توقيت القاهرة المحلي 11:36:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مشكلات اللغة العربية.. واللغة الثقافية

  مصر اليوم -

مشكلات اللغة العربية واللغة الثقافية

بقلم - رضوان السيد

أقامت وزارةُ الثقافة بدولة الإمارات العربية المتحدة و«مركز اللغة العربية» بأبوظبي قمةً لتدارُس مشكلات اللغة العربية. وقد حضرها عشرات الباحثين والشعراء والأدباء والخبراء في التعليم والآداب. كانت الدراسات النظرية والميدانية كثيرة، لكنّ معظمَها خالطَه أسىً عميقٌ على حال اللغة في التعليم والاستعمال اليومي وفي وسائل الإعلام والتواصل وفي الحياة الفكرية والثقافية.
ولستُ أزعم أنّ العربيةَ لا مشكلات عندها لدينا وفي العالم، لكنني أودُّ التركيزَ على أربعة مجالاتٍ، أولها اللغة الثقافية الحديثة، وهي حاضرةٌ وقويةٌ وقد صنعتها في القرن العشرين عدة فئات: الأدباء والمثقفون والمفكرون، والصحافة السياسية والأدبية، والكوادر التعليمية في المدارس والجامعات في المشرق والمغرب، وأخيراً علماء الدين واللغة من كُتّاب البرامج التعليمية في المدارس والجامعات. فمن الفئة الأولى (فئة الأدباء والمثقفين والمفكرين) أتت الصياغات الحديثة في المقالة والكتاب وفي الترجمات إلى العربية من اللغات العالمية الحية. ولكي يكون واضحاً ما أقصدُه أذكر طه حسين وأحمد أمين وأحمد حسن الزيات وآخرين كثيرين من أمثالهم وإن يكونوا أقلّ شهرةً منهم. سمعتُ في مقهى ريش في الستينيات نجيب محفوظ يذكر للشبان الذين كانوا يستمعون إليه، وقد صار معظمهم روائيين وشعراء، أنه تعلّم «العربية الحديثة» من أساتذته بالجامعة. لكن التواضع لا يحول دون التقرير- كما قال - أنه هو وأقرانُه من الروائيين أسهموا في صناعة العربية الحديثة. ثم تطرق محفوظ إلى الفئة الثانية وهي فئة الصحفيين المصريين واللبنانيين وأمثالهم من البلاد العربية الأُخرى والذين جاؤوا إلى مصر وتدربوا أو صارت لهم بيئاتهم الخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. عمالقة الصحافة كانوا أيضاً أدباء، سواءً أكانوا من صاغة الأخبار أم من كتاّب المقالات السياسية. هؤلاء استفادوا وأفادوا. ولا أذكر الفئات الأخرى التي ذكرها محفوظ، لكنْ أذكر أنه قال إنّ الفرق بين الأمس واليوم يظهر في التأثير الكبير للغة الراديو والتلفزيون. إذ لا ينبغي الاستخفاف بتأثير لغتهم في الجمهور وتكوُّن لغة الحديث الواقعة بين الفصحى الكلاسيكية والفصحى الجديدة التي نتحدثها إلى درجة أنني أنا نجيب محفوظ، ولكي أقترب من الجمهور، وقد كتبتُ عشرات السيناريوهات للسينما عن رواياتي، صرتُ لا أستعمل فقط العامية، بل وأستخدم أيضاً على العموم ما صار يُعرف بالعربية المعاصرة.
اللغة التي نستخدمها في محاضراتنا وفي أحاديثنا الثقافية العامة هي لغة هجينة، ليس في تراكيبها فقط، بل وفي مفرداتها. ولهذه الناحية لا أرى أنّ هناك خطراً على اللغة أن تختفي أو تتضاءل استعمالاتُها.
لكنّ المشكلةَ بالفعل في التعليم العام والأساسي بالذات، فالعربية ما عادت لغةَ العلوم في المدارس والجامعات، كما أنها حتى في عامياتها ما عادت لغة الأطفال والفتيان. وقد قال لي فتىً في مدرسة خاصة إنه رغم الجهد الكبير الذي يبذله معلِّموهم، فإنّ تعلُّم الإنجليزية يبقى أسهل من تعلُم العربية! ولماذا يبدو ذلك للفتى؟ لأنهم في المنازل أيضاً (لدى أبناء وبنات الطبقات الوسطى) يتحدثون بالإنجليزية أو الفرنسية، وربما خلطوا في الجملة الواحدة بين ثلاث لغات أو مفردات من ثلاث لغاتٍ! ونحن نعلم أنه هناك وفي معظم الدول العربية تُبذل جهودٌ جبارةٌ في ترقية التعليم، ومن ضمن الاهتمامات البارزة اللغة العربية، لكنْ في غير التعليم الديني والدراسات الإسلامية، لا يبدو أنّ هناك أملاً في أن تعد العربية لغةً أولى في التعليمين الأساسي والجامعي!
ولنمض باتجاه رسائل التواصل ودورها المتعاظم في حياتنا جميعاً وبخاصةٍ الأطفال والفتيان. زميلنا الألسني نادر سراج يقول إنّ هذه اللغة الإشارية والاختزالية سادت وما عاد الخروج عليها ممكناً، وصلتها بالعربية الحديثة (لغة طه حسين!) واهية أو ضعيفة سواء في المفردات أو التراكيب. وعندما ذكرتُ له الحاسوبيات الصاعدة ضحك: ليتَها تعين على لغةٍ عربيةٍ حاسوبية، فحتى هذا صار صعباً!
لا يخلو بلدٌ عربيٌّ اليوم من جهاتٍ عديدة تُعنى بالعربية وتخاف عليها، وتَصنع من أجلها المستحيلَ لكي تبقى قيدَ الاستعمال في التعليم وفي الكتابة الأدبية والفكرية والسياسية. لكنّ هذا شيء والواقع الثقافي والاجتماعي شيء آخر.
*أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشكلات اللغة العربية واللغة الثقافية مشكلات اللغة العربية واللغة الثقافية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:36 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد
  مصر اليوم - مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon