توقيت القاهرة المحلي 03:31:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«النسوية» البيضاء

  مصر اليوم -

«النسوية» البيضاء

بقلم - سوسن الأبطح

باستثناء تظاهرة خجولة من بضع نساء في لبنان، لم نسمع من جمعيات حقوق المرأة العربيات بمن فيهن اللبنانيات، اللواتي تفاخرن طويلاً بريادتهن في الدفاع عن الجنس المهيض، مواقف تذكر، احتجاجاً على ما تتعرَّض له المرأة الفلسطينية في غزة، من جرائم منكرة، وصلت حدّ الإبادة، وأطفالهن الذين يقتلون في المهد. والأمر ليس بالضرورة مصادفة. فالمرجعيات الغربية لغالبية هذه الجمعيات، لا تتقاسم مع الفلسطينيات وجعهن.

ولعلَّنا ظلمنا «الرجل الأبيض» حين نسبنا إليه وحده العنصرية، ونزعة التفوق المتعجرفة، فيما يبدو أن «المرأة البيضاء» لا تقل عنه انحيازاً للونها على حساب جنسها، وعنصرية من أجل الحفاظ على برجها. فمن الصادم أن تكشف وزيرة المساواة بين الجنسين، الفرنسية أورور برجيه، أنها مصرّة على معاقبة الجمعيات النسائية التي شاب تعليقاتها «أدنى غموض» فيما يخص الظلم الذي تعرض له الإسرائيليون على يد «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، دون أدنى ذكر، لعشرات آلاف النساء والأطفال الأبرياء الذين قتلوا ولا يزالون يذبحون في غزة.

حرمان الجمعيات من التمويل بعد أن صارت تطارد بعناية وتحاسب على كل كلمة تصدر عنها، بحيث تدرس من كثب، من قبل السيدة الوزيرة، يعني إغلاق أبوابها؛ ولا يكفي أن تصمت أو تتعاطف بهدوء، بل يجب أن تعلن بوضوح لا لبس فيه، وبصوتٍ عالٍ وقوفها إلى جانب إسرائيل، كي تنال المال. فقد قالت الوزيرة الشابة: «أن تكوني نسوية يعني دعم النساء اللاتي تعرضن للاعتداء في 7 أكتوبر». ومع أن لا شيء مثبتاً، فيما يتعلق بالادعاءات الإسرائيلية حول الاغتصاب، وحرق الأطفال، ولا تزال المحاولات مستميتة لإثبات أي تفصيل، إلا أن الوزيرة تريد أن تصدق وتغرد حول عذابات الإسرائيليين، ومنها ما حذفتها؛ لأن إبقاءها، بعد افتضاح كذبها، ما عاد ممكناً.

شكوى جمعيات حقوق المرأة من رهن موقفها بمصالح الممولين، وأصحاب السلطة ليس بالجديد، لكن التصريح أقوى من التلميح. كان واضحاً الاستخفاف ولعشرات السنين بآلام النساء العراقيات اللواتي ذبحن وأُفقرن وثكلن دون أن يحتجّ أحد، فيما تتجند الجمعيات النسوية الغربية وتطلق الدعايات، وتفرد صفحات المجلات للتشهير بالرجل الأفغاني الذي يحرم المرأة من التعليم، ويفرض عليها الحجاب. وثمة نساء بسمن وغيرهن بزيت، تبعاً لإمكانية توظيف القضية في تدعيم السياسات الاستعمارية، ومصلحة المحتلّ في كل مرة. فقد استخدم الأميركيون النساء عندما كانوا في أفغانستان ونسوهن بمجرد هروبهم بالطائرة.

الحركة النسوية في الأصل تبلورت في نهاية القرن التاسع عشر، وخرجت من رحم الثورات التحررية في أوروبا، التي نادت بالمساواة واحترام حقوق الإنسان. وانصبت في البدء مطالبها على العمل والتصويت والمشاركة السياسية. ولم يكن نشر هذه القيم عالمياً على جدول المناضلات يومها، وإن تأثرت بهن نساء عربيات، وبدأن يكشفن عن وجوههن ويخلعن الأحجبة، ولا يزال كتاب قاسم أمين «تحرير المرأة» محطة، ودور هدى شعراوي، يؤرخ به. لكن ما حدث بعد ذلك في النصف الثاني من القرن العشرين إثر خروج الجيوش الاستعمارية، هو أقرب إلى أدلجة هذه المطالبات وتغريبها، وإلحاقها بما يحدث في أوروبا، منها إلى الحركات النسوية الوطنية ذات الصوت المستقل. وبمرور الوقت وتزايد التمويلات الخارجية فقدت غالبية الجمعيات النسائية بوصلتها الذاتية، وخضعت لأجندات جاهزة، بحيث لم تعد أولويتها الوعي والتعليم، والمساواة في العمل، بقدر ما ركزت على الطلاق والزواج وما يدور في المحاكم الشرعية. ولا ينكر على هذه الجمعيات بعض إنجازاتها التي حققتها، لكنها في لحظة تاريخية كالتي نحن فيها، تختفي وتغيب، وكأنها لم تولد يوماً.

استغلال براءة الحركات النسوية لحسابات سياسية، ليس حكراً على العرب والدول النامية. ففي أوروبا تشتكي نساء من وقوعهن تحت سطوة «السياسات الإمبريالية». ولم تنتظر هؤلاء السيدات مآسي غزة ومذابحها ليستشعرن مخاطر استغلال عناوين نسائية لتحقيق مكتسبات مالية وسياسية، لا صلة لها بالمرأة ولا بالطفل.

الأسئلة كثيرة عند النساء حول ركوب موجة حقوق المرأة للنفاذ إلى أهداف شريرة. «ما هو الرهان؟ كيف انتقلنا من النسوية التي كانت بعيدة عن شرّ العنصرية والاستعمار في العالم، إلى نسوية بيضاء إمبريالية؟» تسأل فرنسوا فيرجيس في كتابها «نسوية لإنهاء الاستعمار» الذي تحاول فيه أن تفهم كيف أصبحت الحركة النسوية ركيزةً للعديد من الآيديولوجيات التي تبدو للوهلة الأولى معارضة لبعضها البعض، مثل الليبرالية، والقومية المعادية للأجانب، والآيديولوجية اليمينية المتطرفة؟ كيف أصبحت حقوق المرأة إحدى الأوراق الرابحة للدول الاستعمارية، ومن الملاذات الأخيرة للنيوليبرالية، ورأس الحربة لسطوة القوى الاستثمارية؟ وثمة نساء غربيات اليوم، يعتقدن أنهن بحاجة للتعامل مع نساء الجنوب، بمختلف جنسياتهن، يداً بيد ليضعن حداً لتسلط القوى المهيمنة، والتي يقعن جميعهن، على مختلف ألوانهن، ضحايا لها. فإذا كانت هذه القوى المتسلطة تفقر وتقتل نساء الجنوب، فهي ترتكب الجرائم باسم نساء الشمال ورجاله.

وفي جلسة عقدت مؤخراً شاركت فيها الكاتبة فرنسواز فرجيس والناشطة الفرنسية الجزائرية الأصل حورية بوثلجة، تحت عنوان «النسوية البيضاء متواطئة مع إسرائيل»، قالت الأخيرة: «إن نضالنا بدأ يثمر؛ لأن سياسة البيض في حالة خلل وارتجاج، وهم بحاجة إلينا في هذه اللحظة. لهذا تمكنا من تحويل بعضهم، ومن جعلهم بيضاً بنسخة أفضل من السابقة، وهذا ما نحن مستمرّات في عمله. فهؤلاء بروحهم الاستعمارية، لم يبق أمامهم سوى خيارين، إما أن ينضموا إلينا ويتصالحوا معنا، وإما أن يذهبوا إلى الفاشية البشعة».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«النسوية» البيضاء «النسوية» البيضاء



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon