توقيت القاهرة المحلي 21:14:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نهاية الصهيونية

  مصر اليوم -

نهاية الصهيونية

بقلم - سوسن الأبطح

 

لم يصدق حاضرو المؤتمر الصهيوني العالمي في القدس عام 2015، عندما سمعوا بنيامين نتنياهو يتحدَّث بكل ثقة عن أنَّ هتلر لم يكن يريد إبادة اليهود، وإنَّما خطَّط لطردهم فقط، وأنَّ مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، هو الذي عرض عليه فكرة المحرقة، خشية منه، أن يأتي اليهود إلى فلسطين إثر فرارهم من أوروبا. وعندما قال له هتلر: «ماذا أفعل بهم إذن»؟ ردَّ المفتي: «احرقهم».

رغم أنَّ العديد من المشاركين في المؤتمر، ظنُّوا أنَّ ثمة خطأ في الترجمة لأنَّ نتنياهو كان يتحدَّث بالإنجليزية، فإنَّ الرجل بدا مصراً على فكرته. وتبيَّن فيما بعد أنَّ نتنياهو كان قبل خطابه العظيم هذا قد روَّج لفكرته، في مختلف لقاءاته مع قادة العالم الذين التقاهم، ومن بينهم أنجيلا ميركل، دون أن يجد آذاناً صاغية.

انتهى الأمر بأنَّ مؤرخين كباراً في إسرائيل هالهم أمرُ تبرئة نتنياهو لهتلر من المحرقة، فقط لإلباسها للفلسطينيين والقول إنَّهم يستحقون الإبادة بعد فعلة مفتيهم «الشنعاء». وجاء الرد من اليهود أنفسهم، ووصف سفير إسرائيل لدى فرنسا يومها إيلي بارنا ادعاءات نتنياهو بأنَّها «عهرٌ يمارس على المحرقة»، وهاجمه مؤرخون عادّين تحريفه للتاريخ «عارا على الحقيقة التاريخية».

لكن نتنياهو، لم ييأس يوماً من الكذب. ادعى باستمرار تأييده للسلام، وفعل كلَّ منكر لقتل بارقة حلّ الدولتين. فهو صديق المستوطنين وداعم المتطرفين، الذي استعدى الرأي العام الإسرائيلي ضد إسحاق رابين بسبب توقيعه اتفاقية سلام أوسلو، وروَّج لفكرة أنَّه مستلبٌ من العرب. ولم تكذب زوجته ليا رابين حين اتهمت نتنياهو بقتل زوجها، بالتحريض عليه، بعد أن أنزل مستوطنين إلى الشارع وأجَّج احتجاجاتهم، وخلق أجواء عدائية ضده. وهو الذي عقد علاقات غير مسبوقة مع اليمين المتطرف في أميركا، لكونه يعرف الولايات المتحدة جيداً ودرس في جامعاتها وبدأ حياته العملية هناك، كما تمكن من نسج صلات وثيقة مع الحركات الإنجيلية الصهيونية في دول عديدة حول العالم. ولعلَّ نتنياهو كان له من الحنكة والخبث ما مكنه من جلب رؤوس أموال غير مسبوقة وعقد صفقات بمليارات الدولارات.

بالحيلة والمكر والفساد والتلاعب على القانون، والهروب من العدالة، رغم عشرات دعاوى الاتهامات بالفساد، تمكَّن بنيامين نتنياهو من البقاء على سدة السلطة، ما يقرب من 16 عاماً، وأصبح رئيس الوزراء الأطول عهداً في إسرائيل، على الإطلاق.

علاوة على أنَّه مهندس خطة إضعاف السلطة الفلسطينية في رام الله، وتعميق الانقسام الأخوي بين الضفة وغزة، وتنمية سلطة حماس وتعزيز دورها، وإحكام سجنها في قفص لا منفذ منه ولا مدخل إليه، للتخلص من أي كلام عن السلام، فإنَّ الأخطر بالنسبة لإسرائيل هو دوره التدميري الذي يعتقد كتاب إسرائيليون أنَّه لن تكون قيامة لها من بعده، وأنَّ الانحدار سيبقى متواصلاً بسبب ضربه لبنى كيانية أساسية من مداميك الدولة.

وثمة من يعد بن غوريون المؤسس الأول لإسرائيل، فيما بنيامين نتنياهو بكل ما أحدثه من تحولات عميقة هو المؤسس الثاني الذي أعاد تشكيل الدولة على أسس غير صالحة للحياة. فهو تلميذ للشهير زئيف جابوتنسكي صاحب فكرة الجدار الحديدي والتوسع الكامل لإسرائيل، الذي عدّ بريطانيا خدعت اليهود حين لم تعطهم الأردن مع فلسطين، ونكثت بوعدها، وأنَّ عليهم قبل أي حوار مع العرب أن يحتلوا الجزء الأكبر من الأراضي وتسييجها بالحديد، وفرض شروطهم بالنار والدمار. وهذا تماماً ما يحاوله نتنياهو.

وبطبيعة الحال، فإنَّ نتنياهو الذي لا يستظرف الدياسبورا اليهودية بسبب نفحها الديمقراطي، وهو ما يفسر مظاهراتهم العارمة في أوروبا وأميركا، التي تنشط في الحقيقة، لا تعاطفاً مع العرب، بل حباً في إسرائيل وخوفاً عليها من سياساتها التدميرية الذاتية.

فقد وصف نتنياهو النقابات بأنها «عصابات»، واتَّهم الجمعيات المدنية بالانحياز للعرب واستخدامهم في الانتخابات، في لعبة إضافية كي يفوز بعطف أكبر عدد من الإسرائيليين ويحظى بالكرسي. وهو من النفاق بحيث إنه لم يرفض يوماً الحل السلمي للدولتين، لكنَّه اشترط للتعجيز أن يعترف العرب بيهودية إسرائيل، لوضعهم في موضع حرج. مرَّر قانوناً حول يهودية الدولة وهذا في حد ذاته ضربة لكل من لا يزال يشتمُّ في إسرائيل رائحة ديمقراطية. أمَّا الضربة القاضية للداخل الإسرائيلي، فكانت حين قرَّر أن يكف يدّ العدالة ويحد من سلطة المحكمة العليا، فيما سمَّاه الإصلاح القضائي، في محاولة للحد من نفوذ السلطة القضائية علَّه يتمكَّن من إلغاء محاكماته.

ونتنياهو المهجوس بهتلر يعمل وفق الدعاية التي روَّج لها بوق الإعلام النازي جوزيف غوبلز بداية القرن الماضي: «اكذب ثم اكذب، حتى يصدقك الناس»، لنشر الإشاعات الملفقة، وقمع التعبير، وطمس الحقائق.

ونتنياهو الذي جعل السلطة بيد متطرفين أكثر منه تشدداً وجنوناً، من غير المحتمل أن تكون نهايته السياسية، بداية مشرقة لإسرائيل، فالضرر أكبر من أن يصحّح، بحسب ما يشرحه المؤرخ المتخصص بالصراع العربي الإسرائيلي، الباحث الفرنسي جان بيار فيليو، الذي عكف على دراسة قرن كامل من التاريخ، بعد سماعه الفكرة الهجينة لنتنياهو باتهام مفتي القدس المقاوم الحاج أمين الحسيني بالمحرقة، وخلص بكتاب سمَّاه «وضع اليد على إسرائيل، نهاية الصهيونية»، شارحاً كيف أنَّ رجلاً واحداً مجنوناً، سيكون بمقدوره إطاحة مشروع الصهيونية الممتد.

وقراءة الكتاب تريك كيف أنَّ نتنياهو، الذي ولد على أرض فلسطين، ولم يأتنا مهاجراً، هو من الانخراط في بيئته بحيث إنَّه يتصرَّف كأي زعيم ديكتاتوري من العالم الثالث، وإن حافظ على بعض الهالة المؤسساتية، وهو تحديداً ما يعزز فكرة الخراب الكبير لدولة إسرائيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نهاية الصهيونية نهاية الصهيونية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon