بقلم :خالد منتصر
يعرف أى طالب فى كلية الطب أن الموت فى كتب الطب الشرعى وطب الأعصاب هو الموت الدماغى أو ما يطلق عليه موت جذع المخ، ولو دخل هذا الطالب امتحان الشفوى وذكر فى إجابته أن الموت هو انخساف الصدغين وتدلى الخصيتين وانفراج الشفتين وانفصال الزندين، هذا الطالب سيحصل على صفر مع الرأفة، لأن علامات الموت الطبية شىء آخر تماماً، ورسم المخ فيه أصدق أنباء من الكتب الفقهية! وأشياء أخرى مع رسم المخ سنتحدث عنها فى حينها، نفس هذا الطالب بعد أن يتخرج من الممكن أن يتحول إلى طبيب درويش أو جرّاح داعشى، ويُلقى بمراجعه الطبية فى سلة القمامة ويبدأ فى التحدث طبياً بمصطلحات ابن تيمية، ويصر على أن الموت الشرعى هو توقف القلب، وأن الروح لا تخرج ولا تفارق الجسد إلا بعد توقف القلب، وسأناقش هؤلاء الأطباء الطالبانيين الدراويش من منطقهم وأرضيتهم الفقهية، رغم أننى أكره هذا الخلط ما بين العلم النسبى والدين المطلق، ولكنهم يحاولون جرجرة الدولة كثيراً إلى ملعبهم ويكذبون ويلوون عنق النصوص، رغم أن الفهم الصحيح لتلك النصوص واستخدام المنطق فى تفسيرها سيصل بنا إلى نفس النتيجة العلمية التى تدعم وتساند موت جذع المخ كمحدد للتبرع بالأعضاء وتحديد الوفاة، وتعالوا من نفس كتب فقهكم نرد عليكم، بداية سنوافقكم على أن الموت هو مفارقة الروح للجسد، وبما أن الروح هى أمر غيبى لا يعلمه إلا الله، ولا يستطيع طبيب أو فقيه أن يدّعى معرفته، فلسنا نملك، أنا وأنتم، إلا الحديث عن العلامات الدالة على هذه المفارقة، وقد اعتمدت على قضيتين فقهيتين لأستطيع من خلالهما إثبات أن الروح تتعلق بجذع المخ وليس بالقلب.
القضية الأولى هى نفخ الروح فى الجنين قبل الولادة، ففى سورة المؤمنون «ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين...» إلى آخر الآية، وقد فُسرت «أنشأناه خلقاً آخر» فى «جامع العلوم والحكم» بأنها نفخ الروح، وقد أيّدت الأحاديث النبوية أن نفخ الروح يتم بعد كل هذه المراحل، انظر الحديث الذى رواه عبدالله بن مسعود عن هذه المراحل. كل هذا يثبت أن نفخ الروح يتم بعد تكوُّن الجنين، أى بعد 120 يوماً، وهذا الرقم هو الذى أقره المجمع الفقهى لرابطة العالم الإسلامى، الذى عُقد بمكة المكرمة سنة 1990، وبما أن القلب يتكون وينبض منذ اليوم الثانى والعشرين بعد التلقيح، إذن لا يمكن أن يكون مرتبطاً بالروح ونفخها، ولكن الاتصالات والتشابكات ما بين جذع المخ وما فوقه من المناطق المخية العليا تتكون بعد الـ120 يوماً، أى أنها هى المرتبطة بنفخ الروح وليس القلب، إذن أنت أيها الطبيب الدرويش المتمسك بكتب الفقه وترفعها درجات فوق كتب الطب تتعامل مع هذا الرقم وتلك الحقيقة، فلماذا تعترف بها فى تحديد نفخ الروح للجنين، وتنكرها فى مغادرة الروح للميت؟
نأتى إلى القضية الفقهية الثانية التى سنثبت من خلالها أن المخ وليس القلب هو المرتبط بالروح، وهى قضية العلامة الدالة على حياة الجنين بعد الولادة والتى كانت مهمة عند الفقهاء لإثبات الميراث، فلم يحكم الفقهاء للجنين بعد ولادته بالحياة إلا إذا استهل صارخاً، وذلك استناداً إلى قول الرسول: «لا يرث الصبى حتى يستهل»، وقد ذهب الإمام مالك أبعد من ذلك حين اعتبر أن المولود لا يُعتبر حياً إلا إذا صرخ ولو تنفس أو حتى تبول وتحرك، وهنا فالروح ترتبط بالإدراك والإحساس والصراخ، وكلها وظائف مخية، إذن هو المخ وليس القلب مرة ثانية.
القضية عند التيار الأصولى السلفى الذى احتل عقول أطباء كثيرين ليست كرامة الميت كما يدّعون، ولكنها قضية السيطرة على العقول والتلاعب بها ومراوغتها والعناد مع من يستخدمون المنهج العلمى فى التفكير الذى حتماً سيحرمهم من التسلط ومكاسب البيزنس الدينى.