايدنر في كتابه «ما وراء الغرب»؟ يقترح إعادة النظر في المسلَّمات الفكرية والأخلاقية. لكنّ التصدعات في الدواخل الغربية لا تتيح الفرصة لإعادة النظر بشكل جذري في المألوف والسائد أو الذي كان سائداً. ما عاد الغرب مقنعاً لنفسه ولا للعالم من حوله!
*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسألة الغرب ومستقبل العالم مسألة الغرب ومستقبل العالم



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon