توقيت القاهرة المحلي 04:45:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخاسر الأكبر جامعات أميركا

  مصر اليوم -

الخاسر الأكبر جامعات أميركا

بقلم - سوسن الأبطح

خطة قمع الطلاب واتهامهم بـ«معاداة السامية» في الجامعات الأميركية كانت شبه جاهزة، قبل بدء احتجاجاتهم على مجازر غزة. إسرائيل احتاطت للأمر منذ زمن بعيد، وعيونها لم تغب عن هذه المراكز الشبابية الحساسة، التي بها يتشكّل صناّع الرأي والقرار، ويرسم مستقبل السلطة في الولايات المتحدة.

لكن رغم الجهود التي بُذلت في سنين سابقة لضمان صوت الجامعات، ما إن وقعت أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) حتى صدر بيان موقّع من ثلاثين تجمعاً طلابياً أميركياً، يحمّل إسرائيل المسؤولية عما حصل بسبب سياساتها القمعية والاستعمارية. جُـنّ جنون إسرائيل، وأدركت حكومة نتنياهو أن مئات الملايين التي صُرفت لتدجين المؤسسات التعليمية الأميركية، قد تذهب سدى، إن لم تتحرك سريعاً، لإعادة الوضع تحت السيطرة.

نتذكر، التحركات الاحتجاجية في الجامعات الأميركية التي رافقت بداية الحرب والمجازر التي ارتُكبت في غزة، وكيف تم تهديد الطلاب، بنشر أسمائهم، وإعطائها للشركات لحرمانهم من الحصول على أي وظيفة بعد تخرجهم.

لم تكن تلك العقوبات الشيطانية من بنات أفكار القيّمين على الجامعات، بل بفعل تحركات إسرائيلية مباشرة، باتجاه هيئات أميركية.

فبالتعاون بين وزارة الخارجية الإسرائيلية وبتوجيه من الوزير إيلي كوهين شخصياً ووزارة الشتات، تم تشكيل فريق عمل من كبار الشخصيات، بينهم محامون، وظيفته التواصل مع اليهود النافذين، ومسؤولين أميركيين ونقابات وهيئات مدنية، لفعل كل ما يمكن، بالضغط والترهيب، والتشهير، لمحاصرة الطلاب والأساتذة، وحتى الموظفين، الذين يظهِرون تعاطفاً مع فلسطين. وبالتالي فالتنسيق قد تم من حينها، والاستعدادات لمواجهة الجامعات وأهلها وضعت على نار حامية، على جبهات عدّة، والعمل بقي متواصلاً.

تمكّنت حملة القمع الأولى من إخماد شعلة الغضب الطلابي، ولم نعد نسمع عنها الكثير، حتى تجاوز عدد الضحايا ثلاثين ألفاً، وتم التصويت على 26 مليار دولار مساعدة إضافية لإسرائيل لإكمال مجازرها.

عادت الاعتصامات من جديد، وخاصة في جامعة كولومبيا، التي بدأت تلهم طلاب العالم أجمع، وأخذنا نرى الخطة التي نشرتها «يديعوت أحرونوت» في 26 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 تحت عنوان «فضح المانحين والضغط عليهم: استراتيجية إسرائيل ضد معاداة السامية في الجامعات الأميركية»، تنفذ بحذافيرها.

تتضمن الخطة جانباً اقتصادياً، بحيث يتم تهديد الطلاب، بأنهم سيدفعون ثمناً باهظاً بمنعهم من التوظيف، مقابل سلوكهم. وقد تم بالفعل التواصل مع النقابات لتجنيدها ضد المتظاهرين. وتمارس إسرائيل ضغوطاً على المانحين اليهود وغيرهم لسحب استثماراتهم من الجامعات التي لا تنصاع لما يطلب منها. كما يتم التدخل لدى الحكومات الفيدرالية لمنع تمويل هذه الجامعات التي تتهم بـ«معاداة السامية». ويبدو أنه يتم التواصل مع رؤساء الجامعات وتهديدهم، وهو مما تم التخطيط له أيضاً. رأينا بداية السيل مع رؤساء ثلاث جامعات من النخبة، يُستَجوَبون أمام الكونغرس نهاية عام 2023، بحيث أُرغمت رئيستا جامعتي بنسلفانيا ليز ما جيل وهارفارد كلودين جاي، على الاستقالة بالفعل. أما رئيسة كولومبيا المصرية الأصل نعمت شفيق، ورغم تملّقها للوبي اليهودي، وقبولها دخول الشرطة الحرم الجامعي واعتقال طلابها واضطهادهم وضربهم، وهو أمر غاية في القباحة، فهي مطالبة بالمغادرة أيضاً.

مما خططت له إسرائيل سلفاً، التواصل مع وزارة العدل الأميركية، للتداول في الأسلحة القانونية التي يمكن استخدامها لمعاقبة المحتجين، ورفع دعاوى ضدهم، وجرّهم أمام المحاكم. وكذلك رفع دعاوى قضائية ضد الجامعات.

وتقول الخطة إن كل هذه التحركات يجب ألا تقترن على الإطلاق باسم إسرائيل، مع الحرص الدائم على ربط المعاقبين بتهمة واحدة هي «معاداة السامية».

ومن ضمن عمل وزارة الخارجية الإسرائيلية، شنّ الحملات على شبكات التواصل الاجتماعي، وإرسال مؤثرين إلى الجامعات في الولايات المتحدة، لدعم مسيرات مؤيدة لإسرائيل، والترويج لضرورة احترام التنوع وحقوق الإنسان.

خطة جهنمية متشعبة، لمواجهة طلاب وأكاديميين أبرياء كل ما يريدونه هو السلام، ووقف القتل، وألا يكونوا جزءاً من مشروع إجرامي. هؤلاء يتم الاستقواء عليهم بالمال والتلاعب بسلطة القانون ويخضعون بالترهيب والتهديد.

هؤلاء هم أنفسهم الذين تظاهروا ضد الفساد، والتغير المناخي، والتلوث، والتمييز العنصري، ومقتل جورج فلويد على يد شرطي أبيض، ومن أجل حماية النساء. حينها أتيحت لهم فرصة الاعتراض السلمي، غير أن معارضتهم لقتل الفلسطينيين لم تجابه بالتسامح نفسه. هذه المرة، تدخلت الوزارات الإسرائيلية، كأنها تعالج قضية داخلية.

لذلك؛ لا غرابة في الشراسة التي يُعامَل بها الطلاب الأميركيون، لمجرد اعتصامهم في حرم جامعاتهم، مع أن المشهد يذكّر بأكثر الدول توتاليتارية وقمعاً. ضرب وسحل وتفتيش وتوثيق يدين، وسجن ومحاكمات، وطرد. أنواع من العقاب، تليق بعصابات وقطاع طرق لا طلاب وبحّاثة وأساتذة.

لا غرابة لأنَّ الحسابات كبيرة، والمصالح متشعبة، والانتخابات على الأبواب، والجمهوريون يوظفون الغضب، ويستغلون كل انقسام.

وحين يصف بنيامين نتنياهو ما يحدث في الجامعات الأميركية بأنه «مروع» وأن «عصابات استولت على كبريات الجامعات»، وأن «رد فعل بعض مسؤوليها جاء مخزياً»، طالباً من المسؤولين «فعل المزيد والمزيد»، لم يشكّل تدخله ذلك استفزازاً لدولة عظمى، ولا لمسؤوليها.

السبب هو أن التنسيق في موضوع طلاب الجامعات لا ينقطع، والتداول قائم، والإجراءات منسقة. الخاسر الأكبر هي الجامعات الأميركية؛ لأنها تفقد مصداقيتها، واستقلاليتها التي باهت بها العالم، وارتفع شأنها، حتى صارت حلم المتفوقين. اليوم، وعلى مذبح المصالح الإسرائيلية، تقدم هذه الجامعات الكبرى، على أنها مجرد دكاكين، ومناطق نفوذ للوبيات ومجموعات من الفاسدين والمتنفذين. حقاً إن معركة الطلاب كبيرة، وشرسة، وطويلة، وقد تستغرق سنوات قبل أن تستعيد هذه المؤسسات شيئاً من بريقها ومصداقيتها العلميين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخاسر الأكبر جامعات أميركا الخاسر الأكبر جامعات أميركا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon