توقيت القاهرة المحلي 11:54:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الهروب من الأدب

  مصر اليوم -

الهروب من الأدب

بقلم - سوسن الأبطح

تحذر جريدة «الغارديان» البريطانية، في تقرير حديث ومشوّق لها، من أن المهرجانات الأدبية الخاصة بالقراءة والكتب واللقاء بالمؤلفين لم تعد تلقى الرواج الكافي، وربما في طريقها إلى الزوال. وينصح التقرير الصحافي المنظمين بأن يسعوا إلى تغيير نظرتهم إلى الجمهور المستهدف، لأن النخب القديمة في طريقها إلى الانقراض، كما حدث للديناصورات. والحال هذه، لا بد من إيجاد السبل الذكية لاجتذاب الشبان، والملونين، والفقراء، ومَن لم يكن الكتاب يعني لهم الكثير من قبل، للإبقاء على تقاليد ثقافية، ضخت النبض في شرايين الفكر والأدب منذ عشرات السنين.
وكنا نظن أن الأزمات الاقتصادية والتحولات المزاجية الكونية تضرب العالم الثالث وحده، وننعى القراء العرب، فإذا بالظاهرة تمتد، وإنْ بقسوة أقل، وبطء أكبر، لتطول بلاد الإنجليز، وأكثر المهرجانات الأدبية شهرة مثل «هاي فستيفال»، فخر الصناعة الثقافية البريطانية، الذي امتدت أنشطته في بلاد الله الواسعة.
فالتراجع يصيب المهرجانات الثلاثة الكبرى في بريطانيا؛ «إدنبرة» و«شلتنهام»، كما «هاي» الذي انطلق بنجاح كبير منذ عام 1988، وجذوره الأولى تمتد إلى الستينات، ورعته كبريات الصحف، ومنها «الغارديان»، التي تطالب بإنقاذه، كما غيره من المهرجانات اليوم، وحتى «بي بي سي» لم تبخل بتشجيعه، واعتبر واحداً من أهم المهرجانات الأدبية والفنية في العالم.
اللافت أن «هاي فستيفال» ليس متجهماً كمعارض الكتب العربية، ففيه الموسيقى والسينما وأنشطة الأطفال الحيوية، وهو منفتح على الثقافات بفعل تجواله في عشرات البلدان. ومع ذلك، الوهج يخمد، والقراء يتقاعسون، ويتضاءلون عما كانوا عليه قبل الوباء وكوارثه.
المحاولات عند الإنجليز، كما في بلاد العرب، لا تهدأ، لقلب المشهد، وإقناع أهل الصدود، بأن ثمة ما يستحق فضولهم في قراءة الأدب. وكما عندنا، هناك من يحاول توزيع الكتب مجاناً، حين يستطيع، تشجيعاً على مقاربة الورق، واستمالة شرائح لم تألف القراءة. ولا يمكنك أن تهمل شهادة غاية في الأهمية للزوجين اللذين ينظمان «مهرجان برايتون للكتاب» المستجد. فهما يشرحان أن كلمة «أدب» باتت تستدعي في ذهن السامع صورة رجل أبيض كبير في السن، يجلس على كرسي مدعوم بجناحين. لهذا يحاول الزوجان، حرصاً منهما على إنجاح مشروعهما للكتاب، استبعاد كلمة «أدب»، كلياً عن اسم التظاهرة، كما من الإعلانات كافة، كي لا يفهم خطأ، أن المهرجان يتوجه لفئة محددة من الناس، كانت تسمى النخبة، ذات يوم، ويبدو أنها أصبحت سيئة السمعة والصورة معاً.
لا قيمة للحديث عن أهمية الأدب، ودوره في تشكيل الوعي، أو شحذ المدارك، أو أن تحاول إقناع أحدهم بسؤاله؛ ماذا لو لم يقرأ الملايين شكسبير، أو تشارلز ديكنز، أو قصائد ويليام ووردزورث؟ فهذا لم يعد مما يشغل جيل يريد أن يحقق النجاحات المهنية بقفزات بهلوانية، ويكسب ما يمكنه من المال بسرعة البرق، وينال أكبر قدر من المتع الحياتية، قبل بلوغ الأربعين. فالبعد الروحاني الإنساني يذبل حتى يكاد يتلاشى. لذلك، فإن كل ما يتمناه المدافعون عن الأدب، وحماته، أن يحافظوا على شيء من إرث يشعرون أنه أمام خطر داهم يتسلل سريعاً.
فشخص مثل إيلون ماسك له سلطة كونية، يقبض على أكثر من 300 مليار دولار، وصاحب أكبر وأشهر شركة سيارات بيئية في العالم، قادر، ليس فقط على التمدد أرضاً، بل على غزو الفضاء، ويعدنا بأخذنا معه، لهو نموذج أكثر لمعاناً ووهجاً من رجل سبعيني يتلقى الطعنات من أجل رواية، مثل سلمان رشدي. ولولا التعاطف الذي لقيه الرجل، بسبب الطريقة الوحشية التي انهال بها مهاجمه بالسكين على جسده الواهن، أمام كاميرات آلاف المحتشدين في تلك الجلسة الشهيرة، لما تذكر أحد «آيات شيطانية» التي غرقت في النسيان، وعادت وطفت على سطح مبيعات «أمازون». ولا غرابة، فيما قالته صاحبة مكتبة لوكالة «أسوشيتد برس» من أن المتعاطفين جاءوا بالجملة يطلبون كتب سلمان رشدي إثر الحادثة، بينما كان البائعون أنفسهم لا يعرفون شيئاً عنه، ولم يسمعوا باسمه من قبل، ما يدلل على أن القراء نسوه. ويرجح أن المعتدي نفسه، نظراً لصغر سنه؛ حيث لم يكن قد ولد بعد يوم صدرت الفتوى بالقتل قبل 34 عاماً، ليس من الجيل الذي ينبش في المكتبات، ويقضم الكتب.
40 سنة مرت، قبل أن تقرر «اليونيسكو»، عقد اجتماعها العالمي الثاني حول «السياسات الثقافية» للحكومات. فهذا موضوع مركب ومعقد، نسبة إلى كوارث أخرى أكثر إلحاحاً، مثل إغلاق المدارس لعامين متتاليين، بسبب «كوفيد»، أو تدمير المعالم الأثرية، ومحو مدن عمرها مئات السنين عن بكرة أبيها. وفي اللقاء الذي سيجمع وزراء الثقافة للدول الدائمة العضوية في الأمم المتحدة، وآلاف الشخصيات ذات الوزن في المجال الثقافي، في مدينة مكسيكو الشهر المقبل، سيكون من الصعب اللحاق بكل الانقلابات التي حدثت، وتصحيح البوصلة.
حين نتحدث عن «الثقافة»، يأتي الأدب في ذيل اللائحة، وليس على رأسها، كما كان الحال قبل 10 سنوات. صارت كل مفردة بحاجة لإعادة تعريف. تغيرت أمزجة الناس، وظروفهم الاقتصادية، ما يستدعي مراجعة شاملة لأنظمة التعليم، ومعنى العدالة المعرفية، والخصوصيات الثقافية، والهوية، حتى حرية التعبير.
وما يعني الوزراء المستعجلين حتماً، كما الجيل الجديد، هو قطف الثمر، وإطلاق الاستثمارات، فيما بات يعرف بـ«الاقتصاد الإبداعي» الذي جلب لبريطانيا 100 مليار دولار عام 2017 وحدها. وهذا لا يعني رعاية الفكر والفلسفة والروايات، إنما الأولوية هي للألعاب والأزياء وتصميم الأثاث، وكل ما يدرّ جنيهات ودولارات، ويسد عجزاً في زمن المحن.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهروب من الأدب الهروب من الأدب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon