بقلم :خالد منتصر
هل من حقى كطبيب أن أقوم بتجربة دواء على مريض فى المنزل لمجرد أنها قامت فى دماغى أن أجربه وإنى حاسس أنه دواء رائع ولطيف ومعالج؟ الإجابة لا بالتأكيد، فالتجربة الطبية ليس مكانها المنزل أو حتى العيادة الخاصة، ولكنها تكون فى multicenter study أى عدة مراكز بحثية جامعية فى نفس الوقت تجرى التجارب على المرضى، هل هذا فقط يكفى؟ لا بالطبع، فلا بد أن تكون هناك نقطة انطلاق بحثية منطقية علمياً، ثم اختيار متطوعين، عدد قليل منهم، وهناك صفات لهذا المتطوع، متطوع عاقل رشيد بالغ، ولا بد أن تكون التجربة بدون مقابل مالى، والأهم أننا نشرح له ما هو هذا الدواء وما هى مضاعفاته وأن ما نفعله هو تجربة علمية من الممكن أن تنجح أو تفشل، ويوقع بيده على consent، وبالطبع من يقوم ويشرف على التجربة متخصصون، وتكون هناك بالضرورة double blind study، بمعنى أن هناك مجموعة تأخذ الدواء المجرب ومجموعة أخرى تأخذ قرص بلاسيبو، وهو قرص ليست فيه المادة الفعالة المجربة، وهو قرص آمن محايد خامل لا ضرر منه ولا فائدة طبية، السؤال هل بعد تلك التجارب الإكلينيكية حتى لو نجحت، من حقى أن أصف وأكتب هذا الدواء فى منزل المريض أو فى عيادتى الخاصة، لا وألف لا أيضاً، لا بد من انتظار الـfda، هيئة الدواء والغذاء، ووزارة الصحة فى البلد الذى تجرى فيه التجربة، والتى منحت الموافقة، وأى استخدام لهذا الدواء المجرب خارج نطاق التجربة يعتبر استخداماً لدواء فى غير استعماله ويخضع للمساءلة القانونية، ويحاسب الطبيب الذى يفعل ذلك فى الدول المتقدمة حساباً عسيراً، هذه معلومات فى غاية الأهمية بالنسبة لأى مواطن مصرى حتى يعرف حقه، ويعرف ما معنى الدواء، والبحث العلمى، وأنه حتى الدواء الموجود فى السوق ويستخدم لعلاج مرض معين وأراد الطبيب أن يستخدمه لغرض آخر غير موجود فى المراجع الطبية عليه أن يحترم خطوات البحث العلمى والطب القائم على الدليل Evidence based medicine، وأن من أهم حقوق الإنسان وحقوق المريض أن يكون بصيراً بأنه تحت تجربة، وموافقاً بكامل قواه العقلية على التجربة فى الإطار البحثى وبالضوابط العلمية الصارمة، هذه هى أبسط حقوقه، وقد علمنا أساتذتنا الكبار العظام الذين شرفوا الطب المصرى وما زال تلامذتهم من الجيش الأبيض يبذلون كل الجهد من أجل الحفاظ على نقاء ثوب الطب الناصع، لذلك إذا خرج طبيب أو آخر، وهم قلة قليلة، عن هذا الخط لا بد من محاسبتهم بشدة حفاظاً على قدسية المهنة التى أقسمنا على احترامها حتى الموت، والمحاسبة لا بد أن يسعى لها أبناء المهنة أنفسهم، ونتمنى من نقابة الأطباء وعلى رأسها طبيب أستاذ محترم علمنا ونحن طلبة فضول المعرفة وزهد المكسب، أن تنشر تلك الثقافة العلمية، ومن وزارة الصحة التى على رأسها عالم وأستاذ جامعة جليل لا يرضى أبداً أن تخترق النظم والمعايير الطبية المنضبطة من أجل مكسب قصير أو شو مؤقت.