توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاضطراب في القضاء والمال العام!

  مصر اليوم -

الاضطراب في القضاء والمال العام

بقلم - رضوان السيد

يقال إنه في حالات الاضطراب السياسي تظل المعالجة ممكنةً ما لم يتطرق الفساد إلى القضاء والمال العام. لكنّ هذا هو ما حصل في كل دول الاضطراب العربي!
فقد تسرّب الاضطراب في لبنان بعد الفساد السياسي إلى مصادر وموارد المال العام وإلى القضاء، فقد كان الحديث كثيراً وكبيراً بشأن الكهرباء والهدر الذي نال من مصارفها طوال قرابة العقدين دونما إمكانٍ أو قبولٍ للمحاسبة أو الإصلاح في ملف الهدر بالذات. فلما حصل انفجار المرفأ تبيَّن أنّ القضاء مُحاصرٌ تماماً، فما كان ممكناً التحول نحو التحقيق الدولي، شأن ما حصل في جريمة مقتل الرئيس الحريري؛ لأنّ النظام السياسي الذي يقرّر ظلّ بأيدي المتهمين بجريمة الانفجار. وعندما انطلق القضاء بالداخل للتحقيق شابته تعطيلاتٌ وعقباتٌ على مدى سنتين، فما أمكن إيقاف سياسيٍّ واحد، بل ومعظم الإداريين والأمنيين الكبار. وفي الحالتين، وبسبب هشاشة النظام السياسي تدخّل الأجانب، كما يقال، سواء لمحاسبة حاكم المصرف المركزي عن نصيبه في هدر المال العام وسياسات الدولار- وفي القضاء بداعي المساعدة على إعادة السير في ملف المرفأ وضحاياه ودماره. والمَثَل مضروبٌ دائماً بإيطاليا حيث أمكن للقضاء المنطلق في متابعة لارتباطات بين الفساد والجريمة من جهة، والنظام السياسي من جهةٍ ثانية، فرض تطهير النظام السياسي، وذهب ضحية ذلك سياسي كبير (ألدو مورو) وفقدت أحزاب سياسية تاريخية شعبيتها، في حين قتل الضالعون في الفسادَين المالي والسياسي عدة قضاةٍ كبار. ما وصل الأمر إلى هذا الحدّ بعد في لبنان. فأمور الفساد، والتي مضت عليها عقود، هي ذات شبكات وطبقات بالغة التعقيد من جهة؛ بينما يذهب آخرون إلى أنّ القضاء لا يمكن له إصلاح النظام السياسي، وفي العادة فإنّ الذي يحصل هو العكس، لكنه في لبنان بالذات غير ممكنٍ أيضاً.
وعندما كانت الحيرة لا تزال مسيطرةً في لبنان بشأن احتجاز أموال المودعين وتغوّل الدولار على الليرة، ومن أعراض هذاء الداء المريع تهريب الطاقة والدولار إلى سوريا؛ انفجرت في العراق بشأن أسعار الدولار بالذات بما يشبه لبنان. وتبيَّن أنه كانت «تُهرَّب» من العراق إلى إيران يومياً حوالى الثلاثمائة مليون دولار، وأنّ الأميركيين تدخّلوا لمنْعها وقد انخفضت المبالغ المستعصية إلى حوالى الخمسين مليوناً. والوضع في العراق مختلفٌ عن لبنان لجهة رئاسة الحكومة بالذات؛ وإن بقي الداء واحداً. فقد أقدم رئيس الحكومة على إقالة حاكم المصرف المركزي ومدير البنك التجاري؛ باعتبار تداخلهما في مسألة أسعار الدولار وحركته. لكنْ لأنّ المالكي ولي أمر رئيس الحكومة والشديد الولاء لإيران، قال لرئيس حكومته علناً: ما دمتَ عزيزاً على قلب الأميركان، فليتوقفوا عن محاصرة إيران من جهة العراق! وسيذهب رئيس الحكومة إلى أميركا «لتنظيم» المسألة كما يقال. فقد هبّت جماعاتٌ في «الإطار التنسيقي» ضدّه واتهمته بأنه مدخول الولاء وينبغي إسقاط حكومته!
في لبنان فإنّ الأمور الكبرى محكومة بحزب الله ومِن ورائه إيران وسوريا، وبالداخل له أعوانٌ ضالعون في الفساد والجريمة. وفي العراق عادت جماعة إيران للسلطة من خلال رئاسة الحكومة بعد انكفاء الصدر بحيث انكشف الكاظمي وسقط. ولا يعرف أحد لماذا تدخلت الولايات المتحدة الآن بالعراق لمضايقة إيران من هذه الناحية. وسيبقى الأمر في البلدين على ما هو عليه ما لم يكن هناك تدخل قوي بالإصلاح السياسي؛ إنما كيف سيحصل ذلك؟!
وفي سوريا لا يختلف الأمر بالطبع، فالاضطراب لجهات العدالة وإمدادات الطاقة وصَون المال العام، حاصل علناً منذ ما بعد العام 2011. أما القضاء فهو غائبٌ تماماً؛ لكنْ يمكن «معذرة» النظام لجهة إمدادات الطاقة التي يستولي على مناطق منابعها الأكراد والأميركيون. وقد توقفت إيران أخيراً عن إعانة سوريا في مجال الطاقة، وفي مجال القروض. التهريب من جهة لبنان لا يكفي أو لم يعد يكفي حتى مع المخدرات والأمور الأخرى. والحزب هو الرابط في هذه الشبكة الممتدة بين لبنان وسوريا والعراق، أو لبنان والعراق وسوريا! وكما في معظم الحالات، لا يمكن أن يحصل هذا الاضطراب كله إلا إذا كان أصله المشكلات في النظام السياسي. والمشكلات السياسية والاستراتيجية أوضح في سوريا منها في العراق ولبنان. فهناك إلى جانب النظام سلطات عدة تركية وإيرانية وروسية وأميركية وسلطات لميليشيات تابعة لكل هذه الأطراف، بالإضافة إلى تنظيم تحرير الشام في إدلب وبقايا داعش! ولو فرضنا تحسناً في العلاقات بين النظام وتركيا- وهو بعيد- فماذا عن السلطات والميليشيات الأخرى، وبخاصة الأميركان والروس الذين يتصارعون في أوكرانيا، ويمكن أن يمتد صراعهما إلى سوريا. والمعروف أنّ الأميركان يعارضون التطبيع مع النظام السوري بكل سبيل، بينما يتوسط له الروس في كل مكان.
والوضع في ليبيا لا يختلف إلّا في عنصرٍ أو عامل واحد: ليس فيها ميليشيات إيرانية أو موالية لإيران! كما هو في البلاد الأخرى في العراق وسوريا ولبنان... واليمن. لكن فيها ميليشيات تُموَّل من جهاتٍ خارجية عدة. وفيها حكومتان، وإن تكن حكومة الدبيبة في طرابلس مسيطرة على المصرف المركزي؛ في حين يسيطر الآخرون في الشرق على الموانئ النفطية في الوسط. وهكذا بيد كل من الطرفين بالغرب والشرق «رهينة» من أموال البلاد وثروتها. وهم يتصارعون بالفعل كأنهم غرباء يتصارعون على أرضٍ يراد استعمارها! والحجة دائماً الإسراع في إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والتي حتى لو جرت، فيمكن لأي طرفٍ رفض نتائجها! وقد فشلت حكومة الدبيبة أخيراً في عقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب، وكانت تلك خيبة، لكنها تدل على خلافٍ عربيٍّ بشأنها سمح لجهات غربية وشرقية دولية بالتدخل، كما حصل في سوريا.
ولجهة العدالة والمال العام والنظام السياسي، تبقى اليمن. ومشكلتها قد تكون الأكثر وضوحاً وفضيحة. ففي مناطق الحوثي التي تشمل معظم الجهات الحضرية بشمال اليمن لا يسود أي نوعٍ من أنواع الانتظام السياسي. وإلى الفساد الفظيع، هناك الطابع الطائفي الفج الذي تعلّموه من إيران. وهناك الخلاف على النقد وعلى إمدادات الطاقة وعلى النظام القضائي. والأفظع هناك الاتجاهات للانفصالات التي لا تقتصر على الحوثيين.
فيبقى أولاً وآخِراً أنّ مسائل العدالة والمال العام هي أكثر ما يُحسُّ به المواطنون في الأنظمة المضطربة. لكنّ الأساس في الاضطرابات المجالية هذه هو النظام السياسي المضطرب والذي ينشر الاضطراب والفساد والتعطيل في المجالات والمرافق الأخرى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاضطراب في القضاء والمال العام الاضطراب في القضاء والمال العام



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon