بقلم :خالد منتصر
كنا نتساءل كل عام: أين الأطفال من خريطة رمضان؟ الأطفال الذين يشكلون ثلث عدد المصريين كنا نسقطهم من حسابنا درامياً وإعلامياً، هذا العام تذكرنا الأطفال وتلافينا خطأ النسيان بعمل رائع ومتكامل، المسلسل الكارتونى «يحيى وكنوز» الذى يمثل طفرة فى عالم الكارتون والأنيميشن، خطوة مهمة على الطريق الصحيح، لمزيد من إنتاج دراما الأطفال وبرامج الأطفال.
كان يعترينى شعور الحزن والغضب عندما أجد أطفال مصر الذين هم فى المرحلة الابتدائية وهم يتحدثون بلهجة غريبة وغير مصرية بلسان معوج ولكنة مستوردة، يتحدثون عن تاريخ ليس بتاريخنا، كان ينسلخ من مصريته أمام الشاشة بالتدريج، كان الخطر داهماً، الأطفال استثمار، لكن إهمال خطابهم والحوار معهم عبر وسائل الإعلام يجعل استثمارنا فى بنوك الغير خارج الحدود والجغرافيا والزمان والمكان.
جاء هذا المسلسل الذى يعبر عن رؤية مستنيرة وإحساس مسئولية وتصميم على استعادة هذا الكنز الطفولى إلى حضن هذا الوطن، خلف هذا العمل ذكاء وتخطيط وحس وطنى واستشراف مستقبل يسكن صناع العمل، اللغة باللهجة المصرية الدارجة، الأطفال ليسوا أشباحاً متجهمة بل دمهم خفيف ويمارسون شقاوة الطفولة البريئة التى هى من صميم تركيبتهم وسنهم، أصبحنا لا نتعامل مع الطفل على أنه كتلة هلامية من السذاجة، ولكننا أصبحنا نتعامل مع طفل الإنترنت والسوشيال ميديا والسيلفى والستورى والفيس بوك والإنستجرام والمواقع..إلخ، فكان لزاماً علينا أن نغير الأسلوب ونتمرد على النمط الجاهز.
«يحيى» طفل عصرى و«كنوز» طفلة عصرية والتناول عصرى، ولكن هل هذا التناول العصرى أنسانا أننا فجر الحضارة والضمير؟ ما حدث فى مسلسل «يحيى وكنوز» كان تمسكاً بمعرفة أسرار تلك الحضارة المصرية القديمة، برموزها وأبطالها وفنها وعلمها، استغل المسلسل موكب المومياوات الرائع ونجاحه المدوى كمدخل للأطفال لمعرفة أصول حضارتهم من خلال هذا الحدث المعاصر الذى كان حديث العالم كله، وجمع كل خيوط النجاح، لأنه تعامل بعلم وفن واحترافية مع حدث يقدم المصرى على أنه صاحب حضارة وتاريخ وبصمة لن تمحى، كالوشم على جسد وروح ووعى سكان هذا الكوكب كله، وبما أن الطفل شفرته هى الدهشة والفضول، ومسامه تنفتح ببكارة وطزاجة على كل ما هو جديد، والشعب الذى يحمل دهشة طفل على الدوام هو شعب مبدع خلاق.
كان على المسلسل أن يقدم الإبهار فى التقنيات، ولا يعتمد على الرسوم المتحركة التقليدية، أصبحنا أمام تقنيات عالية المستوى ورفيعة التصميم، لا تقل عن أى مستوى عالمى، حشود وجنود ومعارك وحركة وتجول ما بين أعظم الآثار ورؤية أجمل النقوش وأروع الألوان، مما يجعل الطفل فى حالة انجذاب مغناطيسى لهذا السحر المتحرك بأطيافه الملونة على الشاشة.
الدولة التى تهتم بعقل الطفل ووجدانه هى دولة تستثمر فى المستقبل، لذلك نحلم بالمزيد والمزيد من الاهتمام بتنمية وتربية الطفل عقلياً وروحياً من خلال تلك الرسائل الدرامية والإعلامية، راهنوا على الطفل ولن تخسروا أبداً.