توقيت القاهرة المحلي 11:54:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إخوتنا في «الأبارتايد»

  مصر اليوم -

إخوتنا في «الأبارتايد»

بقلم - سوسن الأبطح

حين ترى الأعلام الفلسطينية ترفرف بكثافة على المباني الملونة في حي بوكاب في مدينة كيب تاون الجنوب أفريقية، والجداريات الداعمة عند كل زاوية، تعتقد أنها للتضامن مع غزة في محنتها الحالية، لكنها في الحقيقة موجودة باستمرار لتذكّر العابرين في هذا الحي السياحي، بأن ثمة شعباً لا يزال يُضطهد ويعذّب تحت الاحتلال. الحي الإسلامي في قلب العاصمة التشريعية كان شريكاً في النضال ضد «الأبارتيد»، ولم يسقط يوماً مقولة زعيمه نيلسون مانديلا: «إن نضالنا لا يكتمل إلا بتحرر فلسطين». التظاهرات تجوب المدن، واللجان التي تنظمها، تمتلك من الحماسة لفلسطين؛ ما يجعلك تستغرب بعد أن تقطع إحدى عشرة ساعة بالطائرة من بيروت، كيف تجاوز هؤلاء عوائق الجغرافيا، بإخلاصهم وحبهم لمن وقف إلى جانبهم يوم استُعبدوا ونكّل بهم. بعضهم لم يسمعوا بلبنان، لكنهم يبشون بحرارة حين تخبرهم أنه يقع قرب فلسطين. لربما أن جنوب أفريقيا، هي الدولة الوحيدة في العالم اليوم، التي تستقبل حامل جواز السفر الفلسطيني من دون فيزا، أخوّة مع شعب يعاني ما ذاقوه من مرّ العذاب.

لذلك؛ فإن دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل متهمة إياها بـ«الإبادة الجماعية»، هي ثمرة نضيج، لتماهٍ بين تجربتين دمويتين، لشعبين، ربط بينهما الظلم، وقهرتهما العنصرية. أراد صحافي أميركي ذات يوم أن يحرج مانديلا بسبب علاقته الحميمة مع ياسر عرفات رغم أنه متهم بالإرهاب، فكانت إجابته «أعداؤكم ليسوا بالضرورة أعداءنا... وموقفنا من أي بلد، نحدده تبعاً لموقفه من نضالنا. ياسر عرفات والقذافي وكاسترو لم يؤيدونا بالخطابات بل وفّروا لنا الموارد. لذا نحن ندعم الفلسطينيين».

حين يقال بأن فلسطين هي في جينات الجنوب أفريقيين؛ فلأن الرابطة بين الطرفين، تعود إلى أكثر من نصف قرن، يتوارثونها جيلاً بعد آخر، لتصل اليوم إلى حفيد نيلسون مانديلا.

بالتزامن مع نكبة 1948 كانت الحكومة الاستعمارية البيضاء تقرّ نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وتخضع سكانها السود لنظام من أعتى ما فُرض على مجموعة بشرية. عُومل السود كفئة أدنى من البشر. وحين نسمع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ينعت الفلسطينيين بأنهم «حيوانات بشرية» فتلك ليست سابقة. طرد نظام بريتوريا العنصري السكان من بيوتهم وأملاكهم ليسكنها البيض. دُفع السود للعيش في مساحات ضيقة مزنرة، يُمنع عليهم مغادرتها إلا بإذن. سلوك شبيه بما مُورس على الهنود الحمر، وما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين وهي تتعمد عزل كل مجموعة عن الأخرى، في جزر متباعدة؛ لتضعفهم، وتمنع التواصل بينهم. ارتكب البيض المجازر في السود، قمعوهم بالحديد والنار، عذبوهم في السجون، حرموهم من تعليم أو طبابة كالتي توفر للبيض. كان الفصل في المواصلات، والأحياء والمهن وحتى المشروبات، يسمح ببعضها وتمنع أخرى، وهذا يذكّرنا بمنع الكزبرة والمعكرونة عن الفلسطينيين.

أعدّت جنوب أفريقيا، الخبيرة، بحروب الإبادات، وقبح العنصرية، ملفاً محكماً قدمته للمحكمة، سردت فيه بالتفصيل ما ارتكبته إسرائيل في غزة، من جرائم الهدف منها القضاء على مجموعة بشرية لها خصوصيتها، والتخلص منها بحرمانها من الماء والغذاء والدواء، بالإجهاز الممنهج، على الأطباء والصحافيين، والأفران والبيوت والمدارس والجامعات والآثار، وكل ما يجعل الحياة ممكنة.

وسهلت إسرائيل بغطرستها المهمة، حين قرنت أفعالها المشينة، بأقوال صريحة واضحة من وزرائها ومسؤوليها، تثبت بوضوح، النيّة المبيتة للعدو بارتكاب جريمته، وهو تماماً، ما تحتاج إليه المحكمة.

فرادة الحالة الفلسطينية أنها قائمة الآن، المجزرة تُرتكب ساخنة، والأحداث مستمرة؛ وهو ما جعل جنوب أفريقيا تطالب بقرار فوري لوقف إطلاق النار، كتدخل طارئ للحد من الجريمة الجماعية التي ترتكب.

بصرف النظر عما ستخرج به المحكمة التي قد تسيس، فإن إسرائيل موقّعة على اتفاقية الإبادة الجماعية، لا، بل إن الاتفاقية وُضّعت في الأصل على شرفها، بعد المحرقة وكي لا تتكرر أبداً. والرأي العام مجيّش ومستنفر، وثمة منظمات بدأت العمل لتضغط، وها هي توقّع العرائض وتحضّر للتظاهر. قضية فلسطين تنتعش اليوم، وتفوز بالنقاط، وبكشف الغطاء تدريجياً عن بشاعة احتلال لم يكن وجهه البشع سافراً يوماً، أمام العالم كما هو عليه اليوم.

إسرائيل التي وُلدت من رحم قرار أممي، وعاشت بفضل الترويج الكاذب لنموذجها الحضاري، ونظامها الديمقراطي، وجيشها القوي، تتدحرج سمعتها وتنهار صورتها. وهي هذه المرة، لا تستطيع أن تدير ظهرها كما فعلت مع مئات القرارات الأممية التي أدانتها. تعتبرها دعوى قضائية «مقرفة»، لكنها مضطرة إلى المواجهة؛ لأخذ الأمور على محل الجد. بدأت، ما استطاعت بحذف التصاريح الكريهة التي تدينها لوزرائها ومسؤوليها، من الرغبة في القتل بالنووي، إلى الأمر بتجويع وتعطيش الشعب الفلسطيني، ومساواة المدنيين بالعسكريين، ووجهت دبلوماسييها للضغط على الدول لرفض المحكمة وإدانتها.

لكن من يمحو صور الجثث المكدسة من الأذهان، وأطراف الأطفال المقطعة، ودموع الثكالى، ومشاهد التهجير والوجوه الشاحبة والعيون الشاخصة. كيف ينسى شعب جنوب أفريقيا أن إسرائيل دعمت النظام العنصري الذي سعى لمحو هويتهم، بالمال والسلاح والخبرات. كانت إسرائيل آخر من تخلى عن حكومة الأقلية البيضاء عندما قاطعها العالم أجمع، وحاصرها للتراجع عن ارتكاب جرائمها.

يقول نائب يهودي سابق من جنوب أفريقيا، إن بلاده بعد تجربة مريرة و350 سنة من أهوال الفصل العنصري، تعرف جيداً معنى «الإبادة»، وهي أفضل من يمكن أن يدّعي على مرتبكيها. ويعتقد أندرو فاينشتاين صادقاً أن «ما تفعله إسرائيل هو أكثر وحشية بكثير من أي شيء شهدناه، ذات يوم، في جنوب أفريقيا». ربما لأن النظام عندنا كان يحتاج إلى السود كعمّال لتسيير الاقتصاد، في حين ترى إسرائيل أنها بغنى عن الفلسطينيين كيد عاملة، ويمكنها أن تقتلهم بعشرات الآلاف، حتى تنتهي منهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إخوتنا في «الأبارتايد» إخوتنا في «الأبارتايد»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon