بقلم :خالد منتصر
أحياناً تأتى الدراما فتختصر علينا كفاح سنين وأطنان مقالات وركام قضايا وملفات، تؤثر وتحرك المياه الراكدة وتغير قوانين وتوعّى شعباً وتمنح المسئولين دفعة ثقة، هذه هى قوة الدراما وتأثيرها، وهذا ما تفعله يومياً فينا فاتن أمل حربى، مرافعة يومية أمام محكمة الضمير، لكى يخجل المجتمع من نفسه وهو ينظر فى مرآة الدراما، فيجد نفسه متواطئاً مع قهر المرأة، مبرراً لانسحاقها، راضياً وقانعاً بالسير على ساق واحدة يظنها رابحة فى ماراثون المستقبل، لن أناقش عناصر العمل الفنية الآن، ولكنى لا بد أن أتقدم بالتحية لشركة العدل جروب على شجاعتها فى التصدى لهذه القضية الحساسة والمصيرية وهم يعرفون تمام المعرفة أنهم سيتعرضون للهجوم والنقد والتطاول والتكفير فى مجتمع هواه سلفى نتيجة تراكم ليس هنا المجال لذكره، تعرف جيداً دورها الوطنى والاجتماعى، وتدرك أن الفن ليس أفضل ماكينة بنكنوت ولكنه أفضل أداة تنوير، والتحية أيضاً لشركة المتحدة على رعايتها لهذا العمل والاهتمام بتقديمه فى أفضل صورة ورحابة الصدر وسعة الرؤية فى رفع سقف النقد للقوانين المكبلة للمرأة، فاتن أمل حربى ضحية مجتمع ذكورى، رسخ فى الرجل منذ نعومة أظفاره ثقافة التميز فى الكون لأنه يمتلك هورمون التستوستيرون! فهو الوصى والجلاد والسيد والشهريار والفحل، هو الفاعل وهى المفعول بها.
الميزة أن كاتب العمل إبراهيم عيسى هو مفكر له ثقل، مهموم بقضية التجديد والتغيير، تصدى لكتابة العمل بعقلية المثقف الواعى الملتحم بالناس والعارف جيداً لتبعات المعركة، ليس مجرد مقصدار مشاهد، ولكنه نحات أفكار ومواقف وشخصيات من لحم ودم. أدرك المشاهد أن المرأة المطلقة فى مصر هى «سيزيف» التى ما إن تصعد بالحجر إلى قمة الجبل حتى تتدحرج إلى أسفل القاع، لتبدأ الرحلة من جديد، ما إن يقع الطلاق حتى تجد الزوج قد نفض يديه عن الأولاد، لن تجد مطلّقاً معه عياله إلا فى النادر، المطلقة هى التى تطبخ وتكنس وتوصلهم إلى المدرسة وتدريبات النادى والمستشفيات...إلخ.
وهو الذى يناكف ويتهرب من النفقة ويناور فى المحكمة، فهو قد تربى على أنه قد انتهى من دوره بوضع النطفة فى الرحم، ليغتسل بعدها من أدرانه ومسئولياته ويبرئ ذمته، تظل تائهة ما بين قسوة زوج ولا مبالاة أقارب وتأفُّف أسرة وجشع محامٍ وكعب داير محاكم وثغرات قانون وسادية تراث فقهى، لن يرضى عنها الجميع إلا إذا تحولت إلى فتات امرأة وحطام أنثى وأشلاء إنسان.
مسلسل فاتن أمل حربى فرصة ذهبية لكى نعرف قيمة الدراما ومدى تأثير الفن وإعادة تقييم حجم قوتنا الناعمة وكيفية استغلالها وتنميتها ورفع سقف الحرية لعناصرها، الفن يحمى ولا يعمى، الفن بوصلة وقارب نجاة ومرآة حقيقة وصوت ضمير وليس فزاعة تخويف أو سوط إرهاب، الفن يحلّق بجناح الخيال ولا يكبلنا بقيود وسلاسل فى الجبال.