بقلم - رضوان السيد
صارت معروفة في وسائل الإعلام الأحداث الطارئة والتي راكمت أحداثاً أُخرى توالت على مدى الأعوام الماضية في لبنان. فقد تبين أنّ رجلاً مات في قريةٍ مسيحية حدوديةٍ بالجنوب، وكان يُظنُّ أن وفاته ناجمةٌ عن سقوط سيارته في أحد الوديان، ثم تبين أنه مات اغتيالاً. وطرأ الحدث الأكبر قبل يومين عندما انقلبت شاحنةً كانت تنقل سلاحاً لـ«حزب الله» على مفترق طرقٍ وسط قريةٍ مسيحية، ثم حدثت اشتباكاتٌ بين أهل القرية وحرس السيارة الناقلة، نجم عنه سقوط قتيلين، أحدهما من الحزب والآخر من أهل القرية. وما تدخل الجيش - والحادث قرب وزارة الدفاع - إلاّ بعد ساعات. وهكذا حدث توترٌ شديدٌ في الأجواء شمل كلَّ البلاد. وكان إصرارٌ من جانب كل الزعامات المسيحية أنّ الحياة ما عادت ممكنةً على هذه الشاكلة، وسط انحلال كل مؤسسات الدولة، وإعراض الجيش عن حماية حيوات المواطنين.
إنّ هذا القتل بين الطائفتين يحصل ليس مصادفةً أو منفرداً
. فقبل أسبوع مرت ثلاث سنواتٍ على انفجار مرفأ بيروت الذي سقط بنتيجته 245 قتيلاً وتهدَّم أربعون ألف مبنى (كلياً أو جزئياً) في المدينة. واصطدم المسيحيون في أحياء بيروت المسيحية بمتظاهري «حزب الله» وحركة «أمل» عام 2021 عندما كانوا يمرون بأحيائهم للاحتجاج على التحقيق القضائي في تفجير المرفأ الذي استدعى عشرات من الشيعة وغيرهم، بينهم وزراء، لاتهامهم بالمشاركة أو التسبُّب في الجريمة. وخلال التظاهرات أُطلقت النار على المتظاهرين وقُتل منهم سبعة كلهم من الشيعة. لكن يبدو أنّ هذه الواقعة تسببت في إيقاف التحقيق في انفجار المرفأ بعد ثلاث سنوات على وقوعه عام 2020.
حوادث القتل والاغتيال التي تُثير الاشتباه ليست سلسلةً متصلة. بل تبدو متفرقةً ومتباعدةً. إذ آخِر قتلٍ في الجنوب كان قبل سنتين حين اغتيل الناشط لقمان سليم. وفي السنة الأخيرة ينصرف الاهتمام إلى انتخابات رئاسة الجمهورية، إذ أن المنصب شاغر منذ عشرة أشهر، ويريد الثنائي الشيعي فرض الوزير السابق سليمان فرنجية (بالانتخاب طبعاً!): «لأن المقاومة يظل ظهرها آمناً معه». في حين تصر الغالبية العظمى من المسيحيين على مرشحٍ آخر، وإن لم تستطع أن تجمع له أكثريةً حتى الآن. وبعلّة ذلك تحدث الجدالات في الإعلام يومياً. وتزداد الأجواء تسمماً، لتأتي حادثتا القتل فتدفعا بالتوتر إلى أقصى مداه.
وتختلف آراء المراقبين حول مدى خطورة ما يحدث، فهناك من يقول إنّ جبران باسيل (صهر الرئيس السابق)، يُجري مفاوضات مع الحزب، وقد يتفقان على ميزات للمسيحيين في النظام إذا منح باسيل تأييدَه لفرنجية في الانتخابات!
بيد أنّ هناك مَن يذهب إلى أنّ التوتر لا يزول بسهولة، وبخاصةٍ أنّ الأوضاع المالية والاقتصادية شديدة الصعوبة، وستبقى كذلك حتى لو جرى انتخاب رئيس جديد. ثم إنّ الأوضاع تتردى بين الأطراف الدولية والإقليمية. فالموقف الأميركي من الانتخابات شديد التشنج، وكذلك الدول الأخرى في مجموعة الخمس المهتمة بالشأن اللبناني. ولا يراعي وجهةَ نظر الحزب غير الجانب الفرنسي.
لا عودةَ بالطبع للحرب الأهلية، لأنّ أحداً غير الحزب لا يمتلك السلاح. لكنّ لبنان الذي نعرفه، سواء في عمرانه أو مرافقه أو طبيعته الخلاّبة، هو في طريقه إلى التضاؤل والتصدع إلى حدود مقاربة الخطر على الدولة والنظام.
*أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية