توقيت القاهرة المحلي 03:45:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزة غيرت العالم

  مصر اليوم -

غزة غيرت العالم

بقلم - سوسن الأبطح

لم يكن ليتخيل أحد أن الحرب على مليوني فلسطيني في غزة، محاصرين في مساحة 360 كيلومتراً مربعاً، يمكن أن تستمر لستة أشهر، مع قصف لا سابق له.

كل شيء كان ينبئ بأن الحرب يفترض أن تنتهي سريعاً، بفضل التفوق الإسرائيلي الناري الهائل، إلا أن ما حدث هو العكس، ولعل السبب هو الأساليب الحربية الإسرائيلية التي تشكو الغطرسة والعمى الاستخباراتي، في وقت واحد.

خلال الأشهر الأولى -حسب صحيفة عبرية- أسقط الجيش الإسرائيلي من المتفجرات على غزة أكثر مما استخدمته روسيا لقتال بلد شاسع مثل أوكرانيا خلال عامين كاملين. لا؛ بل إن صحيفة «كول هعير» الإسرائيلية قدّرت كمية القنابل التي استُخدمت على غزة بأنها أكثر مما استخدمه أدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، وثمة تقديرات تشير إلى أن المتفجرات فاقت 70 ألف طن، أي ما يوازي 3 قنابل نووية.

تمكنت إسرائيل بفعل النار من إحراق القطاع ومحو غالبيته؛ لكنها لسوء حظها رغم محاولاتها المستميتة لم تتمكن من الانتهاء من كامل الغزيين، واستعادة الأرض نظيفة، علماً بأن مقاولين كثراً كانوا ينتظرون بناء منتجعاتهم على شواطئ غزة، واستثمار رمالها البيضاء.

«قُتل آلاف المدنيين الجياع واليائسين وهم يهرعون إلى قوافل المساعدات، يؤكد فشل إسرائيل الأخلاقي والاستراتيجي ضد الفلسطينيين، مهما كانت نتيجة الحرب في غزة»، كما علَّقت «لو تان» الفرنسية.

اعتبار المستشفيات أهدافاً عسكرية، مهما كانت الحجج التي ساقتها إسرائيل، وأسماء الفلسطينيين الذين قتلتهم مدّعية أنهم قادة في «حماس»، أو إرهابيون عثرت عليهم، كل هذا ينهار، حين تعرض صور «مستشفى الشفاء»، أيقونة الخدمات الصحية، بعد أسبوعين من الحصار والسفك للمرضى والجوعى، وهو محترق، وآيل للانهيار.

إنها الحرب التي غيرت العالم، وهذا ليس رأياً عربياً متحمساً؛ بل الإسرائيليون أنفسهم يعرفون أنهم باتوا يواجهون ما لم يعتادوه من قبل.

الرهان على الإجرام، مهما كان العالم متملقاً، وفاسداً، وقبيحاً، لا يبدو ناجعاً في نهاية المطاف. لا يمكنك أن تتجاهل دموع مسؤولة الشؤون الخارجية في مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخارجية الأميركية، أنيل شيلين، التي استقالت لأنها لم تعد تحتمل رؤية الارتكابات الدموية. والأهم أنها تحمل معها اعتراض زملائها الذين كلفوها بالتحدث نيابة عنهم، ولم يملكوا مثلها جرأة الاستقالة. ما يعنينا من شيلين، أمران: الأول أنها متألمة على أميركا لأنها انتهكت قوانينها بنفسها علناً، وتمدّ بأسلحتها من يرتكبون أبشع المجازر، وهذه مخالفة داخلية، مما يجعلها في مصاف أي دولة مارقة. فهل يحق لأميركا أن تنتقد الصين أو روسيا بعد اليوم؟ أما الأمر الثاني فهو أنها اتخذت قرارها بعد رؤيتها آرون بوشنيل، الطيار الأميركي الذي كان في الخدمة الفعلية، وأضرم النار في نفسه، أمام السفارة الإسرائيلية، احتجاجاً على الحرب على غزة، وناشد الجميع اتخاذ موقف ضد الإبادة الجماعية. شيلين لديها ابنة صغيرة، وتشعر بالخجل منها حين تكبر وتعرف أن والدتها كانت متواطئة وتعمل في وزارة الخارجية أثناء المذابح. «أريد أن أخبرها بأنني لم أبقَ صامتة». صحيح أن الإعلام حاول مغمغة الحادثة الفظيعة للأميركي بوشنيل الذي احتجّ على طريقة البوعزيزي؛ لكن فعله لا يزال يحدث صدى.

النيران لا تزال مشتعلة. والكلفة الأخلاقية عالية، وستأتي متدحرجة، وبعيدة المدى. هذا ما حذّر منه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إسرائيل، حين قال إنه «في هذا النوع من الحروب، يجب إعطاء أهمية للمدنيين. فإذا تم دفعهم إلى أحضان العدو (حماس)، فإنك ستحول القضية من انتصار تكتيكي إلى هزيمة استراتيجية».

وبعد دفاع مستميت عن إسرائيل بعد أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وتحذير من عمليات إرهابية قادمة على الغرب، ها هو جيل كيبل المتوج في فرنسا خبيراً في «الحركات الإسلامية» يصدر كتاباً بعنوان جريء ولو بدا ملتبساً، يسميه «الهولوكوست» مع عنوان فرعي «إسرائيل- غزة... الحرب ضد الغرب». يفاجئنا كيبل بتحليله حين يشرح بأن «ما فعله يحيى السنوار انطلاقاً من غزة، وانتشر على نطاق واسع، تأثيره أهم مما استطاعه بن لادن في 11 سبتمبر (أيلول) 2001»؛ علماً بأن كيبل كان من أشهر من كتبوا عن تلك الفترة. في الحالتين، القوة الكبرى أميركا وحليفتها إسرائيل التي ركنت لتكنولوجيتها وتطورها، تم اختراقها من نقطة ضعفها، والتسلل إليها، وباتت «تعيش أسوأ خطر، وتخوض أقسى حرب منذ عام 1948؛ حيث إن وجودها برمته موضع تشكيك، وكذلك صلاحية استمرارها».

ثمة رؤية جديدة تتبلور في العالم، ليست حكراً على العرب ودول الجنوب؛ بل تشيع في الأوساط الأكاديمية، تتكئ على ما قدمته جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية من تهمة «بالإبادة الجماعية» ترتكبها إسرائيل. هذه السردية -يقول كيبل- تعتبر أن إسرائيل بكل ارتكاباتها محسوبة على الشمال القمعي الذي يحارب ضد الجنوب المدافع عن العدالة والحق، والمناهض للاستعمار العنصري.

لكن إسرائيل التي تعي الدرك الأخلاقي الذي تتدحرج إليه، تراهن على النصر العسكري، لتُنسي العالم أفعالها الشنعاء. وهو حتماً ما يجعل وقف إطلاق النار أصعب بكثير مما يتصور البعض، ويثير خشية من دموية الأيام المقبلة، والسعي لمزيد من المجازر لمحو المدنيين.

لكن هل هذا سيجعل إسرائيل قادرة على تحقيق الإبادة الفعلية التي تحدث قادتها صراحة عن نيتهم ارتكابها؟ نصيحة الأستاذ الباحث في كلية لندن للعلوم السياسية، جوناس فوسلي جيرسو، أن على إسرائيل أن تكفّ عن أحلامها، فهي اليوم أبعد ما تكون عن حال المستوطنين الذين ذهبوا إلى أميركا وأستراليا، وتظن أنها تسير على نهجهم. إسرائيل اليوم في وضع شبيه بجنوب أفريقيا في زمن البيض، أو الجزائر مع المحتلين الفرنسيين.

ويكفي حسب رئيس تحرير «تايم أوف إسرائيل»: «الإحساس بعدم كفاءة قادتنا السياسيين والعسكريين التي من شأنها أن تولد فينا شعوراً عميقاً بالعجز والضعف، لدرجة أن ذلك سيكون قادراً على تدمير إسرائيل من الداخل».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة غيرت العالم غزة غيرت العالم



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon