توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصائر «القوة الناعمة» الأميركية!

  مصر اليوم -

مصائر «القوة الناعمة» الأميركية

بقلم - رضوان السيد

«لنتصور أنّ الرئيس ترمب لم يتنكر لحقيقة الوباء عام 2019، وينقلب بعد ذلك لتحميل الصين المسؤولية... لنتصور أنه اعترف بخطورة الوباء وشراسته، وفتح الخزائن والمعامل لفقراء العالم لتلقّي العلاج والأدوية، كما فعلت الولايات المتحدة مع خطة مارشال لإعادة البناء بعد الحرب الثانية... لو فعل ذلك أو قاربه كم كانت الولايات المتحدة لتكسب، وكم كانت قواها الناعمة ستنمو وتتمدد. ما فعل هذا ولا ذاك ولا أعفى أوروبا من غلاظاته وكذلك الصين... وما حظي بإعجابه غير الرئيس بوتين الباقي للأبد. ثم كانت الكارثة الدالة قبل كل شيء على قلة العقل - عندما زحف طغامه وغوغائيوه على الكونغرس ليمنعوه من تثبيت جو بايدن في الرئاسة... ما تضررت قوة أميركا الناعمة بذلك كثيراً وحسْب، حيث ثبت أن النظام الديموقراطي الأميركي ليس منيعاً؛ بل وعادت الولايات المتحدة إلى ظروف الستينات مع اضطرابات الحقوق المدنية، وحرب فيتنام»!

هذا الاقتباس الطويل من مقدمةٍ للباحث الألماني هندرك أونيسورغ على الكتاب الجديد الذي حرره وأسهم فيه عشرات الباحثين بعنوان: «القوة الناعمة ومستقبل السياسة الخارجية الأميركية» (مانشستر يونيفرستي برس، 2023). إنّ مصطلح «القوة الناعمة» كما هو معروف من وضع الباحث الاستراتيجي الأميركي جوزف ناي في كتابه بهذا العنوان عام 1994. بعد قرابة الثلاثين عاماً من المتغيرات الصاعقة، يعود ناي وزملاؤه وتلامذته لمراجعة مصائر «جاذبية» الولايات المتحدة في العالم.

هناك في السنوات الأخيرة عشرات الكتب ومئات الدراسات عن مصائر القوة الأميركية الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية في مواجهة التقدم الصيني الكبير في هذه الأمور كلّها. أما هذا الكتاب المجموع من دراسات لمختصين فيتفحص نمطاً آخر مختلفاً من أنماط القوة لا تلعب فيه القدرات العسكرية دوراً كبيراً، بل القدرات الثقافية والاجتماعية ونمط الحياة والسلوك الأميركي تجاه الأفارقة والآسيويين وشعوب أميركا اللاتينية والبلقان. القوة الناعمة تعني قدرات أميركا في الجامعات والتقدم في البحث العلمي، وفتح أميركا أبوابها للطلاب والمهاجرين والدولار الأميركي، وبرامج التنمية الكبرى في كل العالم. ويضيف بعض باحثي كتاب أونيسورغ لذلك الحريات والديموقراطية؛ في حين لا يعتبر آخرون في الكتاب النظام السياسي الأميركي من دواعي الجاذبية وفي الخارج الآسيوي والأفريقي على وجه الخصوص!

في الكتاب بحوثٌ في المتغيرات أو بالأحرى متغيرات مفاهيم ومجالات القوة الناعمة. ما سرُّ الجاذبية الصينية في السياسة الخارجية في ما وراء القوة العسكرية والقوة الاقتصادية؟ الصين تقدم السلع الرخيصة ولا تسأل عن نوعيات الأنظمة وتنفذ مشروعات تنموية كبرى وتعمل استثمارات في سائر البلدان تبدو منصفة، ولا تتدخل كثيراً في الشؤون الداخلية. وقد صار عشرات الملايين من الأفارقة والآسيويين يذهبون إلى الصين للتجارة والاستيراد. وقد لا يعتبر هؤلاء نمط الحياة في الصين جذاباً، إنما لا تتكون لديهم حساسيات بارزة بشأن الحريات أو الديموقراطية المفتقدة. إنّ انعدام أو ضعف الحريات في الصين (أو في سنغافورة مثلاً) ما أثر في نجاح النظام الاقتصادي والتكنولوجي. لكن في الولايات المتحدة لوبي هندي قوي. فالهند ينمو اقتصادها وحجمها في الاقتصاد العالمي أكثر من الصين وهي ديموقراطية. وفي نطاق التحالفات الكبرى تجد الولايات المتحدة تشابهاً بين القوة الناعمة في الهند والقوة الناعمة الأميركية. بيد أنّ التقارب بين الأميركيين والهنود والحق يقال لا يعود لديموقراطية الهند، بل إلى التنافر بين الهند والصين وليس في الاقتصاد بل في الاستراتيجية.

إنما لو نظرنا للوضع العام في آسيا العظمى (متجاوزين الهند) وفيها أمم كبيرة ودول كبرى ومتوسطة، لوجدنا أن القوة الأميركية «غير الناعمة» تظل لها منافذ ونفوذ وقواعد، في جوار الصين القريب والبعيد. ويرجع ذلك - في نظر زملاء أونيسورغ - لأنها تخشى القوة الصينية المتصاعدة في الاستراتيجية وليس في الاقتصاد، فالصين تنازع الكثير من تلك الدول على جزر وموارد ومجالات في بحر الصين الجنوبي وما حوله، فتعتصم دول جوار الصين من المطامح الصينية بالقوة الأميركية العسكرية، وتارةً للتوجس من الصين، وطوراً للتوجس من روسيا.

ويختلف الأمر في دول أميركا الجنوبية والوسطى والدول الأفريقية. فهناك جاذبيةٌ للصين وأحياناً لروسيا في تلك الأصقاع. ومرةً أُخرى ليس بسبب النفور أو الجاذبية تجاه الولايات المتحدة؛ بل لأنّ الولايات المتحدة تضغط على الأنظمة في تلك البلدان بشركاتها المعولمة في معظم الأحيان، وبقواها العسكرية في أحيانٍ أُخرى. والولايات المتحدة تتدخل في هذا البلد أو ذاك أحياناً بحجة الديموقراطية أو أخطار الهجرة أو عصابات المخدرات أو الإرهاب. في حين لا يأبه الصينيون والروس لكل هذه الأمور ويكونون أحياناً مستعدين لحماية الأنظمة القائمة.

ماذا يعني هذا كله، وما هي تأثيراته على السياسات الخارجية للولايات المتحدة بعد ثلاثين عاماً على كتاب جوزف ناي عن القوة الناعمة للولايات المتحدة؟

يكاد عددٌ من الباحثين يذهبون للقول إنه ما عادت هناك قيمة سياسية أو استراتيجية للقوة الناعمة في السياسات الخارجية للولايات المتحدة. لكنّ قلةً من الباحثين تذهب إلى أنه لا بد من «الملاءمة» إذا صحَّ التعبير، ومتابعة القضايا والمصالح من حالةٍ إلى حالة. فالاستخدام العسكري لقوة الولايات المتحدة الخشنة في المجال الدولي فشل في أفغانستان والعراق، ولا يُدرك مدى النجاح حتى الآن في أوكرانيا أو في الصراع على تايوان.

تتعلق قضايا القوة الناعمة أو الخشنة إذن بالدولة والصراع الاستراتيجي المستجدّ والجاذبية من النوعين تابعة للحاجة لدى الدول إلى أحد النمطين وليس إلى مثاليات الديموقراطية والحريات.

فماذا عن نمط الحياة ونظام العيش؟ لا يزال هذان الأمران غربيين أو أميركيين. والأحرى القول إنه لهذه الجهة هناك نمطٌ واحدٌ في العالم والكل يسعى لإحقاق متطلباته ولا فرق في ذلك بين شرقٍ وغرب.

وقد نبَّه الباحث الاستراتيجي مايكل أوبنهايمر إلى أنّ «القوة الناعمة» مفهومٌ يتعلق في الأصل بأميركا وأوروبا الغربية. والقارتان تعرضتا لتحديات خلال العقود الثلاثة الماضية، بحيث ما عادت الدواخل تصلح دائماً نموذجاً للقوة الناعمة وإن لم تنتفِ فتنتها بعد (لننظر إلى ملف الهجرة!). أما الجاذبية أياً كان شكلها وكانت دوافعها فتقتصر على المقاربات الأخلاقية للسلام العالمي، ومشكلات العالم، وحوارات الأديان للتوصل إلى قيمٍ تحتضن المشترك الإنساني. ولهذه الناحية يبدو البابا فرنسِس كصارخٍ في البرية!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصائر «القوة الناعمة» الأميركية مصائر «القوة الناعمة» الأميركية



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon