توقيت القاهرة المحلي 00:06:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أنا أعتقد

  مصر اليوم -

أنا أعتقد

بقلم :خالد منتصر

جملة وجدتها على كارت بوستال يباع فى متحف التاريخ الطبيعى بلندن، وتذكرت أننى قد قرأتها على هامش كتاب داروين بجانب الرسم التخطيطى الذى كان قد رسمه لشجرة التطور، «أنا أعتقد i think» هى مفتاح ثورة العلم الحقيقية، الفرق بين الفكر العلمى والفكر الأسطورى القديم يكمن فى تلك الجملة العبقرية التى كتبها داروين بشخبطة مترددة ومتوارية على هامش صفحة فى كتاب.

قديماً كان الإنسان يتجه لسؤال الكاهن الذى كان يعرف كل شىء، لذلك يجيب عن أى شىء، ولا يمكن أن يقول «أنا أعتقد» لأنه يعتبرها انتقاصاً منه ومن هيبته وكرامته، من هنا نبتت ونمت قوة العلم، عرفنا أنه لا توجد إجابات قاطعة، وأن اليقين وهم، وأن النظرية العلمية تقاس بمدى قوتها على الصمود والتصدى لسهام النقد، لكن تلك القوة وذلك الصمود لا يمنعنا من النقد مرة وعشرين وألفاً، فنحن فى العلم فى حالة مطاردة دائمة ومزمنة للحقيقة المراوغة، لكنها المراوغة الممتعة.

ما زال هذا الكارت قابعاً على مكتبى يذكّرنى فى كل دقيقة بأن اليقين المزعوم المريح هو مجرد خدعة، وأن العلم قوته فى تواضعه، وأن كلمات «أعتقد وربما وأظن» هى التى خلقت كل تلك النعم العلمية التى حولنا، وهى التى فجّرت الثورة التى بسببها لم نعد نخاف أو نخشى الظلام فقد قهرناه بالكهرباء، لم نعد نخشى الجدرى وشلل الأطفال والدفتيريا فقد هزمناها باللقاح، أنقذنا الأطفال من الموت المبكر ورفعنا متوسط العمر واستطعنا أن نجمع شخصين «صوت وصورة» وهما على بُعد آلاف الأميال، وهبطنا على سطح القمر والمريخ، لم يعد القمر كلمة فى قصيدة ولا المريخ حلماً فى رواية، قال جاليليو أنا أعتقد أن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس وكان دليله التليسكوب ولكن الكنيسة سجنته، قال القس برونو أنا أعتقد ولكن زملاءه الكهنة لم يحتملوا اعتقاده واتهموه بالهرطقة وأُحرق فى الميدان! قال ابن المقفع أنا أعتقد لكن الخليفة اتهمه بالتطاول وهز الثوابت وقُطعت أطرافه وشويت أشلاؤه، قال سقراط أنا أعتقد وظل يحرض الشباب على السؤال فتجرّع السم مجبراً لأن العامة لم يحتملوا دهشة السؤال، قال ابن سينا وجابر بن حيان والرازى أنا أعتقد وتم تكفيرهم جميعاً.

هذه العبارة هى الديناميت الذى فجّر جبل الخرافة وشق الطريق للضفة الأخرى حيث النور والحلم والأمل والحضارة، «أنا أعتقد» أهميتها فى منح التقدم والرغبة فى الخروج من شرنقة التخلف، فالتخلف لم يعد قدراً سرمدياً أو مصيراً محتوماً، قالوا قديماً العمر لا تستطيع تجاوزه وما دام الناس يموت معظمهم فى الثلاثين وربع الأطفال يرحلون قبل مرور عامهم الأول فلا فكاك من هذا المصير، جاء العلم وقال أنا أعتقد أننا نستطيع تجاوز هذا المصير وتعديله، فصار متوسط العمر فى بعض البلاد الأوروبية سبعين عاماً وانخفضت نسبة وفيات الأطفال، وكسب العلم الرهان لأنه يعتقد ولا يجزم، يعترف بالخطأ ولا يكفّر من يطرح الأسئلة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنا أعتقد أنا أعتقد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:01 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة
  مصر اليوم - أنغام تطلق فيديو كليب «تيجي نسيب» بتقنية Dolby Atmos لأول مرة

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

أفضل ماركات العطور النسائية للخريف

GMT 01:24 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

تذبذب أسعار الدواجن في الأسواق المصريةالخميس

GMT 21:46 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

تعرَف على جمال مدينة "دهب" جنوب سيناء

GMT 18:21 2024 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

أهمية تناول المكملات الغذائية يومياً

GMT 10:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار تنسيق موديلات عبايات أسود وذهبي للمناسبات

GMT 00:30 2021 الأربعاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

عطل في تطبيق جيميل Gmail والمستخدمون يلجأون لتويتر

GMT 09:01 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

ليلى طاهر تعلن اعتزالها التمثيل دون رجعة

GMT 21:32 2021 السبت ,04 أيلول / سبتمبر

أفكار لتنسيق السروال الأبيض في موسم الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon