توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

زمن الدولة الوطنية لا زمن الهويات!

  مصر اليوم -

زمن الدولة الوطنية لا زمن الهويات

بقلم - رضوان السيد

 بدأ نقد «الخطاب الاستعماري» في الستينيات والسبعينيات حين لم تكن الهويات المتعملقة قد ظهرت بعد. كان الزمن وقتَها زمن الاستقلالات وحركات التحرير، فالهمُّ كان جمع الناس في دولةٍ قوميةٍ أو شبه قومية للخروج من الاستعمار وسيطرته والخطابات التي كانت تنتشر في المناطق المستعمَرة. لكنْ حتى في ذلك الزمان، كانت هناك الأطروحات الموروثة من القرن التاسع عشر والتي تذهب إلى أنّ «المجتمعات الشرقية» مجتمعاتٌ انقسامية، بينما المجتمعات الأوروبية مجتمعاتٌ قوميةٌ أو اندماجية.
لذا فقد انصرف المفكرون النقديون من اليساريين وخصوم «العلوم الاستعمارية» من السوسيولوجيين والأنثروبولوجيين إلى نقد الأطروحة الانقسامية في الاجتماع والأنثروبولوجيا، ومن ذلك نقد إدوارد سعيد لخطاب الاستشراق، ونقد طلال أسد لأنثروبولوجيا الإسلام التي حمل لواءَها كلٌّ من إرنست غلنر وكليفورد غيرتز. وقد تشعبت القراءات النقدية لخطابات العلوم الاستعمارية حتى صارت تُعرف بدراسات التابع Subaltern والتي يسير فيها مفكرون من الهند وأميركا اللاتينية وأفريقيا.  
  وأذكر كم أثارت سخطنا في التسعينيات دراسة حنا بطاطو الواسعة عن العراق، والتي ذهب فيها إلى هشاشة المجتمع بل المجتمعات العراقية. فقد كان السيوسيولوجي العراقي المعروف علي الوردي قد حدّد الانقسام في العراق بأنه بين البدو والحضر، وأنّ الدولة الحديثة الناجحة سوف تُزيله. بينما كان المفكرون القوميون العرب يذهبون إلى أنّ العرب هم من أكثر شعوب العالم توحداً حول هويةٍ جامعة. وفي العقود الأخيرة، تصاعدت مشكلاتُ الهوية في كل أنحاء العالم. لكنها ظلت حتى الآن في معظمها سياسية في أوروبا وأميركا، بينما اتخذت طابعاً أعمق في المجتمعات التي ظلّت تُسمَّى شرقية.
وهناك ضغوطٌ لا تُنكر بشأن الهوية القَبَلية والأخرى الدينية في بلدان أفريقيا وآسيا، لكنها لا تظهر ولا تترتب عليها آثار تقسيمية إلاّ في الدول الضعيفة، أمّا في الدول القوية فإنّ الهويات التمييزية والتمايزية تظلُّ ضعيفة، أو تجد لها حلاًّ في صيغ مثل الدولة الاتحادية. وهناك حلول تاريخية في دولٍ مثل سويسرا وبلجيكا قديماً، وفي كندا حديثاً. وهناك تعددٌ في الهويات الإثنية في بلدٍ شاسعٍ مثل إندونيسيا، وإلى حدما في تركيا أيضاً، غير أنّ الدولة فيهما قوية فلا تضيرها كثيراً التمايزات الإثنية أو الدينية.  
  لكن لنلتفت إلى البلدان التي تعملقت فيها الهويات التمايزية أخيراً مثل السودان والصومال وبعض بلدان آسيا الوسطى والقوقاز وحتى لبنان. ففي عددٍ من هذه البلدان، أمكن للهويات الانقسامية أن تستقل أو تصير لها كيانات كونفدرالية. لا تستطيع أي دولةٍ أن تقوم على أوحدية الهوية. ونموذج باكستان ظاهرٌ للعيان.
فقد انقسموا عن الهند باسم الهوية الإسلامية، لكنهم ما لبثوا أن صاروا دولتين: باكستان وبنغلادش، لأنّ الدين الواحد ما استطاع عصمتهم من تضارب الهوية الإثنية بين البنغال والبنجاب والسند. وقد تنشأ دُوَلٌ من أجل الهوية مثل  ولبنان، لكن ذلك لا يحدث إلا في دولة فاشلة. وبسبب التدخلات من الدول المجاورة، أو من الدول الكبرى تنقسم الهوية على نفسها. وعندما تكون الدولة ضعيفة، أي لا تكون دولة مواطنة، فإنّ الانقسامات لا تنتهي. ولذا لا خيار بين الهوية أو دويلات الهويات وبين الدولة القوية القائمة على تعدد الإثنيات.
انقسم جنوب السودان عن شماله، والآن وفيما وراء الصراع الدائر بين الجيش والدعم السريع، فإنّ إقليماً مثل دارفور، وتحت وطأة الظروف، يمكن أن يتحول إلى دولة بسبب الصراع بين ذوي الأصول الأفريقية والعربية.     لن تجد المجتمعات متعددة الهويات حلاًّ في الانقسام، لأنها ستزداد انقساماً مهما صغُرت، ويبقى الحلّ في دولة المواطنة التي تتعايش هوياتها في ظلّ الدولة الاتحادية القوية، مهما كانت الهويات متعددة.
*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن الدولة الوطنية لا زمن الهويات زمن الدولة الوطنية لا زمن الهويات



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon