بقلم - خالد منتصر
ونحن فى أول سيكشن للنساء والولادة فى طب قصر العينى دخل علينا الشاب د. حسام بدراوى، العائد حديثاً من بعثته فى أمريكا، ليشرح لنا فى أول محاضرة ميكانزم عملية الولادة، كان يمسك فى يده بمجسم للجنين، ويشرح حركات خروجه من الرحم تحت ضغط الانقباضات، كان يشرح التفاصيل العلمية المعقدة مغلفة بسحر أدبى وبلاغى، كان وكأنه يشرح ويحلل مقطوعة موسيقية، كنا نخشى أن يرتفع صوت أنفاسنا حتى لا يقطع انسجامنا واستغراقنا فى سماع الشرح واستيعاب المحاضرة، ما حدث بعد السيكشن من حوار بيننا وبين د. حسام وصبره على أسئلتنا داخل وخارج موضوع المحاضرة، وتفاعله مع الجيد والردىء من أفكارنا، وعدم السخرية من حيرتنا وأحياناً جهلنا وحماقتنا فى هذا العمر وتلك الظروف التى كانت الجماعة الإسلامية فيها هى حاكم الكلية الحقيقى، منذ ذلك اليوم وكاريزما د. حسام بدراوى وأناقته الروحية وشياكته الإنسانية بالنسبة لى نموذج وأيقونة، بعد أن كنا الطالب والأستاذ تحولت العلاقة إلى صداقة أعتز وأفخر بها، وفى أحيان كثيرة تكون ابتسامة تفاؤله وديناميكيته وإرادته التى لا تعرف اليأس هى دائماً الدافع لأن أتغلب على إحباطى وكسلى المزمن، لذلك حرصت على قراءة كتابه الأخير الرائع والشامل «حوارات مع الشباب لجمهورية جديدة»، الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، الكتاب موسوعى يقترب من ٥٠٠ صفحة، ولا يمكن تلخيصه فى هذه المساحة، إلا أن أهم ما فيه هو شكل الحوار بينه وبين الشباب والذى يذكرنا بحوارات مقهى على الشارع السياسى التى كان يكتبها الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس، هذا الشكل يدرب القارئ على فضيلة الاستيعاب ومهارة الاستماع والإنصات الإيجابى واستفزاز علامات الاستفهام، وهى فضيلة لو تعلمون عظيمة، وفريضة لو تعلمون غائبة.
يقدم د. حسام فى كتابه رؤية متكاملة للجمهورية الجديدة، ويبدأ من جذور الأشياء، من المصطلحات التى إن لم نتفق عليها لن نصل إلى شىء؛ ما الديمقراطية؟ ما شروط الدولة المدنية الحديثة؟ وهل ديمقراطية صندوق الانتخاب هى الحل السحرى والناجع؟ المعمار والبنيان أم بناء الإنسان، أيهما له الأولوية؟ وعن تجربته فى خضم الربيع العربى وكونه جزءاً من القصة فى ذروتها جعل شهادته من أهم الشهادات على تلك المرحلة المفصلية فى تاريخ مصر، وبالطبع كان ملف التعليم الذى يعتبر د. بدراوى مرجعاً لا غنى عنه لكل من يريد إحداث نهضة فى هذا الملف، تكوين د. حسام بدراوى الليبرالى وخبرته فى إدارة صرح صحى كبير جعلت الاقتصاد الحر وتشجيع الاستثمار على رأس أولوياته واهتماماته، ولن تتحقق نهضة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية فى رأيه دون تنوير ودون تجديد للفكر الدينى، لذلك فى حواراته مع الشباب يحاول أن يوقظ فيهم التفكير النقدى وعدم الخوف من مناقشة البديهيات وخدش التابوهات.
كتاب «حوارات مع الشباب لجمهورية جديدة» أكبر من كونه صفحات توضع على رف مكتبة بعد قراءتها، لكنه لا بد أن يكون «مانيفستو» ومشروع وخطة وخريطة عمل للمستقبل.