توقيت القاهرة المحلي 12:25:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«رفح»... لا مفرّ؟

  مصر اليوم -

«رفح» لا مفرّ

بقلم - سوسن الأبطح

لم تخفِ حكومة نتنياهو والمسؤولون الإسرائيليون منذ البدء، نيتَهم إبادة الفلسطينيين وتهجيرهم من غزة. وهم لا يزالون يتحدثون اللغة نفسها، ولم يتراجعوا قيدَ أنملة.

فإما أنَّ العالم متواطئ ويظهر العكس، وإما أنه يفضّل تجاهل ما يعلم، ليستريح. كل ما صدر عن هؤلاء المسؤولين الذين لا يزالون في مناصبهم، ارتُكب أمام الكاميرات، وأحياناً بالبث المباشر. لنتذكر بن غفير وزير الأمن القومي حين قال إن «تدمير (حماس) يشمل الجميع، كلهم إرهابيون ويجب أن يتم قتلهم أيضاً»، أو أحد المسؤولين الإسرائيليين الذي أعلن بوضوح أن «كل هذا الكلام عن المدنيين الذين لم يفعلوا شيئاً هو كذب مطلق. سنقاتلهم حتى نكسر عمودهم الفقري». وقد قُتل الصغار قبل الكبار، والنساء أكثر من الرجال. وبينما تطلق المؤسسات الدولية صرخات الاستغاثة والتحذير بأشد العبارات وأكثرها حزماً، من مذبحة غير مسبوقة سترتكب في رفح، لا يتراجع نتنياهو لحظة واحدة عن التأكيد على أنه ماضٍ في مخططه حتى لو أبرمت صفقة، وخرج كل الرهائن.

اليوم، تبدي أميركا عدم موافقة على اجتياح رفح، على اعتبار أن القادم سيكون مروعاً، وليس بإمكان أحد احتماله. لكن التصاريح لا تتحدث عن رفض، بل عن «التزام بشكل مطلق بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها». كما يقول وزير الدفاع الأميركي. وما هو مطلوب في رفح من إسرائيل «خطة تأخذ في عين الاعتبار أمن وسلامة المدنيين». فما الاستراتيجية العسكرية الممكنة لتنفيذ حرب مدمرة على مساحة 50 كلم فيها مليون ونصف المليون من المشردين القابعين في الخيام، من دون طعام أو شراب بينهم الجرحى والمعوقين؟ أي تناقض!

مشّطت إسرائيل 300 كيلومتر من غزة، ودمرتها على بكرة أبيها وقتلت 34 ألف شخص وخلّفت 10 آلاف مفقود، ولم يبقَ لها سوى رفح المكتظة على الحدود المصرية، ومع ذلك لا تزال الصواريخ تخرج من الشمال وتطول غلاف غزة. كم من نفق ستعثر عليه إسرائيل في رفح، إن لم تتمكن من مدينة غزة نفسها؟ وفي المقابل كم عدد الضحايا الذين سيسقطون، من أجل الانتصار الهزيل الذي يبحث عنه نتنياهو؟ إلا إذا كان الهدف الذي أعلن عنه في البدء لا يزال ساري المفعول، وهو الدفع بالأهالي إلى سيناء.

ثمة ما يبعث على الريبة، إلى أين يذهب أهل رفح الذين بينهم مَن يهجّر للمرة العاشرة. يقولون لهم إلى المواصي (آمنة)، المنطقة التي مَن وصلوا إليها يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، فما بالك حين يزحف عشرات الآلاف إلى منطقة بور بلا شوارع، ولا أقنية تصريف أو تمديدات مياه، ولا كهرباء ولا إنترنت. الموجودون في تلك المنطقة أصلاً بحاجة إلى معجزة لتنتشلهم.

الاستيلاء على معبر رفح وإغلاقه بالكامل ومنع إدخال الطعام والمستلزمات الطبية، وإخراج مئات الجرحى، كل ذلك إمعان في قتل المدنيين والمصابين وتحضير لمجاعة كبرى وشاملة.

رفح مدينة الأطفال الذين ينتظرون الموت، 600 ألف طفل بينهم 78 ألف رضيع، هذا غير المسنين والجرحى والمعوقين. ثمة مَن باتوا بلا أطراف وليسوا قلة. نصف سكان غزة متكومون في رفح. وصلت الخيام إلى كل بقعة؛ تحت السلالم، في الدكاكين، خيام من كرتون وأقمشة ممزقة، أطاحتها العواصف. وها هم السكان يخشون لهب الصيف المقبل بعد أن توفيت صغيرة من شدة الحرارة.

ما يحدث فاجعة لا يمكن وصفها، وما تنويه إسرائيل أسوأ مما يمكن تصوره.

ولا يزال نتنياهو يكرر: «إن أحداً لن يمنع إسرائيل من الدفاع عن نفسها. وإذا كان يجب أن تبقى وحدها، فهي ستبقى وحدها»، وهذا غير ممكن.

إسرائيل تعتمد التفوق الناري الساحق، بحاجة لذخائر وشحنات سلاح مستمرة. وهذا تتلقاه منذ بداية حربها على غزة. لا يتمتع الاحتلال بأي استقلالية في الصناعات العسكرية التي ترتكب بها الإبادة الجماعية. ويعتمد بشكل كبير على الموردين الأجانب للعديد من الطائرات الحربية والمروحيات والسفن الحربية والغواصات، من أميركا بالدرجة الأولى ثم ألمانيا وتليها كندا وهولندا.

زوّدت أميركا إسرائيل بمائة صفقة سلاح منذ بداية حربها حتى مطلع أبريل (نيسان) الماضي، غالبيتها غير معلنة، بحسب «واشنطن بوست». وفي الأول من أبريل، اليوم الذي قتلت فيه الغارات الجوية الإسرائيلية 7 من عمال الإغاثة التابعين لمنظمة المطبخ العالمي، في اليوم نفسه، وافقت وزارة الخارجية الأميركية على نقل أكثر من ألف قنبلة لإسرائيل من زنة 500 رطل.

مئات أطنان الأسلحة تم تسليمها، بعد أن أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت شخصياً أن «مَن نقاتلهم هم حيوانات، ونتصرف معهم على هذا الأساس». شارحاً خطته بوضوح: «لا كهرباء، لا ماء، لا وقود، كل شيء مغلق». بهذا المعنى إسرائيل لم تخدع حلفاءها.

في فبراير (شباط) الماضي، شرح الجنرال الإسرائيلي المتقاعد غيورا آيلاند أن انتشار الأوبئة في قطاع غزة «سيقرب إسرائيل من النصر»، ويقلل «الخسائر في صفوف جيشها. وعلى إسرائيل ألا تخجل من ذلك». هذا الجنرال ليس نكرة فقد كان رئيس مجلس الأمن القومي حتى عام 2006، وهو الذي دعا إلى «جعل غزة مكاناً من المستحيل العيش فيه»، وسط صمت مما يسمى المجتمع الدولي.

النيات الشريرة لم تكن سرية في هذه الحرب، ونتنياهو يردد ألا بديل عن اجتياح رفح. وهو إن لم يبتلعها قطعة واحدة، سيقضمها بالتقسيط. وقد اقتطع الجزء الأول، والمقبل مرعب حقاً، ليس لأن إسرائيل متوحشة، بل لأن العالم باع ضميره.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«رفح» لا مفرّ «رفح» لا مفرّ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon