بقلم :خالد منتصر
شجرة التنوير تتساقط أوراقها، رحل عنا د. جابر عصفور المحارب العنيد فى ساحة التنوير، ودَّعنا وترك لنا ساقية الدموع التى لا تجف، عندما كنت طالباً فى إعدادى طب بجامعة القاهرة، كنت أبحث عن ضوء فى نهاية النفق المعتم، أترك مدرج كلية العلوم لأتجول فى الكليات المجاورة، حتى وصلت إلى كلية الآداب، خاصة قسم اللغة العربية، وهناك وجدت ضالتى، لم أجد بقعة نور خافتة، ولكنى وجدت السد العالى نفسه، مصدر ومفاعل التنوير المشع، مجموعة أساتذة متمردين؛ عبدالمحسن طه بدر ونصر أبوزيد وسيد البحراوى وأحمد مرسى.. إلخ، وعلى رأسهم القائد والمايسترو جابر عصفور، جلست فى محراب هذا القسم الثورى، وعرفت أن طه حسين قد ترك جيناته فى هذا القسم العظيم، قبل رحيله بسنوات حكى لى فى برنامجى على قناة دريم عن لقائه الوحيد بطه حسين، قال إن ما جعله يعشق اللغة العربية كان كتاب «الأيام» الذى استعاره من مكتبة المحلة فى طفولته، ثم أخذه عشق طه حسين إلى ضفاف قسم اللغة العربية، حلم بلقاء طه حسين طالباً، فأخبروه أنه يدرِّس للدراسات العليا فقط، فقرر أن يتفوق حتى ينال شرف اللقاء، وعندما حصل على المركز الأول كان العميد قد اعتزل التدريس، فطلب من أستاذته سهير القلماوى وتلميذة طه وابنته الروحية أن تسمح له بلقائه، وقبل العميد، حكى لى عن الرهبة التى أصابته عند لقاء هذا العملاق، وإذا كان هذا اللقاء هو الوحيد، فقد أخلص جابر لقضية طه حتى آخر نفس، فظل أثناء فترة تدريسه وحتى رأس قسم اللغة العربية حريصاً على أن يكون التجديد قضيته، احتضن شعر الحداثيين والمجددين من صلاح عبدالصبور حتى أمل دنقل، ثم عندما ترأس المركز القومى للترجمة قرر اختيار أهم كتب التنوير مثلما فعل جده الروحى ونموذجه القدوة طه حسين من قبل، عندما رشحوه وزيراً للثقافة بعد يناير أحس بأن تيار الإخوان سيقفز على الحكم وأن هذا ليس مكانه، وبعد طرد الإخوان عاد لموقع وزير الثقافة ووضع خططاً ومشاريع خارج الصندوق كعادته، ظل بعد خروجه من المنصب مخلصاً لقضية تجديد الفكر وتنوير العقل وتحرير المرأة، جابر عصفور كان وسيظل أيقونة تنويرية بصمتها كالوشم فى حياتنا الثقافية والفكرية، اقتربت منه فى الفترة الأخيرة حيث كنا على تواصل بشأن حالته الصحية، كان على المستوى الإنسانى محباً وودوداً وخيراً، رحم الله د. جابر عصفور، وألهم زوجته الصديقة العزيزة د. هالة فؤاد الصبر والسلوان.