توقيت القاهرة المحلي 10:58:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصحويات الدينية والتأثيرات المتبادلة والعولمة

  مصر اليوم -

الصحويات الدينية والتأثيرات المتبادلة والعولمة

بقلم - رضوان السيد

سمعت متأخراً مقابلة المديفر في برنامجه مع خالد العضّاض وهو يروي وقائع تجربته مع السرورية، أحد تيارات الصحويات. وما كنت أعرف الكثير من التفاصيل المفزعة والتي لا تعليل لها إلاّ ظهور وجوهٍ من الوعي في أوساط المتعلمين المتدينين شكَّلت انشقاقاتٍ في التفكير والتصرف أضرّت بالدين والمجتمعات والدول الوطنية.
لقد انقضت تلك التجارب المؤسِّسة أو كادت بعد سقوط الاستيلاء الأصولي خلال ما صار يُعرف بالربيع العربي. بيد أنّ الدراسات خارج المجالين العربي والإسلامي انصبّت في السنوات الأخيرة على التأثيرات المتبادلة بين الصحويات والدول الديمقراطية والعلمانية. وهي ظواهر ذات شقين: يتعلق الأول باستعانة السياسيين في دول مثل أميركا والهند بالتيارات الدينية في الانتخابات، والشق الثاني سياسات الكثير من الدول تجاه الصحويات والإحيائيات في بلداننا بحجة الحريات الدينية والسياسية وأحياناً من دون حجة غير الضغط على إدارات الدول لبلوغ أهداف معينة في سياسات تصريف الموارد والسياسات الخارجية.
في هذا المجال كنت أعتمد في العروض الاستراتيجية وسياسات الدين على كتاب سكوت هيبارد «الدول العلمانية وسياسات الدين» 2007. وهو يدرس التأثيرات المتبادلة بين الأحزاب السياسية والصحويات الإنجيلية والهندوسية في الولايات المتحدة والهند. وهو يذهب إلى أنه ما كانت للسياسات الحزبية أدوارٌ في صعود الأصوليات في القرن الماضي وأمام تصاعد التنافس الحزبي مضت الأحزاب باتجاه كسب أصوات المتدينين الانشقاقيين أو الجدد. وقد كسب كارتر أصوات الكنائس البروتستانتية الكبرى، أما ريغان ومن بعده من الجمهوريين فقد كسبوا أصوات أولئك الجدد. وهو الأمر الذي حصل مثله في الهند في التنافس بين حزب المؤتمر وحزب «بهاراتيا جاناتا» -مع أنّ قيادة حزب المؤتمر صارت منذ الثمانينات تحسب حساباً للصعود الديني- القومي في أوساط الأكثرية الهندوسية الدينية.
وبين يدينا الآن دراسات كثيرة أهمها لبوتنام ولوكا أوزانو وأنزو باتشي. وهي تعتمد الإحصاء لجهتين: جهة زيادة عدد المتدينين، وجهة تسييس المتدينين وتحزُّبهم لطرفٍ أو أطراف معينة. أما بالنسبة لتدخل السياسات في نصرة هذا التيار أو ذاك في بلداننا فيستخدم الباحثون الاستطلاعات التي تعتمد تصريحات الدبلوماسيين وتحركاتهم ونشاطات جماعات المجتمع المدني، والاستشكال في مسائل الحريات الدينية والمدنية.
لماذا الاهتمام الآن بهذه الظواهر؟ بسبب استمرار ظهور الديني وتأثيره في السياسي، وبسبب اندلاع الشعبويات الواقعة بين الديني والقومي، وبسبب السيولة القابلة لكل تأثير في بلدان العالمين العربي والإسلامي.
لوكا أوزانو في كتابه «أقنعة الدين السياسية... الدين والأحزاب السياسية في الديمقراطيات المعاصرة» يدرس ظواهر التبادل في التأثير في الهند وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهو يرى بعد طول تأمل أنّ تحولاً حصل بالفعل في الهند أيام رئيس الوزراء الحالي حيث استولى «الديني- القومي» أو «القومي - الديني» على السياسات الداخلية، وصارت الأحزاب الكبرى والمحلية واقعة تحت تأثيره. أما في تركيا فإنّ إردوغان صعد على ظهر المتدينين الجدد وأشباه الإخوان وفتح الله غولن، لكنه صار الآن يتجاوزهم جميعاً بعد أن متّن علاقاته بفقراء الأناضول والفئات الوسطى في المدن، وبدا مصارعاً في الإقليم والمجال الدولي؛ وإن كانت تحليلات أوزانو تقول إنّ شعبياته أكبر من شعبيات حزبه! فإذا بحثنا النهوض الديني في تركيا ندرك أنه صار عادياً بعد أن كان ارتداء غطاء الرأس ثورة هائلة. وإذا كنا نعرف أن إردوغان تلاعب بالإخوان ومعهم ضد مصر، أدركنا أنّ الدولة والنظام السياسي يملك أوراقاً يلعبها بالدين وتجاه الخارج أكثر مما هو تجاه الداخل. في الداخل وبعد أن انتهى زمان الرمزيات، صار لا بد من الاستنصار بسياسات المصالح، والأخرى الوطنية والقومية، وهو في ذلك مثل الأحزاب الأخرى العلمانية، التي لا تتظاهر بالنزوع الديني، فتقع في الإحراج عندما تضطر للتخلي عنه كما وقع لإردوغان مع إسرائيل ومع النظام السوري.
ويتابع لوزانو الأمر في السياسات الإسرائيلية فيجد أنّ الصراع الحزبي الهائل دفع الأقليات الدينية المتطرفة إلى الواجهة بحيث بدت أكثرية توشك أنْ تغيِّر وجه الدولة القومية والعلمانية أكثر من الهند بكثير. ويناقش كلٌّ من لوزانو وبوتنام مشكلات المخرج فيعدّان أنها موجودة بتغيير قانون الانتخاب، وحرمان أعضاء الأحزاب الدينية من الامتيازات؛ إنما مَن السياسي الذين يجرؤ على ذلك ولو كان من العلمانيين؟! ثم إنّ المتدينين الجدد هؤلاء يقتربون بعض الشيء من القوميين بخلاف السابق. وكلا الفريقين يجد عدوه في العرب وراء الخط الأخضر وأمامه، وعددهم يصل إلى عدد اليهود وأكثر إذا عددناهما معاً وهو التوجه الخطر الذي يسير نحوه الإسرائيليون المتطرفون.
أما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فإنّ أحزاب الإسلام السياسي إلى تراجع، وآخرها ما حصل لحركة «النهضة» في تونس. لقد حظيت تلك الأحزاب؛ من ليبيا إلى المغرب وتونس والجزائر بفرص واسعة، لكنها فشلت في الإفادة منها. ولذلك فهي تتجه إلى الخفوت. والحالة الأوضح في هذا المجال حالة المغرب، حيث حكم الإسلاميون عشرة أعوامٍ وأكثر ثم خسروا في الانتخابات خسارة أسطورية.
وتبقى حالات لم يبحثها لوزانو في المجال البوذي في ميانمار وجوارها. لكن في هذه الحالة لا يمكن التمييز بين الدولة والجيش من جهة، وظهور العصبية البوذية بالفعل من الجهة الأخرى.
وتبقى الظاهرة الأميركية للإنجيليين الجدد. وهي ظاهرة تتسم ببعض الثبات منذ تزعُّم بيلي غراهام قبل أربعين عاماً. فميزة النهوضات الإنجيلية أنها تتحول إلى مؤسسات فلا يعود من الممكن التمييز بين أزمنة النهوض والهبوط أو السقوط. وهنا ينبغي التمييز بين الصحويات والشعبويات. فالمحافظون الدينيون أو المتشددون كان دعمهم لترمب متوسطاً. ودعمه التيار الشعبوي الذي التفّ حول شخصيته الكارزمية. والشعبويات غير الدينيات، وإن تقاطعت الأجندات في مثل منع الإجهاض وإلاّ فإنّ المطالب الشعبوية خاصة وانكماشية؛ والمطالب الإنجيلية عمومية وتبشيرية ومسيانية أحياناً. وعلى أي حال فإنّ فوز بايدن يدل عند بوتنام على هدوء موجات التطرف الإنجيلي وإن لم ينتهِ، بل هو ربما يبحث عن بطلٍ جديد!
ما صنعت الدول الديمقراطية الصحويات لكنها أفادت منها. ثم إنّ تلك الصحويات انقلبت عليها في مثل أفغانستان والعراق. أما في المجال العربي والإسلامي فإنّ الدول الوطنية عانت من هياج الصحويات السياسية والجهادية. وقد تصدعت الموجة وتراجعت لكنها لم تنتهِ، ولم تعد تستطيع اعتراض سبيل الدولة الوطنية الناهضة. أما لماذا كان ذلك كلّه؟ فيُعيد أهل الاستطلاعات ذلك إلى «العولمة» التي تشرذم الكبريات وتخترع الهويات الصغيرة والمتشددة. وهو كلام عام لا يبعث على الاقتناع رغم كثرة ظواهر التغيير الديني الهوياتي بالفعل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصحويات الدينية والتأثيرات المتبادلة والعولمة الصحويات الدينية والتأثيرات المتبادلة والعولمة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon