توقيت القاهرة المحلي 17:17:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القمة والأمل الذي لا شِفاءَ منه!

  مصر اليوم -

القمة والأمل الذي لا شِفاءَ منه

بقلم - رضوان السيد

ما عدتُ أذكر متى قرأتُ لأول مرة تعبير: «الأمل الذي لا شفاء منه»! لكنني سمعتُه في المرة الثانية أو الثالثة في محاضرةٍ للاهوتي الكاثوليكي ذي الأصل السويسري هانس كينغ، وكان يعبّر به عن شيء من خيبة الأمل في نتائج مشروعه الشهير للسلام العالمي «لا سلام في العالم إلاّ بالسلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان إلاّ بالتوافق على أخلاقٍ عالمية» (1991). ففي العام 2006، وقد تحول الغزو الأميركي للعراق إلى حربٍ داخليةٍ طاحنة نالت من الدين ومن العلاقات الوطنية والدولية نيلاً شديد الهول، وقع اللاهوتي البارز في حيرةٍ بشأن العلل الحقيقية للحروب، وهل هي الصراعات بين الأديان أم الصراعات بين الدول. ولكي لا تنتهي تأملاته إلى يأسٍ مطبق ختم محاضرةً له عن السلام العالمي آنذاك بالأمل الذي لا شفاء منه في السلام الدائم الذي أمَّل به الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط في رسالته عام 1794.

لا أعرف أمةً في العالم لديها هذه الرغبة العارمة في الاستقرار والسلام مثل الأمة العربية بسبب الآلام التي لا تُحتمل والتي نزلت بشعوبها ودولها خلال العقود الأخيرة على وجه الخصوص. ومؤتمر القمة العربية بمملكة البحرين، قبل يومين، هو دليلٌ على هذا الأمل الذي لا يتوارى ولا يَضعف. ولذا خامرني انزعاجٌ شديدٌ لكثرة ما سمعتُ وقرأت من حملاتٍ على مؤتمر القمة بحجة أنه في كلمات الأعضاء وفي البيان الختامي كلامٌ مكرورٌ ومُعادٌ ولا يأتي بجديد! وهذا الانطباع الإعلامي ليس صحيحاً، وهو ليس أكثر من جلدٍ للذات، بل إنه تعبيرٌ عن التخلّي عن المسؤولية وإيهام بأنّ هناك مَن هو بريء وهناك مَن هو مُدان! لقد أثبتت تجارب العرب والعالم في العقود الثلاثة الأخيرة أنّ مقولة هانس كينغ في أنّ سلام الأديان هو سلام العالم غير صحيحة على إطلاقها. وصحيح أنّ النزاعات ذات العنوان الديني صارت جزءاً من مشكلات العالم. لكنّ الاختلال الكبير الذي تظهر نتائجه في الصراعات الدائرة حدث ويحدث في العلاقات الدولية وفي نظام العالم الذي صدّعته المطامح الاستراتيجية التي استُخدم فيها كل شيء، بما في ذلك الحساسيات الدينية والقومية.

هناك منطقتان في العالم هما الأهم في الموازين الاستراتيجية اليوم وعليهما يدور الصراع: المنطقة العربية التي صاروا يطلقون عليها مصطلح الشرق الأوسط، ثم منطقة الشرق الأقصى. وفي العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة ما بقيت دولةٌ كبرى أو وسطى إلا ودخلت في الصراع على الشرق الأوسط وما وراءه وما حوله، بسبب الثروات وبسبب المديات الاستراتيجية والمحيطات. وقد ناضل العرب طويلاً وما يزالون لدفع الأيدي المتكاثرة من الجوار والعالم للتدخل وإثارة الاضطراب.

ولأنّ دول الخليج استطاعت حفظ استقرارها ونهضت بوحداتها الوطنية، فإنها لم تنكمش ولا تركت المسؤوليات العامة. لقد تدخلت بالقدرات المتاحة لحفظ مصر والأردن، وأطلقت منذ العام 2011 وحتى اليوم مبادرات لاستعادة الاستقرار في البلدان الأُخرى المضطربة. وفي النزاع على فلسطين، كانت وما تزال منذ مبادرة العام 2002 في طليعة العاملين من أجل إقامة الدولة الوطنية هناك، وهي تتقدم على الجميع في الشهور الأخيرة في إمداد غزة بالمساعدات الإنسانية، وفي العمل على المستويات كافة لوقف الحرب، ودخول الأفق السياسي. كل المحاولات لوقف انعقاد القمم العربية لم تؤثر في التماسُك من أجل الحفظ ومن أجل صنع السلام العادل، وأولاً وآخراً من أجل استعادة الدول من الميليشيات وداعميها. نعم مؤتمر القمة بالبحرين هو تعبيرٌ عن أملٍ لا شفاء منه في السلام والنضال من أجل المستقبل الآخر.

*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القمة والأمل الذي لا شِفاءَ منه القمة والأمل الذي لا شِفاءَ منه



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon