توقيت القاهرة المحلي 19:22:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أمينة رشيد

  مصر اليوم -

أمينة رشيد

بقلم :خالد منتصر

إذا لخصت الراحلة د. أمينة رشيد فى كلمة فإنها «الصدق».. الصدق مع النفس ومع الآخرين، صوتها من دماغها لا من مصالحها، قرارات الحياة تخضع لبوصلة الإحساس دون حسابات الربح والخسارة، حفيدة الأرستقراطية، وبنت الذوات، وسليلة الأعيان، الجد هو إسماعيل صدقى باشا، تتكلم اللغة العربية بصعوبة، وبالرغم من كل هذه الموانع والسدود التى تحول بينها وبين من هم وراء الأسوار، أسوار العزبة والعزلة والقصر، وحواجز اللغة والمدرسة والتعليم، قررت أن تزهد فى كل هذا الهيلمان والجاه، وتبقى مع الفلاحين والعمال، تختلط بهم بجد، لم تكن سائحة فى عالمهم تطل عليهم من برجها العاجى عبر تليسكوب، ولكنها قررت أن تنصهر معهم وتفهمهم وتساعدهم أن يتمردوا على عالمهم الضيق الضنين الظالم المظلم، انضمت للحزب الشيوعى بتأثير من ابن خالة والدتها الكاتب الكبير والمفكر السياسى الرائع محمد سيد أحمد، الذى يشبهها كثيراً فى الصدق والتجرد والزهد، تخرجت فى قسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1958، ثم نالت بعثة للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون سنة 1962، وعملت بين عامى 1970 و1978 باحثة فى المركز القومى للبحث العلمى فى فرنسا، هذه المكانة الرفيعة والمستقبل الذهبى، ضحت به وركلته دون أدنى ندم، وعادت إلى مصر، دورها كأستاذ أدب مقارن فى قسم اللغة الفرنسية بآداب القاهرة كان مجرد حجر صغير فى بناء ضخم من النشاط الثقافى والفكرى والإبداعى والبحثى والترجمة، وأيضاً السياسى، الذى كانت نتيجته اعتقالها فى أحداث سبتمبر، أثناء تلك الأحداث الملتهبة وفى ظروف تلك العزلة الإجبارية وفى منفى السجن، قرر د. سيد البحراوى، ابن قسم اللغة العربية، أن يرتبط بابنة الثقافة الفرنسية ليعلمها عروض الشعر العربى وأسرار لغة الضاد المدهشة، وتأخذه هى لحديقة الأدب الفرنسى بعنفوانه وجنونه، وناره ونوره، تعرفت عليها من خلال صداقتى بسيد البحراوى، الذى كان ابن قرية «كفر نفرة»، ببركة السبع، وهى نفس القرية التى ينتمى إليها زميلى فى كلية الطب «جمال»، الذى يعمل الآن فى تخصص جراحة الأطفال بهولندا بعد حصوله على الدكتوراه من بلغاريا، وكان الوسيط الذى سهل له هذه المنحة هو «البحراوى» وعطية الصيرفى، وهو من اليساريين المخلصين الأنقياء، من خلال تلك العلاقة بين صديقى «جمال» وبين ابن قريته، توطدت صداقتى بسيد البحراوى ومن ثم علاقتى بزوجته أمينة رشيد، وزاد من عمق العلاقة أننى قضيت معظم فترة الامتياز فى مستشفى بولاق الدكرور، القريب من مساكن أساتذة جامعة القاهرة، وكان حظى رائعاً حينذاك، وأنا ما زلت أتلمس طريقى فى دروب الفكر ومتاهة النظريات وعطش الثقافة، أن قابلت من خلال «البحراوى» وتعرفت على أساتذة قسم اللغة العربية بآداب القاهرة، الذين كانوا يشكلون كتيبة تنوير رائعة وثرية وثورية ومتمردة نادرة التكرار؛ نصر حامد أبوزيد وجابر عصفور وعبدالمحسن طه بدر والبحراوى وغيرهم ممن شكلوا وجدان وعقل جيلى بشكل كبير، وكانت أمينة رشيد دائماً هى رمانة ميزان الرزانة بصوتها الهادئ ذى الإيقاع الملائكى الرخيم الذى يحاول الحفاظ على رصانة الفصحى وسط أناقة ودلال الفرنسية، كان لا ينافسه إلا صوت «البحراوى»، الذى تحس أنه منغم كالتراتيل، متصالحة مع النفس بطريقة مدهشة، شاهدتها كيف تتعامل مع والد «البحراوى»، الفلاح البسيط القادم من كفر نفرة بكل الألفة والمودة والبساطة، كانت تخفى وراء نظارتها السميكة وعينيها الضيقتين حكمة السنين ورجاحة التجربة وتأمل الفلاسفة وتسامح النساك واستغناء القديسين، كانت ملاكاً، واليوم عاد هذا الملاك لجزيرته بين نتف السحاب، حيث مطر الخير والعطاء بلا حدود.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمينة رشيد أمينة رشيد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon