بقلم :خالد منتصر
تجربة دواء واختراع دواء والمراحل التى يمر بها، صعبة وتماثل فى صعوبتها استعدادات وكالة ناسا للهبوط على القمر! لكننا فى مصر أحياناً نتخيل أن اكتشاف دواء ممكن أن يحدث بسهولة لعب الطاولة والدومينو وبمجرد رؤيا فى منام أو نميمة فى صالون! هناك أسئلة بديهية للأسف لا يسألها معظم المصريين ولا يعرفون إجاباتها نتيجة غياب الثقافة العلمية مثل:
• هل يعنى إنى «خفيت» من مرض بعشب وهمى أو بقرص تتم تجربته أن هذا العشب أو القرص هو الذى عالجنى؟ هناك ما يسمى بالـplacebo effect يعنى قرص نشا تأخذه من الممكن أن تتخيل أنه قد عالجك، ولابد فى أى تجربة أن تعطى الدواء لمجموعة والبلاسيبو لمجموعة مماثلة أخرى، ولو ثبت أنهما نفس النتيجة يشطب على التجربة، وهناك أمراض self limited نسبة كبيرة من المرضى فى هذه الأنواع من الأمراض بيخفوا ويشفوا لوحدهم لو شربوا جنزبيل أو خرجوا للهواء ونظروا للسماء، فهل هذا يعنى أن الجنزبيل أو النظر للسماء هو الذى شفاهم؟! دور البرد وأكثر من ٦٠٪ من الكورونا البسيطة ينطبق عليها هذا المثال، إذاً تجارة الوهم التى يمارسها البعض بعبارة إدانى قرص أو عشب كذا وخفيت فى التجربة هذا تدليس علمى أو بالأصح لا علمى.
• لماذا تجربة الدواء لازم تجرى فى مستشفى جامعى أو مركز بحثى؟ الإجابة: لمراقبة المريض الذى من الممكن أن يسبب له الدواء أعراضاً جانبية لم تكن محسوبة فى بداية التجربة، والمستشفيات والمراكز البحثية هى المنوط بها هذا والموجود فيها متخصصون وخبراء فى البحث العلمى وكيفية عمل الدراسات البحثية.
• هل وجود دراسة أو ألف أو مليون عن نجاح تجريب دواء معين فى علاج مرض معين يبيح للطبيب استخدامه فى عيادته؟ الإجابة: لا وألف لا، أولاً لأنه لا يستخدم دواء إلا بعد موافقة هيئة الغذاء والدواء ثم وزارة الصحة فى بلدك وهيئة الرقابة الدوائية فيها، لأن نظرتهم تكون أشمل وأعم ولا تنحاز، لأنه من الممكن أمام الألف دراسة الإيجابية عن الدواء أن تكون هناك ألف دراسة سلبية تم غض الطرف عنها.
• هل يجوز أن يصبر الطبيب وحالة مريضه الذى يجرب عليه الدواء تتدهور وهو مصر على الاستمرار فى تجربة الدواء الذى يستخدمه لأول مرة عليه؟ الإجابة: لا يجوز، بل تلك جريمة، فعندما تستخدم دواء فى غير استخدامه الأصلى وتجد من ثانى أو ثالث يوم على سبيل المثال التهاباً رئوياً شديداً من خلال التحاليل التى تؤكد ذلك، ولكنك ما زلت تصر، هنا لا تسمى تجربة بل تسمى جريمة، لأنك تهمل فى منح مريضك فرصة إنقاذه من التدهور وأحياناً إنقاذه من الموت.
• هل من المسموح أن تكون الموافقة المستنيرة للمتطوع فى تجربة الدواء على مريض شفوية؟ هل يكفى أن يقول المريض للطبيب «اتكل على الله واستعنّا ع الشقا بالله والبركة فيك...» إلخ، هل يُعتبر هذا consent موافقة مستنيرة مستبصرة بالتجربة والدواء والأعراض الجانبية؟ لا وألف لا.. الموافقة المستنيرة تعنى التوقيع كتابة على ملف كبير فيه الأعراض الجانبية بالتفصيل، وفيه إخبار للمريض بأنه تحت تجربة معرضة للفشل أو النجاح، ويوافق بملء إرادته وكامل وعيه.
• هل يجوز أن يتقاضى الطبيب مقابلاً مادياً على تجربته على المريض؟ الإجابة: ممنوع، بل العكس صحيح، المريض هو الذى يتم الصرف عليه من جنيه لمليون وأن يؤمّن عليه أيضاً من أى أخطار محتملة.
هذا هو العلم والطب الصحيح إن أردتم، لكن لو عايزين تمشوا بقانون كل واحد ودراعه وجدعنته وكل واحد يعمل ما بداله، وتلقوا بقانون التجارب الإكلينيكية فى سلة القمامة، فيا ليتكم تخبروننا حتى نستعد لزمن الفوضى والعشوائية.