بقلم :خالد منتصر
التعريف العلمى للموت فى مصر يسيطر على شرح معناه للجمهور الحانوتى وليس الطبيب، وهذه كارثة قد شوهت تماماً معنى التبرع بالأعضاء، ذهبنا إلى د. شريف مختار لنتلمس التعريف العلمى للموت فقال:
هناك تعريفات غير مقبولة للموت وأولها التعريف التقليدى عن التوقف الكلى الذى لا عودة فيه للوظائف الحيوية لكل خلايا الجسم، فإذا ما تذكرنا أن خلايا الشعر والأظافر تستمر فى النمو لبعض الوقت بعد الوفاة لتبين لنا أن التمسك بهذا التعريف يوقعنا فى مشكلة عدم تقرير حالات موت مؤكدة.
ثانى هذه التعريفات هو الفقدان الذى لا عودة فيه لوظائف القشرة المخية العليا، وهى ذلك الجزء من المخ الذى تتركز فيه كل صفات الشخص ومميزاته وقدرته على التجريب، بينما تختص المراكز الدنيا للمخ بالوظائف الخضرية، التى يمكن إحلالها بالأجهزة، ولكن هذا التعريف أيضاً يحمل الكثير من نقاط الضعف، وأولها أن الأشخاص الذين فقدوا وظائف القشرة المخية اكتفاء بالوظائف الحيوية لساق المخ لا يمكن اعتبارهم فى عداد الموتى، وإنما فى حالة خضرية أو نباتية Vegetative State، حيث تقتصر وظائف المخ على بدائيات التغذية واستمرارية التنفس والنبض مع غياب كامل للتعامل مع البيئة الخارجية، وكذلك حالة الطفل المولود حديثاً بدون قشرة مخية Anencephaly، فلا يمكن اعتباره ميتاً وتستمر حياته لفترة طالت أم قصرت قبل أن يموت بمضاعفات أخرى، وعلى ذلك فإن نظرية القشرة العليا للمخ كمسئول عن الحياة لا تصمد للنقد وقد تكون مسئولة عن تعريف فقدان الهوية أو الشخصية وليس فقدان الحياة، كما قد يفقد المرضى المصابون بتدهور وظائف القشرة العليا الذاكرة والشخصية وتتدهور قدراتهم الذهنية ويفقدون القدرة على التحكم فى التبول ولكنهم أيضاً أحياء وليسوا موتى، ويقودنا هذا إلى السؤال التالى:
ما هو إذن التعريف المقبول للموت؟
والإجابة عن هذا السؤال أنه بالتأكيد ليس موت القشرة العليا، ولكنه موت المخ ككل، حيث إنه المسئول عن الوظائف الفسيولوجية للكائن ككل، ويشمل ذلك التنسيق بين الأجهزة المختلفة عبر الأعصاب والغدد الصماء للتحكم فى الحرارة والتنفس والدورة الدموية واتزان سوائل الجسم وأملاحه والاستجابة للتحديات، بالإضافة إلى الوعى بالذات والبيئة المحيطة، وقد يفقد الكائن ككل ساقاً أو كلية ويستمر رغم ذلك فى القيام بوظائفه الحيوية، ولكن من المؤكد أن كل أجهزته ستتوقف فى خلال أيام أو أسابيع إذا توقفت حياة الكائن بتوقف كل المخ عن العمل.
ويقودنا هذا بالتالى إلى تعريف آخر يمكن قبوله للموت: وهو التوقف التام والذى لا عودة فيه لوظائف جذع المخ، باعتباره مركز التحكم فى التنفس والدورة الدموية ودرجة الوعى، كما يمثل محطة دخول وخروج الإشارات الحسية والحركية من وإلى فصى المخ. كما أن ساق المخ لا يمكن استبدالها بجهاز التنفس أو منظم القلب، حيث إنها تمثل نقطة للسيطرة والتنسيق للأعصاب النازلة للنخاع والتنظيم الشبكى الصاعد للقشرة المخية، والذى يلعب دوراً هاماً فى استثارة وعى المريض.
وطبقاً للتقرير الرئاسى لآداب المهنة الطبية سنة 1981 تم تعريف الموت على النحو التالى: يعتبر ميتاً كل من أصيب بتوقف تام لا عودة فيه لكل وظائف المخ بما فى ذلك جذع المخ، ويتم تحديد شروط التشخيص بالأدلة الطبية المتعارف عليها، والتوقف التام الذى لا عودة فيه لوظائف المخ يستلزم:
1- وجود سبب للغيبوبة كاف لتفسير غياب وظائف المخ.
2- انعدام احتمال عودة أى من وظائف المخ.
3- أن يستمر توقف وظائف المخ وجذع المخ لفترة مناسبة من الملاحظة مع محاولات العلاج.
ومن المسلم به أن التأثيرات الباثوفسيولوجية لموت جذع المخ تمتد إلى كل أجهزة الجسم، فقد لوحظ فى التجارب العملية على الحيوانات الزيادة المطردة فى ضغط الدماغ مع التدهور المستمر فى التروية الدموية للمخ، مما يتسبب أولاً فى ارتفاع مؤقت فى ضغط الدم مصحوب بتسارع فى نبض القلب ناتج عن زيادة فى النشاط السمبثاوى مع فترة قصيرة مؤقتة مع التباطوء الانعكاسى للنبض فى المرحلة الأولى من انحشار المخ فى فتحة الجمجمة، كما تتدهور وظائف كل أجهزة الجسم سريعاً فى غضون أيام أو أسابيع قليلة. وينتج ذلك عن الفشل الحاد فى وظائف ساق المخ حيث تتمدد الأوعية الدموية ويهبط ضغط الدم إلى درجة لا يجدى معها أى علاج بالأدوية الرافعة للضغط، ويتوقف بعدها القلب خلال أسبوع أو عشرة أيام على الأكثر، ومن التأثيرات الباثوفسيولوجية الأخرى لموت جذع المخ تناقص تروية عضلة القلب بالدم عبر الشرايين التاجية وقصور تروية الكبد والارتشاح الرئوى عبر الشعيرات الدموية الرئوية، وهو ما يعنى استحالة عودة الحياة لمريض جذع المخ وحتمية الحدوث النهائى للموت.