توقيت القاهرة المحلي 14:49:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أبو البنات و«القفة»

  مصر اليوم -

أبو البنات و«القفة»

بقلم -خالد منتصر

تمنيت طوال عمرى أن أكون أباً لبنت اسمها سعاد على اسم أمى، لكن الله رزقنى بولدين فقط، هما قرة عينى، لكن كان لى حق الحلم، والآن وبعدما شاهدت معاناة آباء البنات فى مصر لى الحق الآن أن أعلن أن هذا الحلم للأسف يتحول فى المحروسة إلى كابوس، أبو البنات فى هذا الوطن مطلوب منه أن يمتلك ألف عين، وأعصاباً من فولاذ، وقلباً من ثلج، فهو أبو صانعات الفرح وناسجات البهجة وصاحبات السعادة، هو والد ألطف الكائنات، لكنهم فى بلادنا المتدينة بطبعها، يطلبون من البنت أن تكون خرساء، لأن صوتها عورة، تمشى على الأرض الهوينى، وكأنها سراب، لأن وقع أقدامها من الممكن أن يكون فيه دلال وميوعة ومياصة تثير ذكور الأمة المؤمنة، أن تخفى الشعر والكعب وحلمة الأذن وأرنبة الأنف حتى لا يهتاج فحول القبيلة، تشب البنت فى البيت لتجد أن اسم أمها عيب، هى الحرمة والحرام، اسمها مشطوب فى بطاقة الأب، عندما ينادى الأب عليها فى الشارع، ينطق باسمه ولا يتلفظ باسمها حتى لا يتم تجريسه، غير مسموح لها باللعب فى الشارع مثل الأولاد، ممنوع عليها الفسحة أو السفر مثل الصبيان.

أبو البنات يعيش حالة فوبيا مزمنة، خوف وذعر وتوقع للسيئ دائماً، يدفعه المجتمع لتقليم أظافر ابنته انطلاقاً من الشعار المقدس «اكسر لها ضلع يطلع لها ضلعين»، يكفى أنها هى التى أخرجت أبانا آدم من الجنة، رغم أنه قد أنعم ومنّ عليها بأنها قد خلقت من ضلعه المعوج، كانت هى الحية التى خدعت وهبطت بنا من الفردوس، يصرخون فى وجهه الختان الختان، الطهارة الطهارة، لا بد أن تبتر أيها الأب الغلبان المصاب بداء خلفة البنات، هذا الجزء الزائد فيها، والذى يجعلها هلوكاً تطلب الرجال، امنع هذا البروز الشيطانى من الاحتكاك بملابسها الداخلية وجلب العار لك، ما إن تشب عن الطوق حتى يكتشف وتكتشف البنت أن الشارع المصرى قد سرق منها ولفظها، الشارع لم يعد لها فى بلد دخل موسوعة جينيس بأكبر نسبة تحرش، ضباع الأسفلت تتعامل معها على أنها قطعة لحم، الضباع التى تبرر لنفسها أن قطعة الحلوى المكشوفة حتماً سيتجمّع حولها الذباب، يرضون لأنفسهم وصف الذباب الذئاب، يستبيحون العنف اللفظى والمادى أيضاً ضد الأنثى التى هى مفعول به حتى الموت، فالمرأة ما لها إلا ستران البيت والقبر.

هناك من يتبجح قائلاً: «مش عايزة تتدبحى البسى حجاب واخرجى زى القفة علشان الراجل ريقه مايجريش»!!، وهناك شيخ قال إن المرأة التى تخرج سافرة قد أسقطت عن نفسها رداء العفة فحلال فيها الاستباحة، وآخر يقول إنها بدون حجاب وكأنها تقول للرجال هلموا مرحباً بكم إلى الوليمة، وآخر يقول إن التحرش بمرتديات ولابسات الجينز واجب قومى!!، عندما علمتها كتب القراءة فى الصغر أن سعاد تنظف البيت وعادل يقرأ الكتاب، لم تكن تعرف أن المجتمع يعدّها ويؤهلها لتكون خادمة لكن بدون أجر، فتتزوج لتهرب من تسلط الأسرة وعنف الشارع ونفور المجتمع وإحساس الجميع بأنها عورة تمشى على الأرض، وعار يحول بيننا وبين السماء، تهرب من سجن إلى زنزانة، ومن منزل الأسرة إلى معتقل الزوجية، حتى اللقاء الحميم بعد الزواج لا بد أن تكبت فيه مشاعرها وتكون كالدمية الكاوتشوك حتى يلقى فيها الرجل بفضلاته خشية اتهامها بأنها كانت قبل الزواج «دايرة على حل شعرها»!!، وبالطبع عليها أن تُلبى وترضخ حتى لو كانت متعبة أو منهكة أو حتى قرفانة من اللقاء، لا بد أن ترضخ حتى لا تلعنها الملائكة التى هى على خصام مزمن معها وضدها طوال الوقت وكأن بينها وبين المرأة ثأراً قديماً، تظل طوال حياتها تبحث عن هويتها.. كينونتها.. حياتها بلا جدوى، حتى يحتضنها القبر فى نهاية حياتها، إنه الوحيد الذى احتضنها.

كنت أتمنى أن أكون «أبو البنات»، لكن سامحونى، فأبو البنات فى مصر مشنوق مشنوق يا ولدى، يعيش حزيناً على بنت أراد لها الحرية، فأفزعوه بأنه ديوث، وأرعبوه بأنه خنزير سيدخل النار ممسكاً فى ذيل جلباب ابنته التى هى من أكثر أهل جهنم، كان نفسى لكنى أعترف أننى لا أستطيع تحمّل وأد ابنتى فى مجتمع يعتبرها نصف إنسان وكل الخطيئة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبو البنات و«القفة» أبو البنات و«القفة»



GMT 00:01 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

الحضارة في المطرية

GMT 00:07 2024 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

عاربون... صوت صيادي اللؤلؤ

GMT 01:15 2023 الخميس ,22 حزيران / يونيو

كل هذا جرى في نهار واحد

GMT 00:13 2022 الجمعة ,14 تشرين الأول / أكتوبر

الجائزة... وإنما

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon