توقيت القاهرة المحلي 10:49:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قراءة الموتى

  مصر اليوم -

قراءة الموتى

بقلم - سوسن الأبطح

غالبية الفرنسيين باتوا يشترون الكتب المستعملة، من على المنصات الإلكترونية أو من المكتبات. وفي «معرض بيروت للكتاب» قبل أشهر، طفت الظاهرة على السطح، وأخرجت دور النشر ما في مستودعاتها، وكان بعضه ثميناً ويغري فعلاً بالشراء. وجاء الشبان جماعات لانتهاز الفرصة. كتب قديمة أو مستعملة، ما يهم هو أن السعر أقل بما لا يقاس بالمطبوعات الجديدة التي صارت رهينة ارتفاع الأسعار، وأسيرة تضخم لا يرحم.
الناشرون في أوروبا يحاولون إيجاد السبل لتخفيض تكاليفهم قدر الممكن، ما داموا غير قادرين على رفع سعر الكتاب بأكثر من هامش بسيط، كي يحافظوا على قرائهم. لكن السؤال: كم ستدوم الأزمة؟ وهذا يترتب عليه الكثير. فما يمكن احتماله هذه السنة سيكون محالاً العام المقبل.
محبو الكتاب من ناشرين وقراء، جميعهم يقاومون، مع علمهم المسبق أن الثقافة هي الخاصرة الأضعف. ففي فرنسا، ترافق الدخول المدرسي بصدور ما يقارب 500 رواية، بارتفاع طفيف عن العام الماضي. وفي إسبانيا زادت نسبة القراءة 2 في المائة عن السنة السابقة، ذلك أن أكثر من ثلاثة أرباع الإسبان يقرأون بشكل منتظم كتاباً كل شهر، والنسبة ترتفع قليلاً لدى الشبان الصغر سناً.
الأرقام والإحصاءات الأوروبية تجعل الصورة واضحة والتشخيص أسهل. عربياً، ثمة اعتماد على التقديرات. يعتقد الأديب إبراهيم عبد المجيد أن ثلث دور النشر الصغيرة أغلقت أبوابها. وكثير منها خفض إنتاجه، فرأس المال وقلة الإقبال على الشراء لم يساعداها على أن تستمر في نشر العدد الذي كانت تنشره كل عام.
ارتفاع سعر الورق بما نسبته مائة في المائة في عام واحد فقط، أحدث صدمة في سوق النشر عالمياً. وإذا أضفنا صعوبة الشحن التي بدأت خلال الجائحة، وشُح المواد الأولية، وارتفاع تكاليف الكهرباء، والرواتب، هذه كلها ستؤدي في النهاية إلى جعل الكتاب مادة غالية الثمن.
خلال الوباء، عديدة هي مصانع الورق التي أغلقت، والبعض الآخر خفض إنتاجه، بينما روسيا التي تصدِّر إلى مصر -مثلاً- ثلث حاجتها، هي اليوم في حرب.
ومن الآن، يفضل عديد من دور النشر، حين لا يكون المؤلف نجماً ومضمون القراء، أن يدفع بنفسه جزءاً من تكلفة الإصدار أو كله. هذا معناه أن الأغنياء وحدهم سيتمكنون من طباعة كتبهم، إذا لم تتدخل الحكومات لشراء النسخ، أو تدعم النشر.
وعكفت «دار الجديد» التي تعاني صعوبات مالية منذ سنوات، ولم تزدها الأزمة إلا إصراراً على إيجاد الحلول، على نشر غالبية كتبها الجديدة إلكترونياً ومجاناً، على موقعها الخاص. صاحبة الدار رشا الأمير تعترف بأنها لا تملك المال ولا اللوجستيات لإيصال الكتاب إلى القارئ العربي؛ كل في بلده، فهذا يستغرق وقتاً وجهداً ومالاً؛ لكنها تتمكن حالياً -بفضل الإلكتروني- من إيصال الكتاب الجديد إلى كل من يرغب.
هذا لا يحل المشكلة، وإن بدا ظاهرياً كذلك. فإذا كانت الطباعة هي أقل من نصف كلفة الكتاب بقليل، يبقى التحرير والتدقيق والمراجعة والإخراج الفني، وهذا مكلف، والمهرة في المهنة يرفعون أسعارهم لقلة أعدادهم.
الكتاب الورقي لم يعد متربعاً وحده على العرش. الكتاب الإلكتروني الذي لجأت إليه «دار الجديد» ودور أخرى، له أشكال عديدة، والقراصنة صاروا أسرع من الناشرين.
وأمام هذه الفوضى؛ حيث تحاول النصوص الجديدة أن تتموضع، وتجد الوسيلة الفضلى للوصول إلى القراء، تقرر «سبوتيفاي» المنصة الأميركية العملاقة للموسيقى، والصوتيات، أن تخوض تجربة نشر الكتب المسموعة من أوسع أبوابها. فهو بالفعل لا يزال مجالاً بكراً نسبة إلى المجالات الأخرى، ويزيد الطلب عليه 20 في المائة سنوياً.
وتقدم «سبوتيفاي» لزوارها 300 ألف كتاب مسموع، من بين روائع الكتب وعظيمها، بعد أن استحوذت على «فيند أواي» الرائدة في الكتب الصوتية.
هي محاولات لها ما يوازيها بالعربية؛ إذ نجد على منصة «أنغامي» عديداً من الكتب المسموعة؛ لكنها مختصرة، ولا تتجاوز مدتها الدقائق القليلة. وهي من نوع: «مقدمة عن النسوية والنسويات»، و«إدارة الوقت»، و«غيّر رؤيتي عن الحياة». ولا نعرف إن كان ذنب «أنغامي» أم العيب في القارئ العربي الذي يعطي انطباعاً بأنه لا يقرأ، وإذا سمع لا يصبر ولا يصغي. وهذه أسئلة تستحق نظرة معمقة.
كل يبحث عن بدائل للكتب الورقية الكلاسيكية التي تتحول صناعتها إلى ما يشبه الجواهر، إن استمرت الأزمة، وتلجأ الغالبية؛ خصوصاً المنصات الأدبية الكبيرة، إلى تسجيل الكتب القديمة التي تجاوز عمر وفاة صاحبها السبعين عاماً، كي توفر على نفسها تكلفة حقوق الكاتب. ولا بأس بالاستفادة من مجانية قراءة الموتى، فذاك حلّ جيد في فترة الأزمات.
إذا كان الناشر الغربي مأزوماً، فالعربي مخنوق؛ لأن الثقافة ليست مدعومة في الغالب من الحكومات، ولا تشبِّك المؤسسات بعضها مع بعض، أو تعقد شراكات حقيقية، لتتمكن من صدّ الصدمات. كما أن دور النشر الكبرى الإنجليزية والفرنسية تستفيد من مداها اللغوي إلى أقصى حدٍّ، لتتمكن من تفادي الإفلاس، بينما لا تزال الدول العربية بالنسبة للكتب أشبه بجزر ثقافية، وهذا سيجعل من أزمة الكتاب العربي كارثة كبرى، وإحباطاً للكُتاب والناشرين معاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة الموتى قراءة الموتى



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لجعل المطبخ عمليًّا وأنيقًا دون إنفاق الكثير من المال

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 19:37 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مصر تُخطط لسداد جزء من مستحقات الطاقة المتجددة بالدولار

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 09:19 2021 الأربعاء ,17 آذار/ مارس

تأجيل انتخابات «الصحفيين» إلى 2 أبريل المقبل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon