بقلم :خالد منتصر
هناك إصرار غريب من بعض المواقع الإخبارية على تصدير صورة ذهنية عن الفنانة الكبيرة سهير البابلى بعد رحيلها كداعية دينية، وشطب صورتها كفنانة! وأنا مندهش جداً من هذا الإصرار الغريب، فنحن قد أُعجبنا بسهير البابلى فنانة المسرح والسينما والدراما، سهير البابلى التى صالت وجالت على خشبة المسرح وتألقت على شاشة السينما وفى الدراما التليفزيونية، هى التى سكنت ذاكرتنا حتى هذه اللحظة، وليست سهير التى ارتدت الحجاب، فهذا شأن خاص بين المرء وربه، وليس هو مصدر حبنا لها، فمليون امرأة ارتدين الطرحة ولهن كل الاحترام، لكن لم ولن تكتب عنهن الصحف أو تحتفى بهن المواقع أو يبكى عليهن المعجبون، هى سهير واحدة وختم الحب اكتسبته من خلال فنها، وبصمتها على شغاف القلب جاءت من أدوارها الفنية، تعجّبت أكثر حين وجدت احتفاءً من معظم تلك المواقع بجملة الحمد لله أننى لم أمت على خشبة المسرح! فالموت على خشبة المسرح ليس عاراً ولا خطيئة ولكنه شرف وفخار، شرف أن أموت وأنا أؤدى دورى فى الارتقاء بالوجدان والشعور والسمو بالروح والعقل، لو كانت هذه هى مهمتى وعملى فمرحباً بها حتى آخر لحظة من حياتى.
لماذا تلك المحاولات الملحة لتحقير الفن وقتل قوانا الناعمة بهذا الشكل، والإصرار على تحويل فنانينا ونجومنا إلى دراويش فى جلسة زار؟! لماذا هستيريا استتابة الفنان قبل موته؟! لماذا رفع فزاعة الفسق والمجون وطهر نفسك من التلوث الفنى قبل القبر؟! إلخ.
الفن ليس خطيئة لكى نعتذر عنها، الفن أسمى الأعمال والمهن، لا يستطيعه إلا الموهوب بجد، أشم رائحة غيرة من أرباع الموهوبين وقساة القلوب الذين لم يتصالحوا مع ذواتهم وانكشف عجزهم الفنى فصبوا جام غضبهم على الفنانين الحقيقيين، حدثت هذه الخلطة الدرويشية عند الحديث عن شادية بعد وفاتها، وخرج فنان ملتحٍ شبه معتزل يقول إنها تابت، وكأن الفن رذيلة. سهير البابلى لمن لم يشاهدها على مسرح الستينات والسبعينات كانت أيقونة فى فن الأداء، وكانت عجينة تمثيلية طيّعة ومدهشة وسحرية يتهافت عليها مخرجو المسرح الكبار، المخرج كرم مطاوع أعاد اكتشافها فى «الفرافير»، أجمل ما كتب يوسف إدريس من مسرحيات، وكانت ثورة مسرحية حينذاك وما زالت. المخرج عبدالرحيم الزرقانى فى مسرحية «ليلى والمجنون» لصلاح عبدالصبور منحها دور البطولة أمام الشاب محمود ياسين، الذى ألقى أجمل مونولوجات شعرية فى تاريخ المسرح الشعرى المصرى، ولكنها بحضورها الطاغى شاركته الضوء والتألق، المخرج سيد راضى اكتشف البركان الكوميدى الذى كان مختزناً بداخلها ومنحها بطولة «الدخول بالملابس الرسمية».
سهير البابلى فنانة عظيمة، وسهير التى نعرفها والتى أكتب عنها اليوم والتى لا بد أن نحتفى بها من هذا المنطلق، هى الفنانة سهير البابلى، سهير التى حفرت اسمها فى خلايا عقولنا وسراديب وجداننا من خلال تمثيلها الرائع الرشيق الجميل، سهير البابلى ملكنا نحن الجمهور قبل أن تكون ملك أسرتها أو أصدقائها.