توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سياسة الذئاب والخراف

  مصر اليوم -

سياسة الذئاب والخراف

بقلم - سوسن الأبطح

لا تكتفي إسرائيل لتمييز مواطنيها وترسيخ الفصل العنصري في الضفة الغربية، بانفراد سياراتهم بأرقام باللون الأصفر، فيما لوحات السيارات الفلسطينية باللون الأبيض، بل تلجأ لما هو أكثر. إذ بات نظام «الذئب الأحمر» منتشراً على الحواجز في الخليل والقدس الشرقية، لمسح وجوه الفلسطينيين رقمياً، وتعقبهم وتقييد حركتهم. وهو مرتبط بنظام آخر يدعى «قطيع الذئاب» يحفظ تقاسيم الممسوحة وجوههم، وتحفظ عليه قاعدة بيانات، فيها جميع المعلومات عنهم، وكذلك أفراد عن أسرهم، وأماكن إقامتهم، ونوعية سلوك كل منهم، وكأنما كل فلسطيني مجرم ولن يثبت العكس أبداً. كل هذا يستفاد منه على تطبيق «الذئب الأزرق» التلفوني الذي يتيح للإسرائيليين الاستفادة الفورية والسريعة من المعلومات الموجودة لديهم، بمجرد الحاجة إليها.

هكذا يساق أصحاب الأرض كالخراف إلى حتفهم، تبعاً للسياسة الذئبية. وهو ما يؤكده الصحافي الفرنسي جان كواتريمر حين يقول: إنَّ الفلسطينيين يُعامَلون كـ«الماشية». المستوطنون «يقتحمون المنازل على ساكنيها، يرسمون الصلبان على جدرانها، هل يمكنك أن تتخيل؟ هذا يذكرنا نحن الفرنسيين، بالاحتلال الألماني والازدراء تجاه الشعب الذي تم احتلاله. إسرائيل تلعب بالنار، حقاً».

وهذه حقيقة، فهم لم يتعظوا من تهاوي تفوقهم الرقمي، أمام غضب الغزيين وألَمَهم، وإصرارهم على كسر القيود في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول).

والإنذارات تأتيهم من أهل البيت أنفسهم، من القائد السابق للجبهة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، عميرام ليفين، الذي لا يرى فرقاً بين ما يحدث في الضفة الغربية من فصل عنصري مطلق، وما عاشته ألمانيا. وتحذيرات الهيئات الأممية قديمة. «الإسكوا» عام 2017 عدّت إسرائيل «مذنبة بجريمة فرض نظام (أبارتايد) على الشعب الفلسطيني، مما يصل إلى حدّ ارتكاب جريمة ضد الإنسانية» وعليها تحمّل مسؤولياتها.

لهذا يشعر الإسرائيليون، أنهم، والحالة الاعتراضية الكبيرة هذه، في سباق محموم مع الزمن لزرع أكبر عدد من المستوطنين، في أقصر وقت. هؤلاء بات عددهم 700 ألف؛ مما يجعل بقاءهم أمراً واقعاً، وحلّ الدولتين الذي ينادي به العالم كله، مجرد كليشيه لا مكان لها على الأرض.

لا يتوانى مستوطنون عن السخرية: «لم يبق للفلسطينيين على الخريطة إلا بعض الثقوب إن كانوا يريدون أن يقيموا دولتهم عليها». لكن حتى هذه الثقوب لم تعد مسموحة.

أكثر من 1100 فلسطيني نزحوا من مساكنهم في الضفة الغربية بسبب هجمات المستوطنين الإسرائيليين منذ مطلع السنة، ونفذت أكثر من 60 حادثة هدم، وأصبح مئات الفلسطينيين بلا بيوت. كذلك أُجبر أكثر من ألف شخص آخرين على ترك منازلهم في الأربعين يوماً الأخيرة، أي خلال حرب غزة، وقتل 200 فلسطيني، في حين تعرّض الأبرياء العزل لـ250 هجوماً شرساً.

وللتعجيل بالطرد والتطفيش والسطو على الأراضي والمنازل، تم ضمّ جزء من المستوطنين إلى الجيش وزُوّدوا بالأسلحة والبدلات، لكن مهماتهم لم تتبدل وأصبحت رسمية وأكثر عناداً وغطرسة.

ثمة عائلات فلسطينية تبيت في السيارات؛ خشية أن تحرق فيهم منازلهم وهم نيام بداخلها، ومنهم من اضطر إلى الرحيل فعلاً حين لم يبق له من سقف ولا حيلة.

لم تعد المستوطنات بضعة منازل متقاربة مع خدماتها البسيطة. عمّرت المدن وإلى جانبها مصانع ومدارس وجامعات وأندية ومنتزهات. «أريل» التجمع السكاني الإسرائيلي الأكبر في الضفة، يتحضّر لتصبح عاصمة. شق منها الطريق رقم 5 الشاسع بمساراته الأربعة التي توصل إلى القدس وتل أبيب، أكبر مركزين سكنيين. صار بمقدور المستوطنين الخروج من منازلهم مباشرة والانتقال الهادئ المطمئن إلى قلب إسرائيل دون أن يلتقوا بالعرب المزعجين. هم أصلاً لا يرونهم، ولا يعنيهم أمرهم. يعيشون وكأنما الضفة أصبحت بالفعل لهم، ولا يعتقدون أن ثمة ما يمكن يوماً أن يؤرقهم.

تتذرع إسرائيل بالاكتظاظ السكاني في أراضي 48، وبالازدهار والغليان الاقتصاديين غير المسبوقين، لتبيح لنفسها التمدد، تشق الجسور إلى الضفة، تجرّف الأراضي الزراعية، تبث مستوطنيها، ليخربوا الآبار (تعطيش البشر سياسة استعمارية رهيبة) ويسدوا الطرقات، ويحاصروا المدن ويقتلوا السكان. حتى موسم قطاف الزيتون الذي يعيل 100 ألف عائلة لم يعد آمناً ولا ممكناً. شجرة الزيتون، رمز للمقاومة والاستمرار. تخيل أن تكون أشجارك قربك ويأتيك من يمنعك قطافها، ويسلبك خيرها. هذا عدا سياسة مصادرة الأراضي بحجة وجود قبور يهودية فيها، آلاف الدونمات أُخذت من أصحابها، بهذه الحجة، ريثما يعاد استخدامها، في مشروعات مستقبلية.

العيش في الضفة ذلّ على مدار الساعة، وخضوع قسري للمهانة. وإذا كانت غزة هي أكبر سجن في العالم، فإن الضفة هي الأرض التي يمارَس عليها أكبر قهر تعرفه مجموعة بشرية في زمننا الحالي. إذ إن إحاطة المدن بالأسوار وإغلاق الأبواب، وسجن مئات الآلاف، هو مما يمارس على أهالي الضفة أيضاً.

انحدار يسيء بشكل غير مسبوق لصورة إسرائيل التي حرصت على تلميعها. فالضفة قانونياً أرض محتلة، وللمواطنين الفلسطينيين حق الرعاية والحماية من المحتل، وما يرتكب سيكون من الصعب تبريره أو فلسفته، كما يحدث في غزة، وهذا ما يشغل حلفاء إسرائيل الأقربين. أدان الرئيس الفرنسي ماكرون التجاوزات غير المقبولة. وفي سابقة فريدة، يسعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى فرض عقوبات، على مستوطنين متطرفين يهاجمون فلسطينيين في الضفة.

الأفق يبدو مغلقاً بالكامل، كأنما إسرائيل أفلتت من عقالها، بما ارتكبته في غزة من مجازر، وإصرارها على تدمير حياة الفلسطينيين في الضفة. بهذا تؤسس لعقود من حروب لن تنتهي، وجحيم مقيم لسكان المنطقة أجمعين، خاصة بصعود نجم متطرفين يزدادون رغبة في السفك والانتقام.

الأمل الوحيد المتبقي هو إقناع حلفاء إسرائيل الأقوياء، أن طموحها الدموي والإلغائي سينقلب وبالاً عليها. وهي، كما نعرفها، لن ترعوي. لهذا؛ فإن عزل إسرائيل، والاستفادة من الصورة المخيفة التي بثتها عن نفسها، والاستمرار في التذكير بسوء أفعالها، وإضعافها اقتصادياً وأمنياً، وهذا ما تحقق جزء منه، هو السبيل الوحيد لإعادتها إلى صوابها، بعد أن جُنّت وأُصيبت بالهستيريا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سياسة الذئاب والخراف سياسة الذئاب والخراف



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon